في جلسة الاستجواب الاولى التي استمرت اربع ساعات، قال وزير النفط السابق شاهي برصوميان للمحامي العام المالي القاضي خالد حمود "نعم انا ضربت القوانين والانظمة بعرض الحائط خلال عملي في الوزارة" كما قال ل"الحياة" مصدر قضائي مالي. وفي الجلسة الثانية وبعد ساعة من استجوابه، نظر برصوميان الى ساعته وسأل القاضي: هل يطول الاستجواب؟ فرد القاضي بالنفي. وبعد عشر دقائق زرّر الوزير السابق سترته متأهباً للخروج، لكن القاضي فاجأه بقرار توقيفه. والملفات التي اعدها حمود وأرسلها الى قاضي التحقيق الاول في بيروت سعيد ميرزا لا تقتصر على موضوع الرواسب النفطية وانما تشمل ملف النفط كله، اذ تناولت التحقيقات التي اجراها نحو 40 شخصاً وردت اسماؤهم خلال الاستماع الى برصوميان وتاجر النفط ناجي عازار. ويتضمن الملف 50 صفحة، من ضمنها اصرار برصوميان على رفض رفع السرية المصرفية عن حسابه، بعدما طالبه حمود بذلك، وفيه ايضاً تفاصيل قضية الرواسب النفطية التي ثبت للمحققين انها نفط خام خفيف، وان الشركة الاميركية اشترتها لحساب مصفاة في هيوستن، وبالتالي فإن المصافي لا تشتري رواسب بل تتخلص منها، ثم ان حمود حصل على شهادة من الجمارك الاميركية تؤكد ان ما بيع على انه رواسب هو نفط خام خفيف. ولكن يبدو ان الموضوع يتجاوز حدود هذه الصفقة، فأمام القاضي المالي وفي ملفاته وثائق تؤكد ان كل صفقات شراء النفط من جانب الدولة الفيول أويل والمازوت تمت بالتراضي ومن دون مناقصات خلال السنوات الثلاث الاخيرة، وأن 50 باخرة محمّلة بالنفط ومشتقاته دخلت لبنان على رغم ان التحاليل وتقارير شركات المراقبة اكدت ان الكميات غير مطابقة للشروط والقياسات الفنية اللبنانية. وطلبت شركات المراقبة عدم السماح لها بالدخول، لكن هذه البواخر ادخلت بناء على كتب من الوزير السابق يطلب فيها من غرفة المراقبة البحرية السماح لها بإفراغ حمولتها على مسؤوليته الشخصية. وتلمح مصادر قضائية الى ان اندفاعة القضاء اللبناني، سببها اصرار رئيس الجمهورية إميل لحود على عدم ادخال السياسة في عمل القضاء، خصوصاً ان موضوع النفط كان اثير اكثر من مرة من دون ان يؤدي ذلك الى تحرك القضاء، وسبق ان اثارت النائبة نائلة معوض ملف الرواسب النفطية نفسه في المجلس النيابي، لكن اثارته لم تجد اي صدى في هذا المجلس، وهي اي معوض حضرت الى قصر العدل وشكرت للقضاة وضع اليد على ملف النفط بناء على اخبار تقدمت به شركة "فالكون" عن بيع كمية من النفط الخام على اساس انها رواسب نفطية. اذاً امام قاضي التحقيق في بيروت اليوم ملف كامل عن النفط لا يقتصر على موضوع صفقة الرواسب، وانما يمتد ليلامس دور بعض النافذين، لا برصوميان فحسب. ففيه دوّنت تحقيقات اجريت مع أسعد ريمون روفايل نجل المدير العام السابق للامن العام. وروفايل الابن يملك 14 في المئة من اسهم شركة "أورو غولف" التي يترأس مجلس ادارتها الموقوف ناجي عازار، وبين مالكيها زوجة الموقوف وابنه. والشركة هي التي اتمت صفقة الرواسب النفطية بموافقة برصوميان. وصحيح ان المسؤولية الجزائية تقع على رئيس مجلس ادارتها مديرها العام. ولكن تقع ايضاً مسؤوليات مادية على الشركاء الآخرين في الشركة. وهنا يفتح من جديد ملف الاهدار كاملاً في الوزارة، اذ طلبت هيئة القضايا في وزارة العدل، من وزارة النفط التدقيق في قيمة كل الاموال المهدورة في الوزارة تمهيداً للمطالبة بها، وتشمل الصفقات بالتراضي التي بينها واحدة بقيمة 300 مليون دولار، وأخرى بقيمة مئة مليون دولار اجرتهما الوزارة لمصلحة شركة كهرباء لبنان بالتراضي من دون مناقصة، ولزمتها الى شركة انكليزية لا يتجاوز رأسمالها العشرة آلاف دولار. ويرجح ان تكون الشركة الاخيرة واجهة لشركات كبيرة هي جزء من صفقات "التراضي" هذه. ويضاف الى ذلك اعتراف برصوميان بأنه وكوزير للنفط "قام بالمتاجرة بالنفط لمصلحة الدولة، لكن التحقيقات اثبتت ان متاجرته لم تكن لمصلحة الدولة". اما عن امكان رفع السرية المصرفية عن برصوميان وآخرين، فيقول المحققون انه "موضوع قيد الدرس"، وهم يفضلون "عدم الخوض فيه كثيراً خصوصاً انه يثير حساسيات كون السرية المصرفية هي احد اهم اعمدة النظام الاقتصادي الحر في لبنان، لكن الامر ايضاً خاضع لتطورات التحقيقات وللمعلومات الجديدة التي يمكن ان تتوافر". ويبدو ان ملف النفط شائك ومتداخل. وكان مسرحاً لاحتكارات منعت كثراً من تجار النفط اللبنانيين من التوظيف به، اذ كانت التلزيمات تتم لأناس محددين دون غيرهم، مما ادى الى هجرة الكثير من الشركات ورؤوس الاموال من لبنان. وقد استدعى المحامي العام المالي جميع هؤلاء وطلب منهم معاودة عملهم في لبنان، والاشتراك في المناقصات التي تجريها وزارة النفط ضمن الشروط القانونية، مؤكداً لهم ان النفط في لبنان مادة استراتيجية وحيوية تتعلق بالامن القومي، وسينزل بالمتلاعب بها اشد العقوبات. وعلم من وزارة النفط انها، منذ تسلم الوزير والمدير العام الجديد، الى الآن، اجرت مناقصتين اشتركت فيهما شركات عدة وتمكنت من ايصال سعر طن الفيول أويل الى 22 دولاراً في حين كانت الوزارة سابقاً تستورده من دون مناقصة بقيمة 33دولاراً للطن الواحد. واذا اعتمدت هذه القاعدة، فإن فاتورة النفط المتوجبة على الدولة ستنخفض بمعدل الثلث، وألمح مطلعون على الملف الى امكان ان تصل قيمة الاموال المهدورة بحسب التقارير التي تعدها وزارة النفط والتي سيطالب الموقوفون بإعادتها، الى حدود ثلث الفاتورة النفطية العامة من تاريخ مباشرتهم العمل. وتعيد مصادر قضائية سبب فتح الملفات الآن الى ان ملفات جديدة اعدت وشكاوى قدمت. فملف النفط فتح بسبب شكوى تقدمت بها شركة "فالكون انترناشيونال"، وتؤكد ان "لا اسباب سياسية وراء فتحه، وان استثمار السياسيين خطوات القضاء امر عائد اليهم وليس له اي علاقة به". وتعتبر ان خطوة المدعي العام المالي فتح ملف النفط "فتحت باب الاهدار على مصراعيه، وهدم جداراً كبيراً كان شيد في وجه القضاء".