في حين رفض فاروق حسني وزير الثقافة في المؤتمر الصحافي - قبيل افتتاح المهرجان التجريبي - فكرة مهرجان مسرحي عربي لعدم جدوى إقامته، ولضعف حصيلته النهائية والتي تحوّل صيغة "المهرجان" إلى مجرد "مسابقة"، جاءت نتائج وجوائز لجنة التحكيم الدولية برئاسة المخرج الاميركي ويليام بارتلان لتؤكد أن المهرجان ليس سوى "مسابقة" عربية هزيلة تعتمد المجاملات والحسابات، وتتوسّل الممكن المتواضع لتفقد المهرجان مصداقية جوائزه بما يسمح بإعادة طرح السؤال حول الغاء المسابقة وخصوصاً في ضوء غياب مفهوم واضح للتجريب. وحصل العرض المصري "حيث تحدث الاشياء" إخراج محمد شفيق على جائزة أفضل عرض مسرحي، وحصلت الممثلة برناديت حديب على جائزة أفضل ممثلة عن العرض اللبناني "أرخبيل"، وحصل الممثل غابريل فاوتو على جائزة أفضل ممثل عن العرض الروماني "مسافر ليل"، وحصلت سورية على جائزة التقنية عن عرض "بعد كل ها الوقت" لفرقة ليشي المسرحية من اخراج نورا مراد، وأفضل تمثيل جماعي كان للعرض البولندي "دونج"، وفاز المخرج ميخائيل زايبل بجائزة الإخراج عن العرض اليوناني "أوريستيا". وقد رشح للفوز بجوائز المهرجان العرض العراقي "الجنة تفتح أبوابها متأخرة" والعرض الفلسطيني "الشيء"، والعرض الاماراتي "حظوظ حنظلي الحنظلي"!!. وفي جوائز المهرجان أكثر من دلالة على حجم التردي في المعايير والمفاهيم المطروحة، وحجم التردي في مستوى العروض المسرحية المشاركة وخصوصاً الاوروبية التي تأتي في معظمها وفقاً للتبادل الثقافي بين الدول عبر مكاتب العلاقات الخارجية والسفارات. شارك هذا العام 57 فرقة مسرحية من 46 دولة عربية وأجنبية. معظم هذه الفرق من هواة المسرح. ممثلون ومخرجون شباب يقدمون عروضهم للمرة الأولى، وبميزانيات محدودة. وهي عروض قاعات صغيرة لا تتعامل مع الممثل المحترف أو الممثل النجم. والممثلون المحترفون في الغالب هم الذين يرفضون التعامل مع هذه الفرق. وفي إشارة رئيس لجنة التحكيم الى رعاية المهرجان لروح التجريب الشابة دلالة واضحة على معيار الحصول على جائزة المهرجان إذ استبعدت اللجنة الفرق المسرحية المحترفة ذات المستوى المتميز فلم تحصل أي من هذه العروض المتميزة على جائزة ومنها: العرض الايطالي "طائر النورس"، العرض السويسري "جويف"، والعرض المولدوفي "أصوات في ضوء مبهر"، والعرض الروسي "نموذج العالم"، والعرض الياباني "حكاية برج القلعة". وبصعوبة حصل المخرج الألماني ميخائيل زايبل على جائزة الإخراج للعرض اليوناني "أوريستيا" بسبب إصرار المخرج الفرنسي صمويل بونافيل عضو لجنة التحكيم. وبعيداً من جوائز المهرجان ومستويات العروض فإن ظاهرة مسرحية تتأكد عاماً بعد آخر خصوصاً في المسرح العربي والمصري تحديداً تربط "التجريب" والاتجاهات والأساليب الفنية الحديثة بحركة الاجيال الشابة وطبيعة إنتاجهم المسرحي. هكذا قدم المهرجان مستويات تجريبية مختلفة من المخرجين لجيل الوسط حسن الجريتلي، ناصر عبدالمنعم، انتصار عبدالفتاح من خلال محاولات تجريبية على النص كما فعل سامح مهران بنص يحيى الطاهر عبدالله "الطوق والاسورة" إخراج ناصر عبدالمنعم، ومحاولات انتصار عبدالفتاح في المسرح الصوتي. شباب المسرح الأحدث والذين احتكروا مهرجان هذا العام بملابسهم الغريبة وشعورهم المصففة في طريقة أكثر غرابة هم جزء من ثقافة عامة تجتاح هذه الاجيال هي ثقافة "الصورة" و"الحركة".. ثقافة تنفي القضايا الكبرى لمصلحة الهموم الصغيرة.. تخاصم "اللغة" باعتبارها ثرثرة، وتقاطع الخصوصية بحثاً عن بنية كوزموبوليتانية ونظام عالمي جديد.. هكذا يتنامى حضور المسرح الراقص ومسرح الجسد، ويتحول النص إلى أحد العناصر الهامشية في العمل المسرحي.. وهو ما أكده المخرج العراقي فاضل سوداني المقيم في الدنمارك في ندوة المهرجان بضرورة تخلي المسرح عن جذوره الكلامية ليتحول فقط إلى صورة! وإذا كانت العروض المسرحية الشابة في محاولاتها التجريبية خلخلت المفهوم السائد للممثل، وللنص المسرحي وللجمهور المسرحي فهي لم تمتلك في الوقت نفسه اللغة الجديدة المبتكرة كأنْ تهددها بعض المخاطر وأولها ضحالة المستوى الثقافي، والاستخفاف بالقيم والمضامين وتجريدية التشكيل ونفي الخصوصية الثقافية أو سرقتها أحياناً في عروض سياحية. ظلمت الجائزة الكبرى العرض المصري حين وضعت اجتهاد ورشة عمل شبابية لممثلين يصعدون إلى المسرح للمرة الأولى فوق كل المستويات المسرحية المشاركة في المهرجان فبحث الجميع عن اخطائهم. العرض من إنتاج مسرح الشباب تصميم رقصات والاخراج من توقيع محمد شفيق أحد الاعضاء البارزين في فرقة "الرقص المسرحي الحديث" لوليد عوني دار الأوبرا... وقد سبق له أن قدم في العام الماضي عرضاً قصيراً بعنوان "سكوت". ولعل اجتهاد العرض في الورشة التدريبية التي قام بها المخرج مع شباب مسرحيين لتقديم عرض راقص، تميز بكل هذه الحيوية واللياقة والقدرة على طرح الهموم الصغيرة المشوشة والمفككة بحركة إرتجالية جميلة. وقد ظهر واضحاً في العرض المصري تأثير العرض الفرنسي من أجلك أفعل هذا الفائز بجائزة أفضل عرض مسرحي في المهرجان الماضي. جائزة الاداء الجماعي للعرض البولندي "دونج" لفرقة مسرح السينما وهو من إخراج زيجينيف رومسكي، ظلت أكثر الجوائز استفزازاً وخصوصاً أن عرض دونج والذي اختير لافتتاح المهرجان أصاب الجمهور منذ اليوم الأول بالملل. وهو ما يضرب في الصميم الاداء الجماعي للممثلين إضافة إلى أن قيمة العرض الاساسية في رؤيته التشكيلية والسينوغرافية من كونها تعتمد على هيمنة الصورة تفكيكاً وتركيباً سواء كانت صورة مرسومة على الستائر المتحركة، أو لوحة رينيه ماغريت الشهيرة للرجال ذوي السترات والقبعات السود أو الصور الايمائية التي يقدمها الممثلون الاربعة بحيادية. وعلى رغم أن العرض هو رؤية سوريالية ساخرة لهذا العالم المتشظي، وعلى رغم تقديم العرض داخل بولندا لجمهور من الأطفال، فإن تقنيات العرض القائمة على تكرار البنية والحركة، وعلى ضيق مساحة المسرح وثبات الإضاءة وآلية الممثل كانت جميعاً كافية لدفع المتفرجين إلى الملل والهروب من العرض. استحقت الممثلة اللبنانية برناديت حديب جائزة التمثيل عن دورها في مسرحية "أرخبيل" إخراج عصام بوخالد وخاصة في قدرتها على توظيف جسدها على المسرح في حركة مبتكرة أضفت حياة إلى الدور عطفاً على حضورها المسرحي وأمكاناتها في تطويع الصوت... وفي حين امتلك الممثل الروماني غابريل فاوتو الفائز بجائزة أفضل ممثل خفة الظل والقدرة على الارتجال وفاعلية العلاقة مع الجمهور في مسرحية "مسافر ليل" لصلاح عبد الصبور، إلا أن السياق العام للعرض المسرحي ظل محتفظاً بطابعه التجاري الأقرب إلى عروض "الكباريهات" وقد تحول "الراوي" في النص إلى راقصتين شرقيتين وتحول المغني إلى عمرو دياب بجلباب أبيض وحبيبي يا نور العين. وعلى رغم إشارة صلاح عبد الصبور في نهاية المسرحية إلى رغبته في تقديم العمل في إطار هزلي لو قدر لي أن أخرج هذه المسرحية لقدمتها في إطار من "الفارس" إذ أريد للمتفرج أن يخشى عامل التذاكر ضاحكاً، وأن يشفق على الراكب ضاحكاً وأن يحب الراوي ويزدريه ضاحكاً كذلك. لكن مخرجة العرض الرومانية كريس سيمون اكتفت بالروح الساخرة والعبثية في أحادية لم تمتلك القدرة على قراءة النص بشكل عميق. وحصل المخرج الإلماني ميخائيل زايبل بجدارة على جائزة أفضل إخراج عن العرض اليوناني "أويستيا.. شذرات من لغة تراجيدية" وهي قراءة معاصرة للتراث الاغريقي. بعد انتهاء العرض العراقي "الجنة تفتح أبوابها متأخرة" صعد المخرج الاميركي ويليام بارتلان إلى خشبة المسرح لتهنئة أعضاء الفريق بحرارة وصعد كذلك نور الشريف وبول شاوول وبقية أعضاء لجنة التحكيم. وفي جلسة المداولات النهائية رشح العرض العراقي لجائزة أفضل عرض، ورشحت شذا سالم لجائزة أفضل ممثلة، ورشح جواد الشكرجي لجائزة أفضل ممثل.. لكن في النهاية لم يحصل العراق على شيء!