} قضت محكمة أمن الدولة العليا في مصر أمس بالأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات في حق رئيس "مركز ابن خلدون" الدكتور سعد الدين إبراهيم لادانته بتهمة تاقي اموال من الخارج والاساءة الى سمعة مصر. كما قضت بالأشغال الشاقة والسجن لمدة خمس سنوات في حق اثنين من المتهمين في القضية التي تفجرت في بداية تموز يوليو الماضي، والسجن لمدة سنتين لاربعة متهمين والسجن لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ لبقية المتهمين ال21 متهماً. أسدلت محكمة أمن الدولة العليا في القاهرة أمس الستار على قضية "مركز ابن خلدون" التي شغلت الأوساط المصرية والدولية منذ تفجرّها في بداية تموز يوليو الماضي، إذ أصدرت المحكمة الاحكام في القضية التي اتهم فيها رئيس المركز الدكتور سعد الدين إبراهيم و27 من الباحثين والمتعاملين مع المركز. وكان مقرراً أن تكون جلسة امس هي الأخيرة وأن تخصص لسماع تعقيب نيابة أمن الدولة على مرافعات الدفاع وتعليق الدفاع على تعقيب النيابة على أن تحدد المحكمة جلسة مقبلة للنطق بالأحكام، لكن قاعة المحكمة شهدت تحركات غريبة بعدما أعلن القاضي محمد عبد الجيد شلبي رفع الجلسة للاستراحة إذ دخلت أعداد كبيرة من قوات مكافحة الشغب القاعة في حين حمل بعض الجنود كمية من القيود الحديد. فاعتقد الحاضرون أن المحكمة ستقرر إبقاء المتهمين رهن الحبس الاحتياطي الى حين صدور الحكم، وبعدها دخل القاضي القاعة وأعلن الأحكام على النحو التالي: الاشغال الشاقة لمدة سبع سنوات للمتهم الأول سعد الدين إبراهيم الذي صاح: "مش معقول مش معقول". والاشغال الشاقة لمدة سنتين لكل من سكرتيرته عبد النور خليل ومسؤول النشاط السياسي في المركز خالد فياض والمحاسبين مروة إبراهيم زكي وأسامة حماد والاشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات للمتهمة ماجدة البيه اضافة الى سنتين أخريين للمتهمة نفسها لإدانتها بتهمة التزوير ونفس العقوبتين للمتهم محمد حسين عمارة. وأعلن القاضي أن بقية المتهمين في القضية صدرت في حقهم احكاماً بالسجن لمدة سنة واحدة ولكن مع وقف تنفيذ الحكم. وعلى ذلك فإن احداً من المتهمين لم يحصل على البراءة. وتعالى الصراخ داخل قاعة المحكمة وإنهار بعض من أهالي المتهمين واصيبت نساء بحالات اغماء، وسريعاً أحاط رجال الأمن بقفص الاتهام وبدأوا في ترحيل المتهمين الى سجن طرة ليبدأوا في تنفيذ العقوبة. وتمكنت "الحياة" من الحديث إلى إبراهيم الذي أعلن انه سيلجأ إلى محكمة النقض للطعن في الحكم. وأكد أنه ليس نادماً على أي سلوك فعله في السنوات السابقة. وكانت الجلسة بدأت بصورة طبيعية وتحدث رئيس النيابة السيد أشرف هلال وعرض وقائع القضية مجدداً، واعتبر أن مرافعات الدفاع ركزت على أمور شكلية من دون الوقائع القانونية، وأعلن تمسك النيابة بالتهم الموجهة الى جميع المتهمين وعلى رأسهم إبراهيم وهي: "تلقي اموال من جهات أجنبية مقابل إمدادها بمعلومات تسيء إلى وضع مصر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومخالفة الأمر العسكري الصادر في العام 1992 والذي يحظر على أي جهة أو شخص تلقي تبرعات أو منح دون الحصول على ترخيص من الدولة، والتزوير في محررات رسمية والاتفاق الجنائي على ارتكاب جريمة الرشوة"، وعرض هلال الأدلة الثبوتية ضد المتهمين وكذلك اعترافات بعضهم في تحقيقات النيابة وطالب المحكمة تطبيق أقصى العقوبة ضد المتهمين في القضية. ثم أعطت المحكمة الدفاع الفرصة للرد على حديث النيابة فأكد المحامون أن "مركز ابن خلدون" لم يتلق تبرعات من الاتحاد الأوروبي أو أي جهة أجنبية، وإنما حصل على أموال مقابل خدمات قدمها المركز لتلك الجهات بناء على عقود موقعة بين الطرفين، ونفى المحامون وجود اتفاق جنائي بين المتهمين لارتكاب أي جريمة، وأكدوا أن إبراهيم وغالبية المتهمين لم يلتقوا من قبل في أي مكان وأن طبيعة عمل المركز تجعل كل واحد منهم مسؤول عن القطاع الذي يعمل فيه. ودافع المحامون عن إبراهيم باعتباره واحداً من اهم دعاة حقوق الانسان في العالم، واكدوا أن مكانته في المحافل الدولية كبيرة، واعتبروا أن القضية قصد بها التشهير به والإساءة إلى سمعته والانتقام منه لمواقفه الصريحة من بعض القضايا الشائكة كالديموقراطية والانتخابات والأقباط. ثم طلب إبراهيم الكلمة فسمحت له المحكمة فتحدث بتأثر شديد حتى أنه بكى وقال: أوجه شكري لكل من تابع أحداث القضية متابعة جادة وموضوعية وهي ليست قضية إتجار أو تعاطي للمخدرات، وبين سنتي 1992 و1995 كنت أخاطب اكثر من 20 مليون مواطن مصري من خلال شاشة التلفزيون الحكومي عبر برنامج "بعيداً عن الاضواء" الذي كان يذاع في وقت ذروة المشاهدة، بعدما طلب مني مسؤولون كبار أن أمثل قوة دفع مضادة للتيار الأصولي في وقت كانت تحديات الإرهاب والعنف كبيرة وصعبة على الجميع، ثم طلب أن يستخدم ضمير الغائب للحديث عن نفسه وتساءل: "كيف يتحول الشخص نفسه الى خائن وعميل ومجرم ورئيس عصابة وهو لم يستخدم ابداً سلاحاً؟"، وأضاف: "بأن إبراهيم يعمل من خلال مركز ابن خلدون لمدة 12 سنة في العلن وابتكر شكلاً جديداً لعمل المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وأخذ الديموقراطية التي بشرت بها الدولة مأخذ الجد وربما كان ذلك هو خطؤه". وتساءل مجدداً: "هل ذنب إبراهيم أن صوته يسمع في العالم وهل يعاقب لأن خبراته محل اعتزاز من العالم؟"، و"هل اخذ إبراهيم أموال الخزانة العامة للدولة وفر بها الى الخارج حتى يقف في هذا الموقف؟". وانتهى إبراهيم بتوجيه الشكر الى المحكمة والنيابة ومباحث امن الدولة، ورفع القاضي الجلسة للاستراحة ثم عاد وأصدر الاحكام. وبعدما اخلت قوات الأمن القاعة نقل إبراهيم وبقية المحكومين بالعقوبات النافذة في المساء إلى سجن طرة ليبدأوا في تطبيق العقوبة. وأعلن محاميه الدكتور إبراهيم صالح انه سيلجأ إلى محكمة النقض للطعن على الاحكام. وكانت السلطات اعتقلت ابراهيم في بداية تموز يوليو الماضي، ووجهت اليه تهماً تتعلق ب"تلقي اموال من جهات اجنبية مقابل إمدادها بمعلومات مغلوطة عن الاوضاع في البلاد". واتسع نطاق القضية لاحقاً ليشمل تهماً اخرى و26 شخصاً آخرين. وعقب انتشار نبأ مواجهة ابراهيم بتهمة التخابر والرشوة الدولية، طلب السفير الاميركي في القاهرة دانيا كيرتزر لقاء عاجلاً مع رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد كان لافتاً أن النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد عقد مؤتمراً صحافياً مفاجئاً بعده نفى فيه توجيه التهمتين بشكل رسمي. واطلق ابراهيم بعدها بأيام لكن عبد الواحد احال القضية لاحقاً على المحكمة بعد ما تسببت تصريحات ادلى ابراهيم حول عزمه مواصلة نشاط مراقبة الانتخابات البرلمانية الاخيرة، غضباً في الدوائر الحكومية. وكشفت وقائع جلسات المحكمة أن النيابة فصلت تهمتي التخابر والرشوة الدولية عن القضية وأن ملف التهمتين مازال مفتوحاً في قضية منفردة مازالت في حوزة النيابة.