ستتيح الأيام القليلة المقبلة فرصة لكل من يريد ان يتابع، عن كثب، سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الاوسط. ستكون مشغولة بأمرين: الوساطة من أجل تنفيذ "تقرير ميتشل"، واستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يعيد هيكلة العقوبات على العراق. وهي ستتصرف، في الحالين، انطلاقاً من انتقادات وجهها الفريق الحالي الى الادارة السابقة: تركيز الاهتمام على "الصراع" العربي - الاسرائىلي، وتجاهل "الخطر" العراقي. واضح أن الادارة ستواكب ما يقوم به الفريق الاميركي برئاسة وليام بيرنز، لكنها ستلقي بثقلها وراء المشروع البريطاني علماً ان "احترامها" لمجلس الأمن وصل بها الى حد الامتناع، حتى الآن، عن تعيين سفير جديد لها في هذه الهيئة الدولية. يمكن الرهان، منذ الآن، على أن تقرير ميتشل سيتحول الى مجرد دعوة لوقف اطلاق النار بلا قيد أو شرط. أي أن موافقة ستحصل على تعطيل البند الرئىسي فيه المتعلق بوقف النشاطات الاستيطانية الاسرائيلية، وهو الأمر الذي يجعل منه سلسلة مطالب من الفلسطينيين فقط تلبي الشروط المعروفة التي وضعتها حكومة ارييل شارون. وسيكون المدخل الى تغطية هذا الانحياز التركيز على موضوع "النمو الطبيعي" والتسامح مع التصور الاسرائىلي له. ولن يكون صعباً تمويه ذلك بانتقادات لبعض التصرفات الهوجاء طالما ان الجوهر مضمون، سواء لجهة التهدئة الأمنية ام لجهة شروط استئناف المفاوضات السياسية. في المقابل، يمكن الرهان ايضاً، على ان الجهد المركزي سيتوجه الى مجلس الأمن من اجل تذليل العقبات الحائلة دون تمرير مشروع القرار الجديد. وبدأ هذا الجهد يعطي ثماره باهتزاز الموقف الفرنسي، مما يحرم مشروع القرار الروسي من دعم مميز، ويضع موسكو امام امتحان تريد تجنبه: ممارسة حق النقض. الفرصة في نيويورك هي حتى 4 حزيران يونيو وإلا يمدد العمل ب"النفط للغذاء". غير ان الادارة تريد اظهار تصميمها وافهام المعنيين ان تغييراً حصل في البيت الابيض، وان المراجعة التي حصلت للسياسة الاجمالية حيال العراق اثمرت "عقوبات ذكية" في انتظار بت مصير العنوانين الباقيين المتعلقين بالسياسة حيال المعارضة ومناطق الحظر. لا ضرورة، ربما، للتشكيك بالسطوة الاميركية في مجلس الأمن وخارجه. غير ان ما يقلل قدرة هذه السطوة على تحقيق نتيجة هو الانقطاع المطلق للصلة بين ما تريده حيال العراق وبين المزاج العام في الشرق الاوسط. المشروع الجديد للعقوبات كثير التفاصيل وهو يقوم عملياً على فكرتين اساسيتين: السيطرة على الموارد المالية لبغداد والسيطرة على الواردات الداخلة الى البلد. وتلتقي الفكرتان عند نقطة واحدة تفترض ان العراق لن يتجاوب وان البلدان المجاورة، سورية والاردن وتركيا تحديداً، ستكون متحمسة للتعاون. واذا كان الشق الاول، عدم تجاوب العراق، مؤكداً فإن الشق الثاني، حماسة دول "الخط الاول"، يثير شكوكاً لا حصر لها. فهذه الحماسة تعني الموافقة على خسائر مالية قد لا يعوّض عنها فعلاً، وتعني التنازل عن بعض السيادة الوطنية لمصلحة فرق مراقبين دوليين يرفضها العراق المحاصر، وتعني تغييراً جذرياً في اولويات عواصم محددة من اعتبار اسرائىل مصدر الخطر الاول على المنطقة واستقرارها ومستقبلها الى اعتبار العراق سبب التهديد الخطير. ولا يحتاج المرء الى اضفاء شحنة "قومية" مبالغ فيها على الدول العربية من اجل القول انه يصعب عليها جداً تمرير تعاونها مع اميركا ضد العراق في ظل هذه الدرجة من التعاون الاميركي مع اسرائىل ضد الفلسطينيين وغيرهم. ان السطوة الاميركية وحدها لا تكفي لاحداث مثل هذا الانقلاب في حقائق المنطقة، وعلاقاتها، ووعي نخبها الحاكمة، فضلاً عن المشاعر السائدة لدى شعوبها. ومع ذلك فإن واشنطن ستحاول كل من يراهن على العكس خاسر ما لم تواجه مقاومة ترغمها على اعادة صوغ توجهاتها.