كشفت محادثات الرئيس حسني مبارك في القاهرة أمس مع وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز ملامح "سيناريو" جديد لوقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يبدأ ب"هدنة" لمدة أربعة اسابيع تعقبها "مفاوضات" لحل الأزمة بينهما. ولكن الجانب الفلسطيني نفى علمه له باي ترتيبات لوقف النار واعلن اصراره على رفض اي تعديلات اسرائيلية على المبادرة الاردنية - المصرية الرامية الى حل الازمة المستمرة منذ اواخر ايلول سبتمبر الماضي. أعلن الرئيس حسني مبارك أمس أن وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز نقل اليه رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، جاء فيها أن "الجانب الإسرائيلي سيبدأ اعتباراً من اليوم الاحد في اتخاذ بعض إجراءات التخفيف عن الفلسطينيين". وصرح مبارك بعد لقائه بيريز: "اتفق الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني على وقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع تبدأ بعدها المفاوضات والإجراءات للتوصل إلى حل للموقف". واضاف ان تنفيذ ذلك ربما يعطي أملاً في أن يكون هناك استقرار وأمل وأمان لجميع المواطنين، سواء الفلسطينيين والإسرائيليين. وأوضح مبارك أنه ناقش مع بيريز المبادرة المصرية - الأردنية، مشيراً الى أن بعض بنودها ورد في رسالة شارون. واكد أن ادخال "تعديلات على المبادرة عملية تخص مصر والأردن، ولا يمكن أن نقول إننا وافقنا على التعديلات أو رفضنا ما لم نتفق مع الشريك الآخر". وعقب مغادرة بيريز القاهرة متوجها الى مدينة العقبة الاردنية، أجرى مبارك اتصالين هاتفيين مع كل من العاهل الأردني الملك عبدالله والرئيس ياسر عرفات. وحسب وكالة "أنباء الشرق الأوسط"، فإنه "تم خلال الاتصالين تبادل الرأي في شأن نتائج المحادثات بين مبارك وبيريز". ووصف وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى المحادثات التي اجراها مع بيريز بانها "مهمة جداً واستمعنا لما قاله عن الاستعداد لفك الحصار عن الفلسطينيين والرغبة في العمل من أجل وقف إطلاق النار، وهو ما وافق عليه الطرفان من أجل السير نحو اتخاذ الإجراءات السياسية لوقف اطلاق النار من الجانبين من دون شروط". واشار الى ما اسماه "كلمات جيدة"، لكن "أحياناًَ ما تكون الافعال مضادة لتلك الكلمات". وكشف أن مبارك بحث مع بيريز في موضوع المستوطنات، وقال إنها "قضية خطيرة جداً وقد تساعد عملية السلام إذا توقف بناؤها، وقد تنتهي تلك العملية إذا استمر بناء المستوطنات". وزاد: "استمعنا لآراء الحكومة الإسرائيلية بالنسبة الى المبادرة المصرية - الأردنية وسنناقش تلك الآراء مع شركائنا من الفلسطينيين والأردنيين". ومن جانبه، اعتبر بيريز ان النقطة الأولى المهمة حالياً "هي وقف إطلاق النار والإرهاب والعنف" لأن "من المستحيل استئناف المفاوضات في ظل اعمال العنف". وقال: "اتفقنا على ذلك وهناك فترة زمنية لوقف اطلاق النار تسمح باستئناف المفاوضات"، مضيفاً: "لا نريد للفلسطينيين أن يعانوا وستتخذ خطوات غير مشروطة وسريعة لتسهيل حياة المواطنين المدنيين من دون شروط". وقال: "لا أريد أن أدعي أن كل النقاط حلت، لكنه تم التوصل إلى اتفاق على كيفية التعامل مع الموقف، ومن أجل هذا فإنني أشعر بالامتنان". وعن نقاط الاعتراض الإسرائيلية على المبادرة المصرية - الأردنية، قال موسى: "إننا استمعنا لآراء الإسرائيليين والأمر ليس بيدنا وحدنا لقبول تلك الآراء او رفضها، ونحن لا نقترح إيجاد عملية جديدة للبحث في المبادرة، وهي ليست ورقة للبحث لمدة شهرين أو ثلاثة، والمهم هو اتخاذ خطوات والتوصل إلى مفاوضات سياسية، واتفاق على شروط التهدئة ووقف إطلاق النار بين الجانبين إذا كان ذلك مقبول ونأمل في ذلك". ورداً على سؤال لبيريز عن إصرار شارون على بناء المزيد من المستوطنات، قال بيريز: "لقد اوضحت لمبارك أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تبني مستوطنات جديدة لكن سيتم توسيع المستوطنات الحالية، ولا أقول إن هناك موافقة فلسطينية على ذلك، لكن موقفنا واضح ومستمر". ورد موسى: "هناك مستوطنات كثيرة خالية يمكن استخدامها، وهناك قرارات دولية ترفض بناء المستوطنات. ومن وجهة نظر مصر، في ظل الوضع المتردي حالياً في عملية السلام ووجود مستوطنات خالية، فان اي توسع سكاني لا يستدعي بناء أي مستوطنات جديدة أو إضافة مساكن لمستوطنات موجودة في الأراضي المحتلة". وعن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، قال موسى: "لقد تم إبلاغنا بالمفاوضات بين الجانبين، لكننا لسنا طرفاً فيها"، فيما علق بيريز: "لقد أوضحنا أننا لن نتفاوض في ظل وجود أعمال عنف وبعد وقف اطلاق النار لفترة زمنية سنبدأ التفاوض إذا سارت الأمور من دون عنف واطلاق النار، واعتقد أن الوقت حان لتغيير اللهجة المتبادلة، وأعتقد أن هناك كارثة نفسية وأمل في أن يتمكن الطرفان من التوصل للهجة جديدة من أجل أن يصبح السلام مجدداً على جدول الأعمال". ورد موسى: "لقد اشار بيريز إلى عدم إمكان التفاوض في ظل إطلاق النار، وأريد أن أزيد على ذلك أن الفلسطينيين ايضاًَ لا يمكن أن يتفاوضوا في ظل إطلاق النار ووجود قوات إسرائيلية، والأفضل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين وهو ما أبلغونا به فعلاً، وأنهم يتفاوضون حول ذلك الأمر". وعن الإجراءات الإسرائيلية لوقف العنف، قال بيريز انها "رد فعل على العنف الفلسطيني وهناك خطوة قادمة بسحب القوات الإسرائيلية الى ما قبل 27 أيلول سبتمبر بعد وقف اطلاق النار". واضاف: "إن 90 في المئة من المشكلة في الشرق الأوسط نفسية، وأعتقد أن من الأفضل تحسين نفسية المفاوضات لأن اطلاق الاتهامات والقاء اللوم لن يصل بنا إلى أي مكان". وعن الكاريكاتير الذي نشرته إحدى الصحف المصرية أمس لبيريز يصوره كرجل نازي وأن زيارته لمصر فضيحة، قال بيريز إن موسى "قال لي إن الصورة لا تشبهني ولا استطيع أن اقول إنني سعيد بما يتم نشره في الصحف". وعلق موسى إن هذا الموضوع خطير ونحن نسمع الكثير من الانتقادات عن معاداة السامية في الصحف المصرية، مذكراً بهجوم أحد الحاخامات على العرب ووصفهم بالثعابين، وقال عن هذه الأحاديث ضد السامية: "إذا أردتم فتح الملفات علينا فتحها، لا أن يتم توجيه الاتهامات للعرب فقط بمعاداة السامية، بل انتم أيضاً كذلك. فلا تلوموا العرب وأنتم تفعلون الشيء نفسه". لكن مسؤولاً فلسطينياً كبيراً في غزة قال انه لم يسمع باتفاق لوقف النار. واضاف: "لم يتم ابلاغنا بمثل هذا الاتفاق. هذه المرة الاولى التي نسمع فيها عنه". وأدلى مسؤولون فلسطينيون آخرون بتصريحات مماثلة. ومن جانبه، قال وزير الحكم المحلي الفلسطيني الدكتور صائب عريقات لوكالة "رويترز" ان اسرائيل لم تقبل المبادرة المصرية -الاردنية، فيما تتمسك السلطة الفلسطينية بها ككل وترفض تجزئتها. وكانت اذاعة الجيش الاسرائيلي نقلت عن بيريز قوله ان اسرائيل تقترح ان يستمر وقف اطلاق النار مع الفلسطينيين لفترة تمتد الى شهرين او ثلاثة اشهر قبل استئناف المفاوضات. واشارت الى ان المحادثات حالياً تتناول هذه النقطة مع الفلسطينيين الذين يطالبون بان تبدأ المفاوضات بعد اربعة اسابيع من وقف اطلاق النار. ونقلت عن بيريز قوله انه لم يتم حتى الان التوقيع على اي وثيقة تنص على وقف اطلاق النار.