لم تحجب مناسبة أحد الشعانين التي احتفلت بها كل المذاهب المسيحية أمس، في مختلف المناطق اللبنانية، السجال الدائر في شأن الوجود السوري. ولفت خلو عظة البطريرك الماروني نصرالله صفير من أي موقف سياسي، في حين برزت ثلاثة مواقف: لوزير الصحة سليمان فرنجية الذي تمنى على صفير "عدم تغطية فئة سببت الويلات للمسيحيين"، وللعماد ميشال عون الذي أكد "اننا لن ننجر الى الاستفزاز، بل سنقابله بأعمال ايجابية تستوعبه"، ولمطران بيروت للارثوذكس الياس عودة الذي طالب اللبنانيين بالاحتكام الى المحبة والعقل والحوار الأخوي، معتبراً ان "الحقيقة لا يكفلها العدد ولا تضمنها الديموقراطية، بل هي تنصاع للشاهد لها، ولو كان واحداً وحيداً". فقد أعلن صفير، في عظة لمناسبة الشعانين "اننا نصلي كي ينشر الله سلامه في القلوب وفي المنطقة". واستذكر "ظروف احد الشعانين عندما حاول بعض اليهود ان يسكتوا الاطفال فبادرهم يسوع المسيح بالقول: اذا سكت هؤلاء نطقت الحجارة". وتركزت الغطات للمناسبة نفسها، على الابتعاد عن التقاتل وزرع الفتن بين ابناء الشعب الواحد ورفض شحن النفوس والانقسامات الطائفية. وتخوف المطران عودة "من فخ أو افخاخ قد تكون نصبت لنا، فنقع فيها لئلا نعيش المحبة، فيظهر الانقسام والتباعد والخطر على البلد، وينكشف من هو راشد بعقل طفل يحتاج الى من يسوسه والى وصي". وناشد اللبنانيين "الا ينقسموا أطرافاً، بل ان يحتكموا الى المحبة والعقل والحوار الأخوي، لأن لا أحد يغار عليكم أكثر منكم، ولا احد يحب لبنانكم أكثر منكم. فاحذروا الافخاخ". وقال: "إن ابناءكم هاجروا لأنهم خافوا ان يجدوا بلداً للمترهلين ومن باعوا ضمائرهم في سوق النخاسة للعبيد، الذين باعوا أنفسهم بثلاثين من الفضة. ذهبوا لئلا يصبحوا عبيداً، وخافوا من متسلطين عرفوهم عبيداً، ومثل هؤلاء يريدون جعل سائر الناس عبيداً". وختم "ان الحقيقة لا يكفلها العدد ولو كان الملايين ضدها فهي الحقيقة. ولا تضمنها الديموقراطية ولا الغالبية مهما عظمت، لأنها تنصاع للشاهد لها، ولو كان واحداً وحيداً. الحص وفي المواقف، أوضح رئيس الحكومة السابق سليم الحص، رداً على سؤال ل"الوكالة الوطنية للاعلام" الرسمية، ان الموقف الذي أعلنته "ندوة العمل الوطني" أول من أمس يتميز عن سواه، بثلاثة: ان معالجة مسألة الوجود السوري هي مسؤولية السلطتين اللبنانية والسورية معاً، ويجب ان تتم بالتعاون والتفاهم بينهما وفي اطار الحرص على سيادة البلدين، وان الندوة دعت الى تطبيق ما لم يطبق من اتفاق الطائف، ليس فقط اعادة تمركز القوات السورية، بل أىضاً البند المتعلق بتجاوز الحال الطائفية، وان الطائف لم يحدد نقاط التمركز السوري نهائياً، بل ترك مجال الاتفاق بين السلطتين اللبنانية والسورية مفتوحاً عند الضرورة على نقاط أخرى. مهرجان البعث وفي مهرجان اقيم في عكار، في ذكرى تأسيس حزب البعث السوري، وشارك فيه ممثلون للرؤساء الثلاثة، تحدث نائب رئيس الحكومة عصام فارس ممثل الرئيس اميل لحود، داعياً الى "أخوة صادقة خالية من الشكوك بين لبنان وسورية، وغير ظرفية وغير مزاجية، لا استعداء فيها ولا استزلام ولا استقواء ولا مصالح ذاتية". معتبراً "ان ما يفرح سورية يفرحنا وما يؤلمها يؤلمنا والعكس صحيح". ولفت الى "ان الخطأ اذا حصل يمكن تصويبه، والخلل يمكن ازالته، فلبنان وسورية يمكن ان يكونا نموذجاً للعلاقة المثلى بين الدول". ولاحظ الوزير سليمان فرنجية ، في كلمة في المهرجان ان المطالبة بخروج الجيش السوري "تهدف، لجهة توقيتها الى تحويل الانظار الى الداخل بدلاً من الالتفات الى الظروف الاقليمية البالغة الدقة". وأضاف: "لسنا في معرض تخوين أحد، لكننا نسأل: ما المصلحة في دفع البلاد الى حافة الانقسام الأهلي وتعبئة الصفوف ورفع الشعارات التي نعلم الى أين تقود؟ أليس من الخطأ المضي في هذه المطالبة في وقت لا تحظى بالاجماع الوطني ولا حتى بالاجماع المسيحي؟ وهل من مصلحتنا كمسيحيين ان توظف فئة معروفة الارتباطات كل الجموع التي احتشدت في بكركي لخدمة أهداف دفعنا ثمنها جميعاً؟ وهل يستطيع هذا الشعب الذي تحمل الكثير من الصدمات ويعاني الآن أزمة اقتصادية خانقة أن يتحمل المزيد من الأوجاع". اننا نحترم الكاردينال صفير ونقدره ونعتبر بكركي مرجعاً وطنياً لا مسيحياً وحسب، لكننا نتمنى عليه الا يشكل غطاء لفئة تحمل المسيحيون بسبب رهاناتها الخاطئة الكثير من الويلات، هذه الفئة التي لا تزال تجهر بأنها غير نادمة على مشاريعها الانتحارية السابقة، ولن تنسى بعد كيف تعاملت مع البطريرك بالذات حين عارضها في مواقفها". وخاطب: "بعض السياسيين الذين يسعون الى الحصول على أعلى درجة من التصفيق لدى اعلانهم مواقفهم وركوبهم الموجات والذين يملكون استعداداً دائماً لتغيير هذه المواقف بمقدار ما تؤمن لهم من هتافات"، قائلاً: "ان التعقل قد يكون اجدى فلنتحلَ بالحكمة لنتمكن من اجتياز هذه الظروف ونصل بالوطن الى الأمان". ودعت النائبة بهية الحريري، في تصريح أمس، الى "التعالي فوق الحسابات الطائفية والنظر الى المصلحة الوطنية العليا ومستقبل لبنان والاجيال المقبلة" مؤكدة ان "الوجود السوري في لبنان أخوي ولا يجوز التعامل معه على أنه احتلال". عون و"القوات" ولاحظ العماد ميشال عون ان "التصرف السوري عاد الى تأجيج حرب تقويض استقرار لبنان، كما في بداية السبعينات"، مطالباً بتشكيل لجنة تقصي حقائق في شأن الحرب اللبنانية. ورأى "ان استعانة النظام السوري بأسماء مؤسسات وهمية ومنظمات محدثة... لا تغير شيئاً في واجب انهاء الدور السوري رسمياً بعدما انتهى واقعياً بتعطيله الوفاق اللبناني وتخريب الاقتصاد وتهجير المواطنين بالافقار والتجويع، وأبعد من ذلك، هو يفرض على رجال الدين خطاباً طائفياً وتحريضياً". واذ "نعى الى أجهزة الاستخبارات السورية، ورديفتها اللبنانية، جهودهما التي ستذهب في مهب الريح"، محذراً "من الانزلاق أكثر في عمليات 13 نيسان ابريل جديدة"، اندلاع الحرب في لبنان، طمأن اللبنانيين "الى ان الاستفزاز مهما بلغ من الحدة، سنقابله بأعمال ايجابية تستوعبه، ولن تكون هناك ردود فعل شعورية تستغل بردود معاكسة لتطوير حال من الفوضى، تعمل الدولة على خلقها، بغية استغلالها في تبرير القمع والاعتداء واستمرار الاحتلال السوري". وناشد "النظام السوري الذي انتهى دوره في لبنان، اتخاذ قرارات حاسمة تعيد الثقة بينه وبين اللبنانيين وتبني علاقات سليمة معهم، فيكون بذلك قرن الحكمة بالشجاعة، فيخدم نفسه أولاً ويخدمنا ثانياً". ورد المجلس السياسي ل"القوات اللبنانية" الناشط خارج لبنان، على المناشير والبيانات التي وزعت في غرب بيروت وحملت عليها، بأنه "لن ينزلق الى درك الرد الانفعالي والمهاترات التي تهدف الى تظهير الانقسام الطائفي ونقله الى الشارع، وصولاً الى مشكلات على الأرض تبرر أي تدبير تعسفي لاحق بحجة قمع الفتنة والحفاظ على السلم الأهلي". واتهم المجلس "الأجهزة" بالوقوف وراء هذه المناشير، مؤكداً "اننا مستمرون في التزام لغة المنطق والحوار والتمسك بمبادئ السيادة والاستقلال والحرية والعيش المشترك والوفاق الوطني الحقيقي والصادق". واعتبر ان "موقف ابناء بيروت، مسلمين ومسيحيين، لا تعبر عنه أقلام وهمية ومستعارة". وطالب الزعماء المسلمين ب"موقف تاريخي في حجم لبنان الكيان النهائي، لأن المطالبة بالسيادة والاستقلال والقرار الحر ورفع الهيمنة، هي من اجل كل اللبنانيين، ولا تعني انسلاخاً عن محيطنا أو عداء لسورية".