لا بد أن الرئيس حسني مبارك خرج من اجتماعه مع الرئيس جورج بوش في واشنطن وقد أكد ما ساوره من شكوك عن عدم وجود سياسة خارجية واضحة المعالم للادارة الجديدة. ولا بد ان هذا سيكون انطباع الملك عبدالله الثاني عندما يقابل الرئيس الأميركي. الرئيس بوش ليس خبيراً في السياسة الخارجية، وهو يعرف هذا ويصرح به ويعترف، لذلك فقد احاط نفسه بخبراء. غير ان النتيجة هي قيام محورين أحدهما في وزارة الخارجية الليبرالية الميول، والثاني في وزارة الدفاع التي تتصرف بعقلية الحرب الباردة. غير ان الأمور ليست بهذه البساطة، فهناك محوران، الا انهما مطاطان، والحديث عن وزارتي الخارجية والدفاع يبسط الأمور الى درجة الوقوع في الخطأ، فهناك أيضاً نائب الرئيس ديك تشيني، وهذا جمع حوله مستشارين محافظين، ما يعني انه أقرب الى تفكير وزارة الدفاع، ثم هناك مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، وهذه أصلاً محافظة، الا انها تبقى خارج عملية التجاذب الجارية بين اللاعبين الرئيسيين، وأهم ما فيها انها قريبة من الرئيس بوش، وانه يستمع اليها ويأخذ بنصحها. الرئيس بوش كان حمّل أبو عمار المسؤولية عن العنف وضغط عليه لوقفه، وهو طلب من الرئيس مبارك ان يضغط على الرئيس الفلسطيني، وسيطلب من الملك عبدالله ان يفعل. وأبو عمار مضغوط من دون حاجة الى من يضغط عليه، فهناك أيضاً إسرائيل وضغط حكومة آرييل شارون. اذا كان الرئيس مبارك والملك عبدالله لا يجدان صعوبة كافية في التعامل مع ادارة لا تملك سياسة خارجية واضحة المعالم الخلاف على العراق بين الليبراليين في الادارة والمحافظين هو أشد منه على السلطة الوطنية فإنهما يجدان ان الادارة تطالبهما في التعامل مع حكومة شارون، وهذه من دون سياسة خارجية بإجماع آراء المحللين في إسرائيل والغرب. شارون فاز برئاسة الوزارة على أساس برنامج من كلمة واحدة هي "الأمن"، فهو زعم انه يستطيع ضمان أمن اسرائيل، غير انه لم يفعل بعد حوالى شهر له في الحكم، سوى ان يزيد العنف من الجانبين. وأصبح الإسرائيليون يرون بعد كل انفجار، أو قتل مستوطن، ان رد فعل حكومة شارون هو الرد نفسه الذي جربوه مع ايهود باراك. آرييل شارون مجرم حرب لا يعرف سوى القتل سياسة، غير ان خياراته، بما فيها العنف، محدودة، فهو لن يستطيع اعادة احتلال المناطق "ألف"، اي الواقعة تحت السلطة الفلسطينية كاملة، من دون وقوع خسائر كبيرة في الأرواح، ستعني تدخل العالم كله لوقف القتال، وعزلة اسرائيلية جديدة في الخارج. أما الخيارات الأخرى من نوع الخنق الاقتصادي أو الفصل، فهي صعبة التنفيذ جداً، لأن الفلسطينيين سيظلون يتلقون مساعدات عربية وغيرها، كما ان شارون لن يستطيع فعلاً، يعني اخلاء المستوطنات المعزولة أو المكشوفة، مثل نتزاريم. ماذا يفعل الرئيس مبارك والملك عبدالله في غياب سياسة أميركية واضحة ووجود سياسة اسرائيلية وحيدة قوامها العنف؟ هما يحاولان، وقد قدما ورقة مشتركة لا بد ان للأميركيين ملاحظات عدة عليها، ربما كان أهمها طلبهم، وقف العنف الفلسطيني كخطوة أولى تسبق أي خطوة تالية، مع اصرار العرب على ان العنف الفلسطيني مجرد رد فعل على العنف الإسرائيلي والحصار الاقتصادي وبناء المستوطنات، وأن الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المأزق هي خطوات متبادلة ومتزامنة لتخفيف حدة العنف. غير ان شارون لا يريد التفاوض، فهو يحمّل أبو عمار وحده المسؤولية عن انفجار الشعب الفلسطيني، مع انه يعرف ان الرئيس الفلسطيني لن يستطيع وقف كل اعمال العنف مهما حاول، لذلك فشرطه وقف العنف شرط تعجيزي، يثبته انه، وهو أسوأ ارهابي عرفه الشرق الأوسط منذ الخمسينات، يتحدث عن السيد عرفات فيصفه بأنه "رجل الارهاب"، وأن الكيان الفلسطيني "دولة ارهاب"، في حين انه أبو الارهاب وأمّه. والسؤال هنا: كيف يتفاوض شارون مع ارهابي؟ أما السؤال الصحيح فهو: كيف يتفاوض ابو عمار مع ارهابي قتل النساء والأطفال والجنود الأسرى؟ الحديث عن التفاوض اليوم مجرد "رياضة أكاديمية". فوزير الخارجية شمعون بيريز رفض الورقة "المصرية - الأردنية" وفي حين ان بيريز "عرّاب" اتفاقات اوسلو ولعب دوراً مهماً في مسيرة السلام منذ 1993، فانه أصبح في وزارة الخارجية مجرد رجل علاقات عامة لممارسات الحكومة الإسرائيلية، ولشارون نفسه. رئيس وزراء إسرائيل يستطيع ان يسرح ويمرح طالما ان بيريز موجود لتلميع صورته، والادارة الأميركية الجديدة لا ترى من العنف سوى ما يمارسه الفلسطينيون لا الجرائم الإسرائيلية اليومية بحق المدنيين. شخصياً، أرجو الا يعطي القادة العرب الاجتماعات مع جورج بوش أكثر مما تستحق، فهو زعم انه يريد توسيع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فلا يكتفي بالقضية الفلسطينية كما فعلت الادارة السابقة، وتحدث عن سياسة متشددة ازاء العراق. غير ان هناك قضايا كثيرة اخرى تتطلب انتباهه واهتمامه، فهناك مواجهة مع روسياوالصين بسبب نظام الدفاع الصاروخي المقترح، ومع الصين بسبب حقوق الانسان وتسليح تايوان وحادث الطائرة، ومع أوروبا بسبب قوة التدخل السريع المقترحة والتدخل في البلقان، ومع كوريا الشمالية وغيرها". الرئيس بوش يعرف العناوين الرئيسة لهذه القضايا، وبعض التفاصيل، والفريق الذي جمعه لادارة السياسة الخارجية ينقسم على نفسه، والوضع لا بد ان يسوء كثيراً قبل ان يتحسن.