يفتح اقرار مجلس الوزراء اللبناني مناقصة مثيرة للجدل في قطاع الكهرباء تفوق قيمتها نصف بليون دولار، وتخضع لترتيب مالي، الباب أمام صفقات توريد مماثلة تتميز بقدرتها على خفض العبء عن الخزينة اللبنانية المرهقة بخدمة الدين. وكانت ثارت ضجة منذ منتصف الشهر الماضي في لبنان بعدما تبين أن مجموعة "ذي آرغوسي غروب"، وهي مجموعة استثمارية وتجارية لبنانية تنشط في منطقة الخليج ومصر منذ عام 1998 انطلاقاً من مقرها في بيروت، فازت بمناقصة ضخمة تقضي بتزويد لبنان كميات من الفيول تبلغ 1،2 مليون طن سنوياً، ولمدة ثلاث سنوات. واقترحت المجموعة أن يجري سداد قيمة الصفقة مقابل سندات خزانة من دون فائدة تستحق بعد ثلاث سنوات. وتشبه عملية السداد بذلك مقايضة مؤجلة، يتم فيها استبدال سندات الخزانة بالفيول ما يعني أن الحكومة اللبنانية ستستفيد من فترة إمهال مريحة قدرها ثلاث سنوات، من دون أن تضطر الى تدبير موارد مالية غير متوافرة حالياً لديها. ونظراً إلى تدني أسعار المناقصة الفائزة بنسب كبيرة عن عروض الشركات الخمس المنافسة التي دخلت مناقصة التوريد، سرت اتهامات عدة يُعتقد أن وراءها أطرافاً معينة منافسة حاولت النيل من طريقة اتمام الصفقة والانتقاص منها. وزعمت مصادر مطلعة أن الأمر وصل إلى حد ممارسة "ضغوط" غير قانونية لافشال الصفقة بعد خسارة المبالغ الضخمة التي كانت ستعود على الشركات المتضررة وتناهز 250 مليون دولار. وعلمت "الحياة" أن الصفقة تم ترتيبها مباشرة مع مورّد دولي للفيول غير خليجي أو عربي، وألغى هذا الأمر الحاجة إلى دفع عمولات للوسطاء. كما "أن المورّد الأجنبي يتمتع بوضع مالي مريح ولديه فائض في انتاجه، ولذا تم تبني صيغة لسداد قيمة الصفقة في وقت لاحق تبدأ تدريجاً سنة 2004 وتستمر حتى 2007". وتُقدر قيمة العمولات التي يزيدها موردو الفيول من التجار على إجمالي صفقات التوريد بما يراوح بين 20 و40 في المئة عادة. وتضاف الى هذه القيمة التي كانت الحكومة اللبنانية تسددها في السابق متوسط النسبة 30 في المئة، أكلاف فتح اعتمادات سداد مصرفية، وأكلاف الفائدة المترتبة على أي مبالغ مستحقة للتجار يتأخر سدادها عن الموعد الشهري، وهو ما سينتفي في الصفقة الجديدة. وتبلغ قيمة طن الفيول في السوق الدولية بين 120 و122 دولاراً. وتقرر وزارة الطاقة والمياه، وهي وزارة الوصاية على "مؤسسة كهرباء لبنان"، طريقة توزيع شحنات مادة الفيول اويل لتغطية حاجات الكهرباء، على مدار العام. وسيتم سداد سندات خزينة في نهاية كل شهر لمجموعة "آرغوسي" ثمناً للشحنات الواردة خلال هذا الشهر، بعد ابراز "بوالص" الشحن المسلّمة، على أن يُحدد ثمن كل شحنة وفق الأسعار الدولية المتداولة. وتُقدر كلفة الصفقة الاجمالية، حسب الأسعار الحالية، بنحو 750 مليون دولار، وهو ما يعني توفير 250 مليون دولار على الأقل كانت ستذهب الى جيوب المتاجرين بالفيول، من دون احتساب الفائدة التي كانت ستتراكم لدى التأخر عن سداد الفواتير المستحقة "مؤسسة كهرباء لبنان" مدينة بنحو 50 مليون دولار للتجار، وهو ما يعجز عنه لبنان في ظل حجم الدين المتعاظم الذي يرزح تحته ويدور في حدود 24 بليون دولار. وقالت مصادر مطلعة على الصفقة ان مجموعة "آرغوسي" تعهدت باستيراد فيول نظيف الى لبنان لا تتجاوز نسبة الكبريت فيه واحد في المئة، بدلاً من الفيول الرديء المستورد حالياً الذي تبلغ نسبة الكبريت فيه 2 في المئة، ويعمد مستوردوه كل مرة الى دفع غرامات مالية بسبب اخلالهم بالعقد، على أساس أن كلفة الغرامات والمخالفات تبقى أقل من حجم الربح الذي يؤمنه استيراد الفيول الملوّث. ويُعتبر هذا العقد الأول في لبنان لمجموعة "آرغوسي" التي تتخصص في مشاريع الطاقة والاتصالات والبنية التحتية. وهي تنشط مع مجموعة شركات أوروبية وأميركية في مشاريع مشتركة في منطقة الخليج ومصر تصل كلفتها الى 600 مليون دولار، وتتركز خصوصاً في مجال الكهرباء الذي يشهد عمليات تخصيص واسعة النطاق. وكان عُهد منذ أسبوع الى وزير العدل اللبناني سمير الجسر ووزير الدولة بهيج طباره باعداد تقرير قانوني عن طبيعة سندات السداد، على أساس أنها اذا كانت، قانوناً، تعتبر سندات دين عام وجب إرسالها الى مجلس النواب لاقرارها. أما إذا تبين أنها سندات لقاء ودائع، وفق ما أكدته المصادر المعنية بالملف ل"الحياة"، فسيتم اقرارها في جلسة مجلس الوزراء للمصادقة على العرض.