هل يعني وقف الاتصالات السياسية سحب المبادرة المصرية - الأردنية من التداول؟ طبعاً لا... فهذه المبادرة كانت مساهمة عربية في معالجة الوضع قبل توغله أكثر فأكثر في التدهور. وهي موجودة منذ لحظة ولادتها عند الإدارة الأميركية، لو ارادت التحرك، لكنها تلكأت وترددت وشاركت بدورها في مفاقمة الخطر من دون أن تبدو مدركة فعلاً لما فعلت. مفتاح "وقف العنف" عند الأميركيين. وواشنطن هي العنوان، خصوصاً بعدما تقاطعت بنود "المبادرة" مع تقرير "لجنة ميتشل". وهذا التقرير هو في النهاية ورقة أميركية أولاً ودولية ثانياً. ولعلها المرة الأولى التي يقحم فيها موقف من خارج الإدارة نفسه على الإدارة، فيما هي تحاول التهرب من مسؤولياتها. والفشل الأميركي هنا أصبح مدوياً، لأن المساواة بين الطرفين في دعوتهما إلى ضبط النفس ووقف العنف لم تنجح في إقامة توازن ولا في نسج حياد مزعوم للإدارة. فعندما تكون واشنطن عارفة جيداً أن موازين القوى بالغة الاختلال لمصلحة إسرائيل، وتصرّ مع ذلك على معالجة الوضع بتمرينات لفظية، فإنها تمارس الكيل بمكيالين. ليس من شأن الولاياتالمتحدة، وهي الدولة العظمى الوحيدة والراعية المفترضة لعملية السلام، أن تتبنى حقارات ارييل شارون وحكومته، أي أن تتبنى سعي إسرائيل إلى تركيع الفلسطينيين واستدراجهم إلى الاستسلام بهدف فرض مشروع "سلام" عليهم. ويفترض أن لا تنسى الولاياتالمتحدة أن أبسط شروط البحث عن سلام ألا يصار إلى تجاهل الحقائق. بل لا يجوز أن تركن واشنطن إلى التقارير الإسرائيلية لمعرفة هذه الحقائق سواء ما يتعلق منها ب"العنف" أو بالرئيس الفلسطيني أو بدور أجهزة الأمن الفلسطينية في إدارة الانتفاضة. ماذا تعني دعوة لجنة المتابعة العربية، التي تمثل القادة العرب كونها انبثقت من مؤتمر القمة، إلى دعم استمرار الانتفاضة؟ لا شك أن الأميركيين والإسرائيليين يكرهون سماع مثل هذه الدعوة، خصوصاً أنها مرفقة بدعوة أخرى لفتح تبرع شعبي عربي عام. فالإسرائيليون روّجوا مصطلح "العنف" كي يستخدمه الإعلام الغربي بدلاً من مصطلح الانتفاضة. ومن هنا فإن الموقف العربي يساوي عندهم "استمرار العنف"، وبسهولة ينزلق الكلام عن "العنف" إلى إدانة ل"الإرهاب"، تحديداً عندما تكون الإدارة الأميركية مستعدة لاعتماد مثل هذه الألفاظ، لئلا تضطر إلى استخدام "المقاومة" ضد الاحتلال، كونها لم تعترف بعد بوجود هذا الاحتلال واعتبرته دائماً نوعاً من "النمو الطبيعي" لإسرائيل من أجل حماية أمنها. لكل ذلك يبدو دعم استمرار الانتفاضة نوعاً من التحدي العربي للنهج الأميركي - الإسرائيلي الراهن. ولكنه تحد لا يزال يصعب تحسه في ممارسات الحكومات العربية. وليس مؤكداً أنه سيتمكن من تجاوز الإطار اللفظي. مع ذلك، ستستخدمه أميركا وإسرائيل لتبرير حربهما المشتركة على الفلسطينيين. ماذا يعني التحذير الأردني من تحضير إسرائيل لحرب ضد سورية ولبنان؟ الأيام المقبلة بالغة الخطورة. فالإدارة الأميركية تتهيأ لإعلان مواقف، وهي على رغم حرصها على عدم اغضاب شارون لا تزال عاجزة عن توقع ردود فعل مجرم الحرب الإسرائيلي هذا. أصبح محسوماً أنه كلما أمعن شارون في القتل والتدمير من دون أن يحصل على استسلام فلسطيني كلما خطا نحو الفشل. وبالتالي فإن الهروب إلى أمام، إلى حرب ضد سورية ولبنان، قد يكون أحد خياراته. وقد سبق للجيش الإسرائيلي أن وضع هذه الحرب في خططه غير آبه بما إذا كانت سورية تسعى إلى حرب أو بالأحرى تحاول تجنبها. الأخطر من وجود شارون وعصابته في الحكم أن لا يكون في واشنطن عقل حكيم في البيت الأبيض. حتى الآن استطاعت إسرائيل أن تستدرج الولاياتالمتحدة إلى السياسة التي وضعتها، ومن شأنها أن تحرجها بحرب اقليمية ولو محدودة. والأخطر من ذلك أيضاً أن يجد بعض العقول التعيسة في الإدارة الأميركية أن ثمة مصلحة الآن في مجاراة إسرائيل في جنونها ريثما تتمكن واشنطن من تمرير المشروع الجديد للعقوبات ضد العراق، عملاً بسياسة الربط التقليدي بين ملفي الشرق الأوسط والعراق واستخدام التجاذب بينهما. وهي سياسة اثبتت مراراً عدم جدواها.