انعقاد المؤتمر الدولي الثاني لدعم الانتفاضة الفلسطينية في طهران، برعاية مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، وبحضور ممثلي اكثر من 359 بلداً، الى عشرات المندوبين من مختلف القوى والأحزاب والتشكيلات العربية، شكل خطوة ايجابية لتحقيق تقدم ملموس من الدعم السياسي والمادي للانتفاضة والشعب الفلسطينيين. وترافق المؤتمر مع تصاعد منسوب القمع الإسرائيلي ووصول التسوية على مسارها الفلسطيني/ الإسرائيلي الى نقطة انعطاف. فشارون يريد فرض حلوله مستعيناً بقوة عسكرية احتلالية. تحت عباءة حكومة "الوحدة الوطنية" بين العمل والليكود. في طهران لفت الانتباه حضور فلسطيني لمختلف القوى السياسية، من السلطة وحزبها حركة فتح اضافة الى اعضاء من المجلس الاشتراعي بوفد واسع ترأسه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح سليم الزعنون أبو الأديب وامتداداً الى مندوبي فصائل منظمة التحرير وتحالف قوى المعارضة: الجبهة الديموقراطية، الجبهة الشعبية، الجبهة الشعبية - القيادة العامة، الصاعقة، حركة فتح - الانتفاضة، جبهة النضال الشعبي، الحزب الشيوعي الثوري، حماس، الجهاد الإسلامي، وقائد جيش التحريرر الفلسطيني. وغاب عن المؤتمر ثلاثة فصائل لم توجه لها دعوات لأسباب غير معلومة، وربما تكون غير مقصودة، وهي جبهة التحرير الفلسطينية أبو العباس، جبهة التحرير العربية، حزب الشعب الفلسطيني. وتميز المؤتمر بحضور قوي لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية - القيادة العامة، فضلاً عن وفد السلطة الفلسطينية. بينما بقيت الدعوات رمزية ومحدودة لباقي القوى الفلسطينية. ربما أثار هذا الحضور غير المتوازن في عضوية المؤتمر للقوى الفلسطينية حالاً من الاستنكاف في المساهمة الجدية في أعماله عند البعض. وأكثر من ذلك أسهم هذا الاختلال في اثارة جدل واسع على اعلان الوثيقة قبل تعديلها وعرفت باسم "وثيقة طهران للقوى الفلسطينية" التي طغت عليها سياسة الالغاء ولغة العموميات والحديث بالاستراتيجيات، وغاب عنها الحديث المباشر عن دعم الانتفاضة وتوفير الوسائل والآليات التي تضمن توليد عوامل الحماية السياسية لها. فالقوى الفلسطينية الثلاث حماس، الجهاد الإسلامي، القيادة العامة التي تتميز بعلاقاتها الجيدة مع ايران صاغت اعلان طهران بداية بالاتصال غير المباشر مع وفد السلطة الفلسطينية ومن دون التشاور مع القوى الموجودة داخل قاعات المؤتمر. ورفض آخرون المسعى الإيراني لعقد اجتماع موحد في قاعة جانبية، مما دفع الأخوة الإيرانيين للقيام بجهد استثنائي من أجل ضمان مشاركة الجميع بالتشاور الجانبي لصوغ "اعلان طهران" بخطوطه العريضة وتحديداً تلك التي تحظى بالاجماع كالدعوة لاستمرار الانتفاضة ووحدة قواها على الأرض، ورفض قنوات الاتصال السرية والتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي. وعندما تم تجاوز هذه العقبة عاد الخلاف يطل من جديد على الشخص المكلف بإلقاء "الإعلان" داخل قاعة المؤتمر. فالبعض اراد سليم الزعنون بما يمثله من شرعية رسمية، وآخرون قدموا خالد مشعل، واكتفى البعض بأخذ موقف الحياد، فاضطر الايرانيون للتدخل والتوصل الى حل وسط وتم تكليف العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور اسامة النقيب لإلقاء الإعلان. وفي العودة للكلمات الفلسطينية التي القيت يلاحظ انه طغت عليها العموميات، وطغى معها الخطاب الشعبوي الذي يصلح لكل زمان ومكان. فكانت عملية استحضار للماضي من دون توظيف لخدمة الحاضر ومن دون التركيز على المباشر الراهن تجاه الانتفاضة وما يجري في بلادنا. ووفق هذا النسق من الخطاب السياسي العام، اندفع البعض في تحميل الجانب الإيراني أكثر من قدرته. وهناك من طالب طهران بكل شيء وبأن تكون "هانوي فلسطين" مخففاً من مسؤوليات وواجبات الدول العربية والإسلامية والكثير مما هو مطلوب منها. وفي كل الأحوال شكل مؤتمر طهران خطوة نوعية الى الأمام ولكنها خطوة تتطلب جهداً استثنائياً لتحويل التضامن مع الشعب الفلسطيني والانتفاضة الى عمل مباشر ملموس لا يقع كاهله على ايران والثورة الفلسطينية فقط، بل أيضاً على كاهل وفود 35 بلداً عربياً واسلامياً اضافة الى الأحزاب العربية والإسلامية. وشكل "اعلان طهران" خطوة في الاتحاه الصحيح تنتظر الشروع بحوارات فلسطينية جدية للارتقاء من وحدة القوى على الأرض الى وحدة سياسية في الاطار الفلسطيني القيادي والمؤسساتي. فهل نحن امام تحول فلسطيني نوعي على صعيد اعادة بناء الوحدة الوطنية، ام ان الظروف لا تزال بحاجة الى مزيد من الانضاج؟ * كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.