الحكومة الإسرائيلية رفضت المبادرة المصرية - الأردنية، بغض النظر عما سيحمل وزير الخارجية شمعون بيريز الى القاهرة أو واشنطن. وكان رئيس الوزراء المنحط آرييل شارون رفض المبادرة صراحة في البداية، ولكن عندما قامت ضجة دولية حول موقف إسرائيل، قال ان المبادرة تستحق الدرس، وأكمل بيريز، وهو كذاب محترف، بالزعم ان موقف إسرائيل من المبادرة هو: "نعم ولكن". ورتب زيارته الى مصر على هذا الأساس، غير ان الواقع هو ان حكومة شارون رفضت المبادرة، وان بقي من هذه المبادرة شيء بعد "لكن" الإسرائيلية فهو سيجعلها مبادرة إسرائيلية خالصة. مصر لن تقبل تعديلات تنسف المبادرة، أما الادارة الأميركية الجديدة فالأرجح ان تميل الى الموقف الإسرائيلي، أو تحتضنه كله، كما فعلت في كل موضوع آخر منذ 20 كانون الثاني يناير الماضي. أساس المبادرة المصرية هو الاتفاقات المعقودة، والمحادثات بين الفلسطينيين من كامب ديفيد الى شرم الشيخ وطابا. غير ان شارون أعلن صراحة ان اتفاقات أوسلو نفسها ماتت، وهو من الحقارة ان يعلن موتها ثم يطلب من الفلسطينيين تنفيذ الجانب الأمني منها، وهو كلام يدخل في الاستحالة، فمجرم الحرب المعروف يطلب من السلطة الوطنية ان تحمي أمن إسرائيل، فيما هو يقتل المدنيين الفلسطينيين. أقول مرة أخرى ان الموقف الإسرائيلي ليس سياسة، بل اهانة لكل العرب، فشارون يعتقد انه يستطيع إملاء سياسته بالقوة المسلحة على الفلسطينيين، وبتهديد الدول العربية الأخرى. لذلك فهو يقترح شيئاً مهيناً من نوع عدم بناء مستوطنات جديدة، ولكن مع الاصرار على "حق" اسرائيل في توسيع المستوطنات الموجودة، لاستيعاب الزيادة الطبيعية في السكان، كما يقول بيريز. غير ان هذا الموقف يعني ان شارون يعتقد المفاوض العربي مغفلاً معاقاً، أو جباناً سيزعم انه لا يفهم ما يجري، فتوسيع مستوطنة ما قد يعني زيادة حجمها بما يعادل مستوطنة جديدة أو مستوطنات، والفارق ان الزيادة هذه لن تحمل اسماً جديداً، بل تظل تحت اسم قائم. في الوقت نفسه، تريد الحكومة الإسرائيلية وقف العنف نهائياً قبل التفاوض، الا انها تقول بأوضح عبارة ممكنة انها لن تفاوض على أساس كامب ديفيد أو طابا. العنف إسرائيلي، ولكن نتجاوز هذه النقطة لنركز على المنطق المقلوب في الرد الإسرائيلي، فالفلسطينيون توصلوا الى اتفاقات أوسلو مع الإسرائيليين سنة 1993، وتفاوضوا من دون نتيجة سبع سنوات، وانفجر العنف بعد زيارة شارون المهينة الى الحرم الشريف، في ايلول سبتمبر الماضي. وهكذا فالانفجار وقع لأن المفاوضات لم تحقق شيئاً على مدى سبع سنوات، واليوم يطالب شارون بوقف العنف، وهو يرفض استئناف المفاوضات من حيث توقفت، فهو يريد ان يعود الى نقطة الصفر، فتستغرق المفاوضات معه، ومع أمثاله، سبعين سنة بدل سبع... كل هذا وهو يريد من الفلسطينيين وقف العنف الذي يمارسه هو ضدهم. في مقابل هذا التحقير الإسرائيلي للفلسطينيين، ولعقل المفاوض العربي، بدأت تتصاعد نغمة في بعض الأوساط العربية عن "الفرصة" المزعومة التي ضيعها الفلسطينيون، وأنهم الآن يدفعون ثمن خطأ تاريخي من قيادتهم. هل حدث هذا فعلاً؟ تقضي الموضوعية ان نسجل ان ايهود باراك ذهب مع الفلسطينيين الى ابعد مما ذهب أي رئيس وزراء إسرائيلي سبقه، بمن في ذلك اسحق رابين، وأنه وافق فعلاً على اعادة 93 في المئة، من الأرض، أو حتى 97 في المئة، مع عودة بعض اللاجئين. هذا حدث فعلاً، وهو مهم، الا انني تابعت المفاوضات مع المفاوضين الفلسطينيين، حتى آخر يوم في طابا. وجلست مع الدكتور صائب عريقات في دافوس فور وصوله من طابا في كانون الثاني الماضي. ودرست الخرائط معه، وما انجز وما لم ينجز. وأسجل مرة أخرى ان المعروض على الفلسطينيين كان خطوة متقدمة جداً لولا نقطة واحدة: لم يعرض الإسرائيليون على الفلسطينيين في كامب ديفيد، أو شرم الشيخ، أو طابا، سيادة على الحرم الشريف، بل انهم لم يعرضوا سيادة مشتركة. وأكثر ما تحدثوا عنه هو سيطرة على ظاهر الأرض، وترك باطنها، وتملك الإسرائيليين "الحائط الغربي" كله أي حوالى 480 متراً، بدل حائط المبكى الذي لا يتجاوز 80 متراً. واذا كان بين العرب أو المسلمين من يقبل ان يوقع اتفاقاً يتنازل فيه عن السيادة على الحرم الشريف، فليتفضل ويعلن نفسه. اليوم نقول ان لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، ولكن نزيد ان باراك مسؤول قبل غيره عن عدم الوصول الى اتفاق، فالطرفان ربما كانا استطاعا إيجاد مخرج للسيادة على الحرم الشريف لولا ان الوقت سبقهما، فباراك كان يوقف المفاوضات في كل مرة يقتل مستوطن، وأضاع وقتاً ثميناً، حتى انتهت ولايته من دون اتفاق وخسر الانتخابات. هذا في الماضي، أما اليوم فهناك على رأس الحكومة الإسرائيلية مجرم حرب يجب ألا ينجح في فرض شروطه على الفلسطينيين، لأن هدفه النهائي هو فرض هيمنة إسرائيل على دول الجوار بعدهم، ثم المنطقة كلها.