سجل رئيس الجمهورية إميل لحود، في مذكرة رفعها أمس الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، اعتراض لبنان على الخط الذي رسمته المنظمة الدولية للتثبت من الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان. تقع المذكرة في خمس صفحات "فولسكاب"، وقد وجهت لمناسبة عزم أنان تقديم تقرير الى مجلس الأمن عن النتائج التي توصلت إليها الأممالمتحدة في هذا الشأن. واستهلها لحود بشكر أنان لجهده في مساعدة لبنان والسعي الى تطبيق القرار الدولي الرقم 425 والتثبت من الانسحاب الإسرائيلي من الحدود الدولية، وشكر جهود الفريق الدولي برئاسة مبعوث الأمين العام تيري رود لارسن. ولفت لحود الى "نقاط تكتسب أهمية استثنائية بالنسبة إلينا في ما يتعلق بالنتائج التي توصلت إليها الأممالمتحدة وما يمكن أن يترتب عليها، وهي: أولاً- في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425: نص هذا القرار على "...الاحترام الصارم لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً". و"دعا إسرائيل على الفور الى سحب قواتها من كل الأراضي اللبنانية...". ثانياً- في تقرير الأمين العام في 22 أذار مارس 2000: نصّت الفقرة ال11 من التقرير على: "من أجل الهدف العملي لتأكيد الانسحاب الإسرائيلي، تحتاج الأممالمتحدة الى التثبت من خط يعتمد متطابقاً للحدود الدولية المعترف بها للبنان... وأن الأممالمتحدة ستعمد بعدها للمعاينة الميدانية على الأرض، للأجزاء من الخط، الضرورية أو المثبتة لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية...". ونصت الفقرة ال13 من التقرير نفسه على: "أن الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل هي تلك المعتمدة استناداً الى اتفاق 1923 بين فرنسا وبريطانيا العظمى" وأن هذا الخط أعيد تأكيده ضمن اتفاق الهدنة المعقود بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949. وحصلت لاحقاً تعديلات عدة توافق عليها معاً إسرائيل ولبنان...". ثالثاً- في خلاصة القرار والتقرير أعلاه، وعمل السيد لارسن وفريقه: - إن القرار والتقرير، كما الوقائع التاريخية والمستندات والخرائط على أنواعها، بما فيها الموجودة لدى الأممالمتحدة تؤكد بما لا يقبل الالتباس أو التأويل أن بين لبنان وإسرائيل "حدوداً دولية معترفاً بها" لم تكن في أي يوم، موضع نزاع بين البلدين، بل إن الرسم الوصفي لتلك الحدود الذي تم عام 1923 أعيد ترسيمه في صورة دقيقة وبإشراف الأممالمتحدة ومراقبيها في العام 1949 من النقطة BPI الى النقطة BP 38 بما فيها النقاط الوسيطة. - فوجئ لبنان، خلال الاجتماعات التي عُقدت مع ممثلي الأممالمتحدة، بكلام يوحي أن حدوده مع إسرائيل ليست مؤكدة بدقة!! وأن إسرائيل لم تقدّم أي مستندات أو خرائط، وأن الأممالمتحدة فقدت مستندات ترسيم الهدنة عام 1949 في أحد الفيضانات!!! في حين أن لبنان قدّم مستندات 1923 و1949 وكل الخرائط المعتمدة لهذه الحدود والتي لا مجال للشك في صحتها وأصليتها، في وقت لم يتقدم أحد بإثبات معاكس للخرائط والمستندات والاتفاقات والوقائع المنوّه عنها. - فوجئ لبنان أيضاً بطرح يقول باعتماد "خط انسحاب" لتثبيت الانسحاب الإسرائيلي في حين أن القرار 425 وتقرير الأمين العام لا يشيران مطلقاً الى هذا الخط، بل الى "خط يتطابق مع الحدود الدولية". وبالتالي لا يمكن تأكيد الانسحاب إلا على أساس خط هذه الحدود لا على أساس خط وهمي غير موجود خط الانسحاب. - فوجئ لبنان أيضاً بجواب يقول إن "ليس من مهمة الأممالمتحدة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل...". وعلى هذا أجاب لبنان في وضوح: "بالطبع ليس من مهمة الأممالمتحدة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وليس من مهمة فريق الأممالمتحدة في الوقت نفسه، أن ينكر حدوداً موجودة ومعترفاً بها، لينشئ بدلاً منها "خط انسحاب وهمي" كي يعتمد أساساً لتأكيد الانسحاب الإسرائيلي خلافاً لنص القرار والتقرير وروحيتهما". هذا عدا عن أن إسرائيل نفسها، في المادة الأولى من اتفاق 17 أيار مايو الموقع بينها وبين لبنان عام 1983 والملغى لاحقاً، تعترف بما يأتي: "توافق الطرفان على احترام السيادة والاستقلال السياسي وسلامة الأراضي لكل منها. وهما يعتبران أن الحدود الدولية القائمة بين لبنان وإسرائيل غير قابلة للانتهاك". - إذاً هناك حدود دولية قائمة ليست موضع شك ومثبته بالوقائع والتاريخ وهي واضحة لتأكيد حصول الانسحاب أو عدمه. - أما بالنسبة لمزارع شبعا فكان واضحاً في تقرير الأمين العام أنه اعتمد خطاً عملياً في تلك المنطقة في ضوء عدم توافر خرائط قديمة تؤكد الحدود هناك بين لبنان وسورية وعلى هذا الأساس اعتبر الخط العملي هو الخط الفاصل ما بين انتداب UNIFIL وانتداب UNDOF، مع إشارة الأممالمتحدة إلى أن هذا الخط العملي لا يمكن، في أي حال، اعتباره يمس بالحقوق الحدودية المتبادلة بين الأطراف المعنيين. ووافق لبنان على هذا التقويم في انتظار إيجاد صيغة مشتركة لمنطقة المزارع موقّعة بينه وبين سورية لتقديمها الى الأممالمتحدة. في حين أن مثل هذا الالتباس لا يتناول خط الحدود بين لبنان وسورية، شمال تلك المزارع، وبالتالي يصبح انسحاب إسرائيل من المرتفعات اللبنانية لجبل الشيخ أمراً تابعاً لتنفيذ القرار 425 بما يعنيه "من كل الأراضي اللبنانية". -فوجئ لبنان أن مفهوم الخط العملي الذي أشار إليه تقرير الأمين العام على أساس الوضع في مزارع شبعا فقط، بمحاولة تطبيق هذا المفهوم أيضاً الخط العملي على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وهو ما يتناقض كلياً مع تقرير الأمين العام والقرار 425، إذ حيث توجد "حدود دولية معترف بها" لا يمكن أن يوجد "خط عملي" بل إن هذا الخط اعتمده الأمين العام حيث وجد الالتباس بالنسبة الى حدود مزارع شبعا. رابعاً- في التعاون مع الأممالمتحدة في صياغة NON PAPER أمضى الجانب اللبناني ما يزيد عن أسبوع مع السيد لارسن وفريقه من أجل صياغة مسودة NON PAPER، تخللته مناقشات واسعة أسفرت عن التوصل الى تفاهم مبدئي عليها في انتظار التثبت من الانسحاب الإسرائيلي، إلا أن لبنان فوجئ بالبيان الصحافي بتاريخ 6/6/2000 الذي تخلله عرض لنتائج عمل الفريق الدولي تتعارض نقاط عدة منه مع ما تم التوافق عليه في NON PAPER وأهمه أنه وضع الحدود الدولية القائمة بين لبنان وإسرائيل موضع تشكيك وتبني مجدداً مبدأ "خط الانسحاب" لا "خط الحدود" خلافاً للقرار 425 ولتقرير الأمين العام. وبهذا يكون ترك غموضاً خطيراً يتعلق بالمسافة والأرض الفاصلة بين خط الحدود الدولية، وخط الانسحاب الوهمي، ما يعني أن خط الانسحاب سيشكل حماية لبقاء الخروقات الإسرائيلية على خط الحدود الدولي الموجود خلفه، وهنا نلفت الى ضرورة تصحيح هذا الوضع. - أثار لبنان أيضاً مع السيد لارسن وفريقه موضوع المعتقلين والرهائن اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وموضع استعادة جثث شهداء المقاومة، وطلب تحريرهم فوراً، لأن وضع الاعتقال وخطف الرهينتين الشيخ عبدالكريم عبيد والحاج مصطفى الديراني حصل خلال الاحتلال الإسرائيلي على أن يحل هذا الوضع مع حصول الانسحاب. - أثار لبنان موضوع سرقة المياه من الأراضي اللبنانية واعتبار تفكيك كل التجهيزات والمنشآت الإسرائيلية التي تخدم هذا الغرض، خطوة متلازمة مع الانسحاب، إضافة الى طلب تحقيق من جانب الأممالمتحدة في موضوع تجفيف نهر الحاصباني على مقربة من الحدود الدولية". وخلصت المذكرة الى القول "إن لبنان، المتعاون دائماً مع الأممالمتحدة، والراغب في إلحاح، في تطبيق القرار 425 وتقرير الأمين العام نصاً وروحاً، يهمه أن يلفت الى الملاحظات الواردة أعلاه نظراً الى الأهمية التي تتسم بها والخطورة الناتجة عنها. ويلفت الى الصعوبات التي تعترض عمله مع فريق UNIFIL المكلّف التحقيق من الانسحاب على الأرض، إذ إن الخط الوهمي للانسحاب الذي رسمه فريق لارسن على الأرض، وعلى رغم اعتراضنا عليه كما سبق وذكرنا، يشهد في نقاط عدة منه اختراقات إسرائيلية، وتحديداً غير دقيق، ناتج عن الضغط الذي يتعرّض له فريق الأممالمتحدة للإسراع في عمله على حساب الدقة، ونخشى أن يؤدي ذلك أيضاً الى تعقيد الأمور. وأغتنم أخيراً هذه المناسبة، لأشكر لكم مجدداً كل المساعي التي تبذلونها، وأقدّر الجهود التي يبذلها أيضاً موفدكم وفريقه وقواتكم العاملة في لبنان أملاً أن تتكلّل تلك الجهود والمساعي بكل النجاح الذي نتمنّاه". وكان الفريقان الدولي واللبناني واصلا ظهر أمس التثبت من الحدود بدءاً ببلدة رامية الناقورة - قضاء صور وتبين للجانب اللبناني من خلال متابعته بالتعاون مع الفريق الدولي، أن إسرائيل لم تحترم الخط الأزرق المرسوم من الأممالمتحدة. وفي هذا السياق، قال مرجع لبناني ل"الحياة" إن الانتهاكات الإسرائيلية بدت واضحة في عدد من النقاط على الخط الأزرق، وهي ترفض العودة إليها، مع أن الخط الأزرق غير متطابق في عدد من المواقع مع الحدود الدولية. ولفت الى أن لبنان لا يرغب في الدخول في مشكلة مع الأممالمتحدة، وهذا ما برز من خلال المذكرة الرئاسية الى أنان، مبدياً رفضه ممارسة إسرائيل منطق الحدود غير الثابتة مع لبنان، إذ إنها لا تعترف بالحدود الدولية فحسب وإنما أيضاً ترفض التزام الخط الأزرق الذي وضع لبنان ممثلاً بفريقه مجموعة من التحفظات، انطلاقاً من أنها تبقي على الخروقات الإسرائيلية.