} تبدو معركة الانتخابات الاشتراعية في إيطاليا المقررة الاحد المقبل، أقرب الى تنافس بين "شخصيتي" المرشحين الرئيسين: زعيم اليمين سيلفيو بيرلوسكوني وزعيم اليسار- الوسط فرانشيسكو روتيللي الذي على رغم وسامته واناقته، يواجه الماكينة الدعائية الضخمة لمنافسه. ويراهن اليسار على رتابة الخطاب اليميني الذي لا يزال يعزف على وتر الخوف من الشيوعية وقلق الشارع من خصخصة الخدمات الاجتماعية. تشهد ايطاليا هذه الايام الحملة الانتخابية الاعنف في تاريخها الحديث، في اطار صراع شديد بين الاحزاب والجماعات اليمينية المنضوية تحت لواء "تحالف بيت الحرية" بقيادة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلوسكوني من جهة، والقوى اليسارية المتحالفة في "تجمع الزيتون" بزعامة رئيس بلدية روما السابق فرانشيسكو روتيللي المنتمي الى جماعة الخضر والذي يسعى الى التجديد لليسار - الوسط لفترة خمس سنوات اخرى في الحكم. ويأتي هذا التنافس على رغم ان حكم اليسار الذي استمر منذ الانتخابات الماضية عام 1996، حقق للبلاد ما يصفه البعض ب"معجزة اقتصادية" تمثلت في مجموعة إصلاحات احدثت تغييراً جذرياً عميقاً ومكنت ايطاليا من اللحاق ب"العربة الأخيرة" لقطار العملة الاوروبية الموحدة يورو، اسوة باحدى عشرة دولة اوروبية اخرى. وينضوي تحت لواء "تجمع الزيتون" الحزب الديموقراطي اليساري الشيوعي سابقاً الذي قاد الائتلاف الحكومي في السنوات الخمس الاخيرة، والحزب "الشعبي" وحزب "الديموقراطيين" و"الاتحاد الديموقراطي من اجل اوروبا"، وحزب "الاشتراكيين الديموقراطيين"، وحزب "تجديد إيطاليا"، و"الشيوعيون الإيطاليون"، اضافة الى جماعات الخضر. اما قطب "بيت الحرية" فيضم تحالف أحزاب اليمين -الوسط وهي: "إيطاليا الى الأمام" و"التحالف الوطني" الفاشية الجديدة سابقاً و"المسيحيون الديموقراطيون"، و"الوسط المسيحي الديموقراطي" و"رابطة الشمال" العنصرية، إضافة الى الحزب الجمهوري الصغير، والحزب الاشتراكي او ما يطلق عليه ب"جماعة الحرس القديم لعصابة كراكسي" الذي انشق عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بزعامة بيرلوسكوني. وارتكزت حملة بيرلوسكوني على الضرب على وتر العداء للشيوعية الذي ما زال يلقى تجاوباً لدى قطاع كبير من الكاثوليك، مقدماً نفسه كمنقذ للحياة السياسية من الشيوعية وأطلق الوعود بإيجاد فرص عمل وخفض الضرائب، ورفع الدعم الحكومي عن بعض القطاعات، خصوصاً في المجالين الصحي والاجتماعي، وتجميد الزيادات السنوية لملايين المتقاعدين ورفع سن الشيخوخة، وهو النهج الذي يلاقي استحساناً لدى الصناعيين والتجار والحرفيين. واستعان بيرلوسكوني بمجموعة من خبراء الدعاية والإعلان الذين قالت صحيفة "لاستامبا" ان بينهم عدداً كبيراً من اليهود. وكونه لا يزال ملاحقاً في الكثير من قضايا الرشاوى والتهرب من الضرائب في كل من إيطاليا وإسبانيا، قال بيرلوسكوني إنه ضحية "مؤامرة يحيكها القضاء الإيطالي الذي يهيمن عليه الشيوعيون"، مؤكداً ان "حياته مستهدفة من جانب القوى اليسارية". وأصبحت زعامة بيرلوسكوني للمحور اليميني الذي يعاني عدم الانسجام وكأنها مرتهنة لحلفاء يوصف بعضهم بأنه من النوع المحرج إن لم يكن المشين مثل "رابطة الشمال" العنصرية، والفاشيين الجدد الذين حاولوا تجميل أنفسهم وقام زعيمهم جيانفرانكو فيني بسعي محموم للتقرب من اليهود الذين يهيمنون على الماكينة الإعلامية في البلاد، مقدماً أربعة طلبات لزيارة إسرائيل رفضت كلها بمذلة. وتوقعت استطلاعات الرأي العام فوز التحالف اليميني، وذلك بفضل القنوات التلفزيونية التابعة لبيرلوسكوني التي تقوم بعملية "غسل مخ" للايطاليين، فضلاً عن اغداق الأموال ودفع الرشاوى في صورة علنية. وفي المقابل قدم مرشح "تجمع الزيتون" الذي دفعه الحزب الديموقراطي اليساري الشيوعي سابقاً الى المقدمة، قدم برنامجاً انتخابياً يشكل مزيجاً من الاشتراكية الديموقراطية والليبرالية، مشيراً الى ان حكومته ستتألف من قوى "الزيتون" لكن سياستها ستكون في مصلحة الإيطاليين كافة. ومع ان روتيللي كسب تأييد معظم أحزاب اليسار - الوسط، فإنه لن يوفق في كسب تأييد حزب إعادة التأسيس الشيوعي الذي تتزايد شعبيته وسط الشبيبة ويقدم الكثير من المطالب للطبقات الأكثر تضرراً التي تمثل القطاعات الاجتماعية الفقيرة. ولا يستبعد مراقبون ان تؤدي التصريحات المتناقضة التي يطلقها قادة التحالف اليميني الذين ما زالوا أسرى مناخات خمسينات القرن الماضي، الى دفع نسبة من المترددين الى التصويت لليسار - الوسط، خصوصاً ان اليمين يسعى الى خصخصة الخدمات الاجتماعية ووضع المواطن تحت رحمة الشركات الخاصة. اما تحالف "الزيتون" فاعتبر ضمان الدولة لهذه الخدمات مسألة أساسية لا تمس.