أثارت زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز القاهرة امس ومحادثاته مع الرئيس حسني مبارك، قبل توجهه الى العقبة حيث التقى الملك عبدالله، جواً من اللغط والبلبلة، بسبب ما بدا معلومات غير دقيقة، وربما غير صحيحة، نقلها بيريز الى مبارك، عن اتفاق أنجز بين الاسرائيليين والفلسطينيين لوقف النار، على ان تعاود المفاوضات بين الجانبين بعد أربعة اسابيع على بدء سريان الاتفاق راجع ص4. وكان مبارك أبلغ الصحافيين بعد اللقاء، ان بيريز حمل اليه رسالة من رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون تتضمن نبأ اتفاق الطرفين على وقف النار، وزاد: "بعد وقف النار بأربعة اسابيع تبدأ المفاوضات والاجراءات للتوصل الى حل للموقف". وذكر بيريز بعد محادثاته مع الرئيس المصري ان النقطة الأولى المهمة حالياً هي "وقف النار والارهاب والعنف، واتفقنا على ذلك، وهناك فترة زمنية لوقف اطلاق النار تسمح باستئناف المفاوضات". وأبلغ بيريز مبارك باسم شارون ووزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر، ان الدولة العبرية ستبدأ خطوات فورية وغير مشروطة لتسهيل حياة سكان الأراضي الفلسطينية. لكن وكالة "رويترز" نقلت عن مسؤول فلسطيني رفيع المستوى في غزة، رفض ذكر اسمه، قوله: "لم نبلغ بمثل هذا الاتفاق، هذه أول مرة نسمع عنه". ونسبت الى مسؤولين فلسطينيين في الضفة الغربية انهم لا يعلمون شيئاً عن أي اتفاق لوقف النار، وشككوا في استعداد حكومة شارون للسلام. وأعلن يوسي ساريد زعيم حركة "ميرتس" يسار زعيم المعارضة البرلمانية الاسرائيلية ان الرئيس ياسر عرفات أبلغه خلال اجتماعهما أمس في رام الله، ان لا علم له بالاعلان عن اتفاق وقف النار، وزاد: "لمست انه فوجئ بالاعلان، وبادر الى الاتصال هاتفياً بوزير الخارجية المصري عمرو موسى ليطلع على مضمونه". وتميزت تصريحات موسى في مؤتمر صحافي عقده مع بيريز في القاهرة، بالحذر حيال "اتفاق" وقف النار، وأشار الى أن "هناك محادثات تجري"، مؤكداً استمرارها و"اذا كان الاتفاق صحيحاً ستكون هناك بداية". وفي اتصال هاتفي برام الله، قالت ل"الحياة" مصادر فلسطينية رفيعة المستوى ان ما جرى لا يعدو كونه زيارة قام بها بيريز لمكتب أحمد قريع رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، بحضور خالد سلام، واقترح عليهما اتفاقاً لوقف النار في مقابل اجراءات اسرائيلية لتخفيف الحصار الاقتصادي عن الأراضي الفلسطينية، و"أبلغه قريع انه لا يعارض ذلك إذا تم، فما كان من بيريز إلا ان اعتبر ما جرى اتفاقاً رسمياً، ونقله الى الرئيس مبارك بهذه الصفة، خلافاً للواقع". وعلقت مصادر فلسطينية مشيرة الى أن ما نقله بيريز الى مبارك اتفاق لم يعقد مع أحد. وذكرت ان عرفات كان غاضباً جداً لكل ما جرى، وأنه قال لوزير الخارجية المصري في اتصال هاتفي ان ما نقله بيريز "كذب". حديث الدولة العبرية عن المبادرة المصرية - الأردنية تلاشى في القاهرة وراء الضبابية التي سادت بسبب اعلان اسرائيل "اتفاق" وقف النار، فاكتفى مبارك بالقول انه ناقش المبادرة مع بيريز. وعن طلب اسرائيل تعديل بنود المبادرة قال الرئيس المصري ان "التعديلات عملية تخص مصر والأردن، ولا يمكن ان نقول اننا وافقنا أو رفضنا اذا لم نتفق مع الشريك الآخر". واشار موسى، في المؤتمر الصحافي، الى انه تحدث مع بيريز في شأن المبادرة، وكشف ان الرئيس المصري ناقش مع الوزير الاسرائيلي مسألة المستوطنات، وقال انها "قضية خطيرة جداً، وقد تنتهي عملية السلام اذا استمر بناء المستوطنات". واجرى مبارك بعد المحادثات اتصالاً بالملك عبدالله وعرفات لتبادل الرأي في نتائج زيارة بيريز القاهرة، وقال موسى: "سنناقش آراء الحكومة الاسرائيلية مع شركائنا الفلسطينيين والأردنيين". بيريز في العقبة وفي العقبة بدا ان محادثات الملك عبدالله وبيريز ركزت على تعديلات في المبادرة المصرية - الأردنية تطالب بها اسرائيل، من دون بروز أي مؤشر الى ان الحكومة الأردنية ستوافق عليها. وفيما اعتبر مصدر رسمي ان موافقة اسرائيل على بحث المبادرة "بداية جيدة"، وان الأردن قد يوافق على النظر في "الملاحظات" الاسرائيلية حول بعض بنودها في حال انسجام ذلك مع نصوص الاتفاقات الفلسطينية - الاسرائيلية الموقعة، أكد مسؤول أردني رفيع المستوى ل"الحياة" ان بلاده "لا يمكن ان تقبل التعديلات أو الطروحات الاسرائيلية التي تسعى الى التهرب من شروط التسوية السلمية من خلال القفز عليها". وزاد ان بيريز تحفظ عن النص الذي يطالب اسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك عن الجزء المتعلق بالعودة الى مفاوضات الوضع النهائي على اساس قرارات الشرعية الدولية. وأوضح ان بيريز اعلن موافقة حكومته على عدم بناء مستوطنات جديدة مع استمرارها في توسيع المستوطنات القائمة، وهو ما يرفضه الأردن. وأفادت مصادر مطلعة ان وزير الخارجية الاسرائيلي "رفض وضع اطار زمني لتنفيذ بنود المبادرة، وطرح اقتراحاً باجراء مفاوضات مرحلية طويلة الأمد للتوصل الى اتفاقات جزئية تقود الى اتفاق على الوضع النهائي". واكد المسؤول الأردني ان بلاده "لم تحصل من الوزير الاسرائيلي على رد مقبول" على المبادرة الاردنية - المصرية، واعتبر ان الموقف الاسرائيلي "اسلوب ديبلوماسي لإعلان رفض المبادرة ووسيلة للتهرب من التعامل معها". وحذر من ان فشل الجهود لإحياء مفاوضات السلام على اساس الطروحات الواردة في المبادرة "يعيدنا الى الفراغ السياسي الذي قد يقود الى مزيد من التصعيد" السياسي والأمني. عبدربه الى ذلك، قال وزير الاعلام الفلسطيني ياسر عبدربه ان السلطة الفلسطينية ترفض التعديلات الاسرائيلية على المبادرة المصرية - الأردنية، وتعتبرها افكاراً تتناقض مع المبادرة ومع كل الاتفاقات الموقعة مع الدولة العبرية. ووصف تعديلات بيريز بأنها مبادرة جديدة مناقضة تماماً. واللافت قبل بدء بيريز جولته على مصر والأردن امس، قرار فلسطيني اتخذ على أعلى المستويات بحل لجان المقاومة الشعبية، التي سارعت بعد ساعات الى اعلان تحديها القرار وتمسكها بالمقاومة.