"صحراء 93" فرقة مسرحية بلجيكية أسسها المخرج العراقي حازم كمال الدين عام 1993 وقدمت عدداً من الأعمال المميزة طوال السنوات الماضية في بلجيكا وهولندا. وآخر أعمال هذه الفرقة مسرحية "رأس المملوك جابر" للكاتب السوري المعروف سعدالله ونّوس - مترجمة من الألمانية الى الهولندية - ومن اخراج حازم كمال الدين. وما يميز عمل هذه الفرقة هو مزجها بين التقنيات والعناصر الشرقية العربية خصوصاً والعناصر الغربية. فالمعروف ان التأثيرات الشرقية على المسرح الغربي تمتد فترة طويلة وخصوصاً تأثيرات المسرح الهندي والصيني والياباني. أما تأثيرها على المسرح التجريبي بالتحديد فإننا نجدها طاغية في مسرح مايرهولد وغروتوفسكي وبرشت. مايرهولد مزج بين البيوميكانيك والكوميديا والأكروباتيك وغروتوفسكي أدخل التأثيرات الحسية الشرقية على لغة الجسد. وفي مثل هذه العروض التي تعتمد أساساً على الايماءة الصوتية والجسدية لا يعمد المخرج الى استخدام الكثير من قطع الديكور والاكسسوارات، بل يؤكد على اتقان الاداء ودقة التعبير ما جعل غروتوفسكي يطلق على هذا المسرح اسم "المسرح الفقير". في مسرحية "رأس المملوك جابر" قام المخرج بإعداد النص من جديد واختزل الشخصيات الى أربع مبقياً على الحكاية المحورية والراوي والموسيقى، والجانب الاروسي العناصر الشرقية العربية وعلى الفعل الحركي المتمثل بالايماءات الجسدية التي تقترب من الرقص التعبيري أحياناً ومن الحركة الآلية أحياناً أخرى العناصر الغربية. والمزج بين هذه العناصر المتضادة في عرض مسرحي يعتمد على الحكاية والراوي أمر غير مألوف بالنسبة الى المشاهد الغربي... اعتاد هذا المشاهد أن يسمع الحكاية من بدايتها الى نهايتها من دون انقطاعات، بينما في مسرحية "رأس المملوك جابر" يتوقف الراوي فجأة ليترك للممثلين اكمال سرد الحكاية ولكن من طريق ايماءات وحركات وأحياناً من طريق اصوات غالباً ما تكون حشرجات أو تأوهات غير قابلة للتفسير. وهدف المخرج من خلالها ايجاد حال من التواصل بين الممثلين والجمهور. ولم يكتف بذلك. فهو قسم مكان العرض بين الممثلين والمشاهدين وجعلهم يجلسون ضمن اطار واحد لكسر أي حاجز يمكن أن يعزل المتفرجين عن العرض ولإشراك المتفرجين في العرض. وعزز ذلك حينما استخدم "التول" الأبيض الخفيف لصناعة جدران المسرح... إذ يمكن المشاهد ان يرى كل شيء يجري خلفها. وليس هذا فقط، بل كان الممثلون يزيحونها ويسدلونها بين حركة واخرى للدلالة على أن هذه الجدران - جدران المسرح - جدران وهمية، ولعل مشاركة الجمهور في هذه العروض يشكل جانباً مهماً وأساسياً في استمرارها لأنها عروض تجريبية والعروض التجريبية لا تجتذب جمهوراً عريضاً عادة... لأن التجريب ينطلق من فرضية وليس من حقيقة أو واقعة أو نقطة محددة. في هذا النوع من المسرح يكون كل شيء مدروساً بعناية فائقة وله مبرراته الفكرية والفنية. ذلك ان المخرج هنا لا يزود الممثلين بحقيبة من الحيل من أجل ايصال فكرة العمل المسرحي الى الجمهور، بل في التأثير أولاً على الممثل نفسه لنقل "التأثير" وليس التوصيل الى المشاهد. وأسهم الممثلون بإنجاح العرض المسرحي الى درجة كبيرة جداً بأدائهم المتقن وفهمهم العميق للشخصيات وتضحياتهم الشخصية في اداء بعض الحركات التي تتطلب أحياناً الظهور شبه عراة أو الحركات التي تتطلب جهداً جباراً لانجازها. وقام بأداء دور جابر الممثل القدير كارل ردرز ودور الراوية الممثلة القديرة تانيا بوبا اضافة الى الممثلين الشابين الممتازين ايكو نوح وتينكا كالس وهما استطاعا ان يلعبا أكثر من دور بقدرة واضحة. أما الموسيقى - عبدالقادر زحنون - والسينوغرافيا والانارة فكانت العنصر المكمل لعمل المخرج والممثلين والتي من دونها ما كان للعرض أن يكون في هذا المستوى من الجودة والاتقان.