خط نيوكومب - بوليه للعام 1923، خط الهدنة للعام 1949، الخط الأزرق، ثلاثة خطوط ينبغي أن نكون خطاً واحداً للحدود الدولية اللبنانية - الفلسطينية، التي يدعو القرار 425 صراحة الى الانسحاب الاسرائيلي اليها. ولكن "حكمة" التاريخ في هذه المنطقة من العالم و"سوء طالع" الجغرافيا اللبنانية شاءا أن يكون لكل خط من هذه الخطوط دور معين ووظيفة محددة في خدمة الأطماع والأهداف الاسرائيلية. ومع كل خط كانت هناك مساحات شاسعة من الأراضي اللبنانية تقتطع لتضاف الى داخل حدود الدولة التي يفاخر كل قادتها التاريخيين بأنها لا تحدها حدود، من دون أن يشذ عن هذه القاعدة طبعاً خط لارسن الأزرق على رغم كل ما أشاعه المندوب الدولي عن "توسله" خط 23 لرسم خطه العتيد مع بعض "التعديلات". وتبقى المشكلة في التعديلات. أولاً: خط 1923 بعد مخاض عسير تم الاتفاق في 23/12/1920 بين فرنساوبريطانيا كدولتين منتدبتين على لبنانوفلسطين على رسم الحدود اللبنانية - الفلسطينية من نقطة على البحر قرب رأس الناقورة وصولاً الى الحمة. وبدأت لجنة مشكّلة من الدولتين المنتدبتين أعمالها على الأرض لترسيم الحدود الفاصلة بين لبنانوفلسطين في حزيران يونيو 1921، برئاسة الكولونيل البريطاني نيوكومب والكولونيل الفرنسي بوليه. وبعد الكثير من الأخذ والرد والنقاش والجدل جرى توقيع وثيقة ترسيم الحدود بين لبنانوفلسطين في 10 كانون الثاني يناير 1922. ولم يعتبر الترسيم قائماً إلا بعد تبادل المذكرات المتضمنة نص الوثيقة الموقعة من الطرفين بين سفارة بريطانيا في باريس ووزارة الخارجية الفرنسية في السابع من آذار مارس 1923. وأصبح الترسيم معمولاً به ابتداء من العاشر من الشهر نفسه. بعد ذلك تم إيداع الاتفاق عصبة الأمم لتأخذ صفتها الرسمية والقانونية كوثيقة دولية معتمدة للحدود الدولية اللبنانية - الفلسطينية المعترف بها شكلاً لا مضموناً منذ ذلك التاريخ ولغاية تاريخه. وتضمن اتفاق نيوكومب - بوليه اضافة الى النص القانوني مواقع 72 علامة حدود بين لبنانوفلسطين وسورية. وتبدأ النقطة الأولى عند رأس الناقورة على شاطئ البحر وتنتهي بالعلامة الرقم 38 عند جسر الغجر، وهذه هي الحدود بين لبنانوفلسطين. أما الحدود بين سورية وفلسطين فتبدأ من العلامة 39 عند بانياس لتبدأ معها الحدود بين سورية وفلسطين حتى العلامة الرقم 72. ومن بانياس شرقاً تبدأ الحدود اللبنانية - السورية. وجاء هذا الاتفاق ليقفل الحدود التي تركتها قرارات الجنرال غورو بإعلان دولة لبنان الكبير في نهاية آب /اغسطس ومطالع أيلول/ سبتمبر 1920 مفتوحة بين لبنانوفلسطين "كي تحدد لاحقاً" على حد ما جاء في القرار الرقم 318 تاريخ 31/8/1920. والخطير أن هذه الحدود لم تراع حقوق أبناء الشعبين اللبنانيوالفلسطيني ومصالحهم في تلك المرحلة والتي كانت مصالح وحقوقاً متداخلة وواحدة ويصعب الفصل بينها. وإنما توسلت هذه الحدود تحقيق المصالح الاستعمارية في توسيع حدود فلسطين شمالاً استجابة لمطالب الحركة الصهيونية الساعية الى توسيع حدود "الوطن القومي الموعود" في سبيل الوصول الى جبل الشيخ والليطاني، أي الى المرتفعات والمياه. والأخطر ان هذا الاقفال لحدود لبنان الجنوبية مع فلسطين تم على حساب عشرات القرى والمزارع اللبنانية وعلى حساب مساحات شاسعة من الأراضي والأملاك اللبنانية التي جرى ضمها الى فلسطين، على انها بموجب اتفاقية سايكس بيكو 1916 كانت خاضعة للانتداب الفرنسي الذي كانت حدوده تمتد من الزيب شمال عكا وصولاً الى الطابغة في طبريا. وهو ما كان يتطابق مع الحدود التاريخية لجبل عامل وفق اجماع المؤرخين. كما ان هذه القرى والمزارع كانت بمجملها تابعة لأقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، وأبناء تلك القرى لا يزالون يحتفظون بمستندات وهويات دولة لبنان الكبير. ويجمع المؤرخون على ان سهل الحولة الذي تصل مساحته الى 160 كلم2 160 ألف دونم كان تابعاً لقضاء مرجعيون، ولا يزال مالكو الأراضي والعقارات اللبنانية في تلك المناطق، كما لا يزال اللبنانيون من ملاك الأراضي والعقارات الممتدة والمنتشرة في أقضية عكا وحيفا وصفد وطبريا، يحتفظون بالوثائق والمستندات التي تثبت ملكياتهم تلك، وتوجد أصولها في السجلات الموجودة لدى الأممالمتحدة ولدى الخارجية البريطانية وطبعاً في اسرائيل. ومن جهة أخرى بدأت الحركة الصهيونية تعاملها باكراً مع خط نيوكومب - بوليه وقضم ما أمكن من هذا الخط. وعملت الحركة الصهيونية على نشر الكثير من المستعمرات في تلك المنطقة ونشط السماسرة في خطة محمومة ومدروسة لشراء الأراضي من أصحابها اللبنانيين سواء بعرض أسعار مغرية أو بتطفيش مزارعيها وخلق المشكلات الادارية بالتعاون مع الانتداب لأصحاب تلك الأراضي لمنعهم من النجاح في استثمارها. وحيث فشلت الحركة الصهيونية في شراء عقارات معينة عمدت الى وضع اليد ومصادرة الأراضي التي تمتاز بالخصب ووفرة المياه. وأصاب الصهاينة النجاح في شراء بعض الملكيات، وكان أبرزها شراء امتياز تجفيف الحولة والمنارة، فيما فشلت محاولاتهم فشلاً ذريعاً في شراء حيازات أخرى حيث لا تزال مساحات كبيرة من تلك الحيازات ملكيات لبنانية لغاية تاريخه. ثانياً: خط الهدنة 1949 وبقيام دولة اسرائيل عام 1948 أتيح للحركة الصهيونية أن تضع يدها وبالكامل على هذه الأملاك والأراضي والقرى والمزارع التي كانت "لبنانية" من حيث هوية مالكيها وهوية معظم مستثمريها حتى في ظل الانتداب الانكليزي. وأدى خروج الأهالي وأصحاب تلك القرى والمزارع والأراضي من فلسطين عام 1948 سواء كانوا فلسطينيين أم لبنانيين الى السيطرة الاسرائيلية الكاملة على هذه الأراضي. وقد أتاحت هذه السيطرة التصرف بهذه الأراضي والحيازات وفق خطة اسرائيلية تقوم على استكمال محاولات الشراء حيث أمكن والمصادرة واستثمار هذه الأراضي. وعمدت اسرائيل الى انشاء ادارة خاصة أطلقت عليها "ادارة أملاك العدو" واقتطعت جزءاً من ريع هذه الاستثمارات ووضعتها في مصرف خاص. الا أن الأهم من كل ذلك أن اسرائيل قامت بنشر المستعمرات على امتداد الحدود اللبنانية - الفلسطينية. وما لبثت هذه المستعمرات أن توسعت وتمددت على حساب العقارات اللبنانية الواقعة في خراجات القرى. وأبرز هذه المستعمرات المطلة ومسكفعام وافيفيم وغيرها... كما ان القوات الاسرائيلية كانت تعمد الى مد الأسلاك الشائكة الحدودية وتقديمها الى داخل الأراضي اللبنانية. وهكذا تم اقتطاع خراجات القرى ومشاعاتها على امتداد الحدود اللبنانية من الناقورة حتى الغجر. وقصة المواطن سعد الدين شاتيلا الذي فصل جنود العدو غرف منزله في عديسة بالاسلاك الشائكة معروفة، ولم تجد هذه المشكلة حلاً الا بعد تدخل مراقبي الهدنة. وهكذا يجمع الجنوبيون على ان حدود عقاراتهم هي أعمق بكثير من حدود الخط الأزرق وحدود الهدنة عام 1949. وما ساعد اسرائيل على ذلك عدم وجود خط واضح ودقيق للحدود الدولية اللبنانية - الفلسطينية. فخط العام 1923 بعلاماته ال38 كان عرضة للتلاعب الاسرائيلي كونه وضع من دون علامات ثانوية ومن دون احداثيات طبوغرافية تحدد تفاصيله بدقة. ومن جهة ثانية، فالاراضي اللبنانية وعلى امتداد الحدود اللبنانية لم يجر مسحها ولا يملك أصحاب الأراضي سندات ملكية أو خرائط تحدد وبدقة حدود عقاراتهم وحيازاتهم، الأمر الذي كان يسهل تقديم اسرائيل شريط الأسلاك الشائكة ضمن الأراضي اللبنانية، وأراضي الأهالي. وفي العام 1949 "أجري بعض التصحيحات على حدود 23"، يقول أمين عام الأممالمتحدة كوفي أنان ويضيف: "رسمت الحدود الدولية بين اسرائيل ولبنان عملاً باتفاق عام 1923 بين فرنساوبريطانيا العظمى المعنون "خط الحدود بين سورية وفلسطين من البحر الأبيض المتوسط الى الحمة" وتم تأكيد هذا الخط من جديد في اتفاق الهدنة بين اسرائيل ولبنان الموقع في 23/3/1949. وحدثت بعد ذلك تعديلات عدة اتفق عليها الجانبان: اسرائيل ولبنان. وقد تعاون الطرفان مع الأممالمتحدة في عملية جمع المعلومات الخرائطية الضرورية لتحديد خط الحدود هذا. وقد أعدت الأممالمتحدة خريطة استناداً الى هذه المعلومات وستقوم بوضع علامات على أجزاء من هذا الخط على المواقع ذات الصلة بغرض التأكد من الانسحاب". وقد جاء هذا الكلام في تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الى مجلس الأمن في 22 أيار مايو من العام 2000 وهو مسجل تحت الرقم S/2000/460 - البند الرقم 13. وهكذا وباعتراف دولي واضح وصريح يعلن الأمين العام أن "تصحيحات" على الحدود بين لبنانوفلسطين كانت تجري في كل مرة. هكذا جرى مع اتفاق عام 1923 عندما وضع خط عام 1949 المعروف بخط الهدنة، وهكذا يجري مع الخط الأزرق. وفي كل مرة كان يجري اقتطاع وضم مساحات جديدة من الأراضي اللبنانية الى اسرائيل، هذه الأراضي التي يملكها لبنانيون اشتروها أو توارثوها أباً عن جد. وجاء خط اتفاقية الهدنة عام 1949 والخط الأزرق الآن، ليهيل التراب على هذه القضية. واذا كانت اتفاقية الهدنة عام 1949 انتجت تثبيت الحدود اللبنانية - الفلسطينية وفقاً للاحداثيات الرقمية والطبوغرافية للمعالم الحدودية كافة، فإنها تحولت مع خط العام 1923 الذي وضعته لجنة بوكومب - بوليه الى مجرد وثيقة رسمية تاريخية تجاوزها خبراء الأممالمتحدة الذين استقدمهم لارسن لوضع الخط الأزرق. وهكذا تجد مبررها وأسبابها أحاديث المواطنين الجنوبيين اليوم عن مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات اللبنانية لا تزال متروكة داخل الخط الأزرق أو بالأحرى ضمن الحدود الواقعة بين خطوط العام 1949 والعام 1923 والخط الأزرق. ثالثاً: لماذا الخط الأزرق؟ والسؤال: ما هي الغاية من الخط الأزرق وما هي وظيفته، اذا كانت الحدود الدولية بين لبنانوفلسطين والمعترف بها دولياً هي حدود 1923 المشرعنة من عصبة الأمم والتي تم وضع الاحداثيات الرقمية والطبوغرافية لها عام 1949 وبمعرفة تامة واشراف كامل من مراقبي الهدنة. لماذا إذاً خط لارسن الجديد الذي سمي بالخط الأزرق تيمناً بلون خوذ قوات الطوارئ الدولية الأزرق؟ رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص الذي كان وزيراً لخارجية لبنان في تلك المرحلة آثر ألاّ يتحدث حول الخط الأزرق عندما طلبنا مقابلته في "الحياة" للحديث عن الموضوع، مكتفياً بما أورده حول هذه القضية في كتابه الأخير "للحقيقة والتاريخ" الذي شرح فيه تجربته في الحكم ما بين العامين 1998 و2000. وما ورد في كتاب الرئيس الحص عن الخط الأزرق يشرح بعض أشكال المواجهة بين الموقف اللبناني والموقف الذي حمله لارسن لفرض خط "جديد" لانسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان خلافاً لمنطوق القرار 425 الذي ينص بصراحة ووضوح على ضرورة الانسحاب الى خط الحدود اللبنانية الدولية المعترف بها دولياً، حيث تم في 20/5/2000 ابلاغ لارسن وفق رواية الرئيس الحص "رفض لبنان نظرية "الحدود العملية"، إذ لا حدود عملية غير الحدود الدولية عملاً بنص القرار 425"... صفحة 280. وفي 11/6/2000 وجه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود مذكرة الى الأمين العام للأمم المتحدة وفيها "يعترض لبنان على خط الانسحاب أو الخط العملي الذي رسمته المنظمة الدولية من أجل التثبت من الانسحاب الاسرائيلي من لبنان. والمذكرة هي لتأكيد تمسك لبنان بحقه في الحدود الدولية، ورفض ما حاول لارسن تكريسه في مفهوم خط الانسحاب". وأكدت المذكرة عدم جواز "أن يفترق خط الانسحاب من مفهوم الحدود المعترف بها دولياً التي نص عليها القرار 425 صراحة" ص 287. وفي 24/7/2000 التقى الرئيسان اميل لحود وسليم الحص بالموفد الدولي تيري رود لارسن في حضور الوفدين اللبناني والدولي وأعلن الوفد الدولي على أثر اللقاء ازالة كل الانتهاكات الاسرائيلية للخط الأزرق... وهكذا يقول الرئيس الحص "تكون الجهود التي بذلت مع الأممالمتحدة منذ اعلان اسرائيل انسحابها من الشريط الحدودي، والتي استغرقت شهرين تماماً قد أمنت انسحاب اسرائيل الى ما وراء الخط الأزرق". فانتهت أخيراً وبحسب الرئيس الحص "ملحمة المراوغة والمماطلة الاسرائيلية في تنفيذ القرار 425" ص 291. لكن الانتهاكات والخروقات على الخط الأزرق تمت معالجة بعضها وفشلت معالجات بعضها الآخر، ولا يزال مبعوثو الأممالمتحدة مستمرين في معالجة هذه الانتهاكات والخروقات. وسيستمر العمل بمثل هذه المعالجات الى أمد غير منظور وخصوصاً في ظل الممارسات والتعديات الاسرائيلية المستمرة على امتداد الخط. ولكن هذا لم يلغ ولا يلغي مشروعية المناقشة المستمرة حول مبرر وجود هذا الخط ووظيفته والأهداف الكامنة وراء انشائه وما يخفيه فعلياً من أهداف اسرائيلية معلنة وغير معلنة. وكان "دور" الأممالمتحدة عبر مبعوثها لارسن في رسم هذا الخط مدار تساؤلات لم تنته بعد، على رغم مرور سنة على الانسحاب الاسرائيلي وفق هذا الخط. والدولة اللبنانية التي قاتلت وفريقها المفاوض وبشراسة من أجل تحرير كل شبر من التراب الوطني لم تستطع ان تكون "الأم المرضعة" لهذا الانجاز التاريخي الذي صنعته المقاومة اللبنانية وارادة الشعب اللبناني. فالخوف على فشل قد يتهدد الانجاز الكبير هذا جعل الدولة تعزف عن خوض معارك كان واضحاً فيها حجم الخسارة التي تهدد الانجاز نفسه أو تتهم فيه السلطة بعرقلة الانسحاب. وكان الضباط الميدانيون على الأرض في موقف لا يحسدون عليه، فهم من جهة يتحملون أمام مواطنيهم والتاريخ مسؤولية اعلان اكتمال الانسحاب الى ما وراء الخط الأزرق، ومن جهة أخرى كانوا يخوضون أصعب المفاوضات وأشرسها لتحقيق ذلك الهدف، إذ كانوا يتعرضون للضغوط وكانت هناك مشاحنات ومناقشات حادة. الا ان موقفهم كان حاسماً لجهة حفظ الحق اللبناني في تحرير الأراضي من نير الاحتلال الاسرائيلي. وكانت هذه المواقف المتصلبة مثار شكوى وتذمر الفريق الدولي المفاوض الذي فكر لبعض الوقت بطلب تغيير اعضاء الفريق اللبناني المتشدد والعنيد. وقد أدى الموقف اللبناني المتحفظ على الخط الأزرق أصلاً، الى اعتباره خطاً غير نهائي للحدود اللبنانية حيث تصفه الأممالمتحدة بأنه "أقرب الخطوط الى الواقع بالنسبة الى ما يظهر من الخرائط العائدة الى العام 1923"، حيث ان فريق خبراء الخرائط الدوليين درسوا أكثر من 80 خريطة وعلى ضوئها جرى وضع الخط الأزرق، ذلك الخط الذي تبدو فيه مراعاة الجانب الاسرائيلي واضحة، وتحقق الكثير من اهدافه. الأمر الذي واجهته الدولة اللبنانية بالاعتراض والرفض والتحفظ على هذا الخط في غير مكان كان أهمها في رميش ومسكفعام وعديسة والشريط الذي يربط ما بين المطلة حتى الغجر. إضافة طبعاً الى التحفظ حول مزارع شبعا وتلال رويسة العلم وجبل السماقة وجبل حوراتية في كفرشوبا وهذه كلها خضعت لتحفظات الفريق اللبناني. ولكن الموقف اللبناني الذي لم يشأ أن يدخل في متاهات ونزاعات حدودية حاولت اسرائيل جر الموقف اللبناني اليها، إلا أنه كان ينبغي أن يعلن وبوضوح أكثر حقيقة هذا الموقف الرسمي من الكثير من المناطق التي تحولت بواسطة الخط الأزرق الى أراضٍ محتلة فعلاً من الجيش الاسرائيلي، كما هو حاصل بالنسبة الى مساحات شاسعة من أراضي كفرشوبا. كما كان يفترض أن يضم الى التحفظ على بعض المناطق تحفظ أكبر وربما أكثر وضوحاً يتعلق بخطوة مدِّ الخط الأزرق من الغجر الى مزارع شبعا وبينها أراضي كفرشوبا التي لا حدود بين لبنان واسرائيل فيها، إذ يشار في هذا المجال الى نيات اسرائيلية مكشوفة باستمرار احتلالها هذه الأراضي وبمسايرة الأممالمتحدة لها في هذا المجال. ولعل أخطر ما تطالعنا به تحركات المبعوث الدولي في المنطقة تيري رود لارسن أخيراً هو الدعوة الى جعل هذا الخط خطاً للحدود الدولية تنتشر بمحاذاته وحدات الجيش اللبناني تحت طائلة خفض عدد قوات الطوارئ الدولية الذي يجري فعلاً. ومن المنتظر أن يصل في تموز العام 2002 الى ألفي عنصر فقط. وعندها يأخذ دور الأممالمتحدة الضعيف أصلاً بالتلاشي ليبقى دورها في رسم الخط الأزرق اللغم متناقضاً الى حد بعيد مع القول ان الحدود بين الدول ترسمها الأممالمتحدة وإنما الدول نفسها. وهكذا يكون دورها في رسم خط الانسحاب الاسرائيلي بمثابة اضفاء الشرعية على احتلال مزيد من الأراضي اللبنانية هي اليوم خلف الخط الأزرق.