"الدول الافريقية ستتبنى موقفاً موحداً بهدف تهيئة حياة أفضل للأطفال في القرن الحادي والعشرين"، لاحظ العبارتين التاليتين: "موقف موحد" و"حياة أفضل"! هل تبدوان درباً من الخيال لا سيما في القارة السمراء، الأغنى والأفقر والأكثر مشكلات؟ ربما، لكن منظمتي الوحدة الافريقية والطفولة التابعتين للأمم المتحدة يونيسف لهما رأي مخالف، أو على الأقل تسعيان - وعلى حد قول المثل المصري العام الى ان تصنعا من الفسيح شربات، وذلك من خلال مؤتمر تستضيفه القاهرة. المؤتمر، الذي يستمر حتى 31 آيار مايو الجاري في واقع الأمر، مؤتمران منفصلان. الأول وهو "المؤتمر الافريقي عن مستقبل الطفولة"، والثاني "الطفل الافريقي في النزاعات المسلحة". وتوضح أمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة السفيرة مشيرة خطاب أن المؤتمرين سيعقدان في المكان نفسه، وهو مركز المؤتمرات في مدينة نصر، وأنه توفيراً للكلفة، وخصوصاً أن الوجوه المشاركة تقريباً واحدة، تقرر تضمين نتائج المؤتمر الثاني في برنامج الأول. ونعود الى المؤتمر الأول، والذي يأتي قبل ثلاثة أشهر من الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة عن الأطفال والتي تُعقد في نيويورك في أيلول سبتمبر المقبل. فعلى رغم التقدم الذي تحقق على مدى العقد الماضي، والذي أسهم في إنقاذ حياة ملايين من الأطفال وفي تحسين نوعية حياتهم، إلا أن الدلائل تشير إلى تراجع ملحوظ في وضع الأطفال في افريقيا اقتصادياً واجتماعياً، ولائحة الأسباب تكاد تكون معروفة. يقول ممثل منظمة الوحدة الافريقية السفير شعبان الفيتوري قشوط إن الفقر والنزاعات المسلحة ومرض نقص المناعة البشرية المكتسب الإيدز تتبوأ مراكز بارزة في اللائحة. وهو يركز على السبب الأخير الذي يتسبب في قتل والدي الطفل الافريقي، وأخيه الأكبر، وأفراد الطبقة المنتجة في المجتمع، وهو ما ينتج منه تشرد الطفل. قشوط يصف توقيت المؤتمر الافريقي عن مستقبل الطفولة بأنه استراتيجي "فأفريقيا غنية بالذهب والماس والخشب والحديد والفوسفات والاسماك، وحتى الأوكسجين، وعلى رغم ذلك لا تُستغل بالشكل الأمثل. من جهة أخرى، فإن العولمة في تحويلها العالم الى قرية صغيرة تعني أن الأسواق المفتوحة أضحت ضرورة ولا مجال للاختيار فيها، ومن ثم فالحاجة ملحة إلى توحيد القارة الافريقية". وإذا كان هناك يقين كامل من أن وجود طفل مصري، وآخر نيجيري، وثالث إثيوبي، ورابع رواندي، وخامس تونسي، في غرفة واحدة يعني أن الجميع سينخرط في لعبة واحدة في دقائق، فإن وجود حكوماتهم في موقع واحد لا يعني حتماً نتيجة مماثلة. فالقارة الافريقية شاسعة المساحة، ومتنوعة المشكلات، ومتفاوتة الحلول. وهو ما أثار تساؤلات عن إمكان الخروج ببرنامج واحد يتلخص في "موقف افريقي موحد" هدفه تعزيز التزام الدول الأعضاء في المنظمة. وما يزيد من حدة التساؤلات أنَّ تلك الدول كانت من أوائل من صدّق على اتفاق حقوق الطفل، واتفاق أوتوا المتعلقة بحظر استخدام وتصنيع الألغام الأرضية المضادة للأفراد. وعلى رغم ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن المشكلات في افريقيا أعاقت تنفيذ العهود التي قطعها قادة دولها على انفسهم قبل عشرة أعوام. السفيرة مشيرة خطاب تؤكد على أن التفاوت حقيقة واقعة في افريقيا ولكن روعي أن تمثل الأوراق المقدمة الجميع على اختلافاتهم وانتماءاتهم، وتضيف: "ستعرض كل دولة تجاربها الناجحة في مختلف المجالات من تعليم وصحة ونزاعات وغيرها. فالغاية هي الاستماع والافادة". ولكن ماذا عن التمثيل في المؤتمر في ظل النزاعات والانشقاقات المميزة للقارة الافريقية؟ ترد خطاب بديبلوماسية أنيقة: "منظمة الوحدة الافريقية منظمة حكومات، لذا فهي توجه الدعوة الى حكومات، لكنها تحثها على أن تشمل الوفود في مختلف الاتجاهات والتيارات". وتضيف قشوط أنها فرصة لاجتماع الدول المتنازعة. ولعلّ المشاركين في المؤتمر يمثلون الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، إضافة إلى عدد من الشخصيات الافريقية والعالمية البارزة ومنها أمين عام منظمة الوحدة الافريقية سليم أحمد سليم، والمديرة التنفيذية ليونيسف كارول بيلامين، وصاحب المؤلفات الكثيرة عن افريقيا والسودان فرانسيس دنغ، والناشط في الأمور البيئية وانغاري معاثاي. وتشارك ضمن الوفود مجموعة من الأطفال والشباب من مختلف ابناء افريقيا. ووجهت قرينة الرئيس المصري السيدة سوزان مبارك ينعقد المؤتمر تحت رعايتها الدعوة إلى السيدات الأول في عدد من الدول الافريقية للمشاركة، وهو ما دعا "الحياة" إلى الاستفسار عن سبب عدم توجيه الدعوة إلى الرجال الأوائل كذلك ولا سيما أن المؤتمر يناقش مؤتمر القارة بأسره. هذا التحفيز مهم جداً، وذلك بعد مرور ثمانية أعوام على المؤتمر الدولي لدعم الطفل الافريقي، وعشر سنوات على اتفاق حقوق الطفل والميثاق الافريقي حول حقوق الطفل، وتقويم أداء القارة في هذا الصدد ب"الأضعف". والمحاور الستة التي يؤمل أن تسهم بمناقشاتها ونتائجها في تحسين هذا الاداء تبدأ بحقوق الطفل في افريقيا وهل هي اسطورة أم حقيقة، ثم تتطرق إلى التغلب على التحديات واسباب فشل جهود تحسين المؤشرات الرئيسة في بقاء الطفل وصحته وتغذيته وسلامته وغيرها، وكذلك التعليم باعتباره أساس التنمية، وتسترشد الجلسة بالحملة الدولية التي طرحتها المديرة التنفيذية ليونيسف كارول بيلامين في العام الماضي في أديس ابابا، وهي أعلنت خلالها عن عزم المنظمة ضمان توفير التعليم المجاني لجميع الأطفال. أما المحور الرابع فهو الأطفال في ظروف النزاعات، وتشمل مناقشة أوضاع الأطفال اللاجئين والهائمين والمشردين، والمختطفين والمقاتلين والخيارات المتاحة لهم. ويناقش المحور الخامس دور الأطفال والشباب في التطور الاجتماعي. وبما أن كلمة "اليافعين" أضحت من الكلمات الاستراتيجية في مثل تلك الملتقيات، فستخضع منظمات الشباب للنقاش، ويستعرض المشاركون القضايا الرامية إلى دعم المشاركة مثل "برلمانات الطفل". وتحت عنوان "القيادة والمسؤولية في مجال الطفولة" يناقش المحور السادس الديموقراطية والحكم الصالح وأدوار مؤسسات المجتمع المدني، ضمن قضايا أخرى متشابهة، وهو ما يدعو إلى التساؤل: "ما مدى الواقعية في أن يناقش ممثلو الحكومات الافريقية المجتمعون الديموقراطية والحكم الصالح؟"، وهو ما ترد عليه خطاب بقولها: "تشارك في المؤتمر عناصر عدة من المجتمع المدني وليست فقط الحكومات، ثم إننا أصبحنا في زمن اللاعودة عن الديموقراطية". ومن يدري ربما ينجح المؤتمر قولاً - والأهم فعلاً - في أن يخلق حركة ديناميكية عبر القارة الافقر والأغنى في آن، وبناء شراكات بين الشباب والحكومات والمجتمع المدني والمنظمات المدافعة عن حقوق الطفل، ليكون بذلك بيانه الختامي الذي سيطلق عليه "افريقيا جديرة بالأطفال" بياناً جديراً بالاحترام.