في 16 شباط فبراير 1911 تلقى مؤرخ الصحافة العربية وجامع أولى أعدادها فيليب طرازي رسالة من يافا قال له في القسم الثاني منها: "أريد ان أستفيد من وعدكم الكريم وتنوبوا عني ببذل كل مجهوداتكم في الانتخاب الحاصل في بيروت، وصولاً الى هذه النتيجة المقدسة التي يجب ان نسعى إليها جميعاً وهي أن يكون النائب المنتخب عربياً بيروتياً أي من صميم البلاد التي ينوب عنها، وأن يكون ذا إرادة قوية ومبادئ حرة ثابتة، وأن لا يكون من جمعية الاتحاد والترقي". أما المخزومي - وهو جدّ المرشح الذي خاض انتخابات بيروت ضد الحريري - فعلى رغم تقلبه قديماً بين "السيد جمال الدين الأفغاني1 وأبي الهدى2، فإذا كان غير منسوب الى جمعية الاتحاد والترقي فلا بأس من ترويج انتخابه". وختم متمنياً على "إخواني البيروتيين أن لا يجعلوا جنسية المنتخب علّة للانتخاب، فليكن مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً أو درزياً، ولكن ليكن وطنياً عربياً عارفاً بحقوق العنصر العربي في جسم العثمانية وواجباته". أُرفقت الرسالة بالعدد الأول من صحيفة "الأخبار" الصادر في 28 كانون الثاني يناير 1911، ولكنها استُهلّت بمعلومة تفيد انها "تعطلت باستبداد متصرف القدس عزمي بك بسبب خدمتها للحقيقة والحرية، ومكثت معطلة سحابة أشهر، وفي هذين الأسبوعين، قد عادت للظهور بحجمها الأول تحت إدارة حنا فضول صباغه من دون ان يكون لي ولمحافلي دخل فيها". في الواقع، إن "الأخبار" بدأت بالصدور، قبل تعطيلها، في 29 حزيران يونيو 1909، وقد تولّى تحريرها الفونس يعقوب ألونزو. إلا أن كاتب الرسالة البيروتي الأصل، ليس سوى الدكتور اليهودي شمعون مويال الذي ساهم وزوجته استير في تحرير اكثر من مطبوعة عربية في بيروت وقتذاك ومنها مجلة "الحسناء" لجرجي باز. نعود الى العدد الأول الصادر بعد التعطيل الطويل، لنواجَه بافتتاحية تبعد من الانتخابات آلاف الكيلومترات. فقد استهلتها حنا فضول صباغه بالقول "إن التعليم للجنس اللطيف أمر لازم لا بد منه، كما ان المساواة بين الرجل والمرأة أمر واجب، خلافاً لما هو جار عند معظم الشرقيين". وعلى رغم ان المرأة هي "المحور الذي تدور عليه اعمال الكون، فلا يزال اكثرهم لا يصدقون أن لها عقلاً كاملاً كعقولهم". والكاتب هنا يغمز من قناة الدكتور شبلي شميّل الذي حاول البرهان علمياً على تواضع عقل المرأة بالنسبة الى عقول الرجال. ومع ان ترويسة العدد تفيد أن الأخبار "جريدة أسبوعية سياسية أدبية علمية فكاهية" وقد خلت من كلمة "نسائية"... فإن قلم تحريرها قد نافس جرجي نقولا باز في تناول مواضيع الجنس اللطيف، حيث احتل موضوع "نابوليون والنساء" المترجم عن الإنكليزية، الصفحتين 7 و8. اكثر من ذلك، فإن حضور المرأة كان أيضاً في باب الفكاهة، إذ نقرأ الحوار الآتي: الزوجة: ألا تخجل أيها السكير الكسول ان تطرق باب الحانات منذ الصباح؟ الزوج: خاصمتني أمس لأنني أتيتها في المساء. وأنتِ تخاصمينني الآن لمجيئي إليها في الصباح. فلست والله أدري كيف أرضيك! ترى، هل تحوّل صاحب الجريدة بندلي غرابي من السياسة الى المرأة كي يحصل مجدداً على الامتياز ويضمن عدم التعطيل؟ إن العدد الصادر في 11 كانون الأول ديسمبر 1913 يعزز الرأي القائل إن غرابي قد اتبع ذلك النهج التكتيكي الذي ساد في الولايات العربية - وغير العربية أيضاً - في السلطنة العثمانية من أجل الحصول على رخصة الجريدة أو الحؤول دون تعطيلها، أولم يستأنف عبدالرحمن الكواكبي في حلب، عام 1879، إصدار جريدته "الشهباء" المعطلة، باسم "اعتدال" بعد ان أقنع حلبياً أمّياً كي يضع اسمه على ترويسة الجريدة كصاحب امتياز. ولكن عودة السياسة الى "الأخبار" في أواخر العام 1913 قد ترافقت مع غياب اسم غرابي عن الترويسة وحلول اسم الدكتور اسكندر حلبي مكان حنا فضول صباغه، ومن المرجح ان غرابي ما زال صاحب الامتياز، باعتبار ان الحلبي هو المدير المسؤول. "نحن والقانون" هو عنوان الافتتاحية حيث طالب كاتبها بأن تعلم بعض القوانين في المدارس الابتدائية، خصوصاً أن العارفين بها "لا يتجاوز عددهم خمسة في المئة". وفي الصفحة الأولى من العدد نفسه نقرأ الخبر الآتي: "حكمت محكمة بيروت على المدير المسؤول لجريدة المفيد بالحبس شهراً ودفع عشرين ليرة عثمانية جزاء لنشره الكتاب المرسل الى الجريدة بتوقيع تركي فدائي". ويذكر ان المحكوم هو عبدالغني العريسي الذي شنقه أحمد جمال باشا في السادس من أيار مايو مع من شنقوا في ساحتي البرج بيروت والمرجة دمشق لأنه طالب باستقلال بلاد الشام عن السلطنة. هوامش 1- لازم المخزومي في أواخر القرن التاسع عشر الأفغاني خلال إقامته الجبرية في اسطمبول، ثم أصدر كتاباً بعنوان "خاطرات جمال الدين الأفغاني". 2- هو الشيخ الحلبي أبو الهدى الصيادي الذي حظي بنفوذ كبير في قصر يلدز. * كاتب لبناني