أكثر من 150 باحثاً وآثارياً من العراق والوطن العربي وألمانيا وبريطانيا وفرنسا أحيوا في بغداد قبل أيام مؤتمر "الألفية الخامسة لاختراع الكتابة في بلاد الرافدين" وناقشوا على امتداد أسبوع نشوء الكتابة وبيئاتها وأنواعها وانعكاساتها على امتداد أسبوع نشوء الكتابة وبيئاتها وأنواعها وانعكاساتها على ضوء المكتشفات الاثارية والتأثير الحاسم لها في نمو الفكر الإنساني. وفيما سعت البحوث الى تأكيد الانعطاف الذي شكلته الكتابة في مسار الوعي البشري وموقع بلاد الرافدين في اغناء هذه الوسيلة التي وثقت الارث الروحي وأسهمت في تراكم المعرفة وتطورها، أكد نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز مسعى حكومته في ربط التراث الرافديني الضخم بنهجها السياسي قائلاً في افتتاح المؤتمر: ان "ما يتعرض له العراق من عدوان عسكري ومن حصار جائر يهدف الى طمس دوره الحضاري في التاريخ وسعيه الجاد لاستعادة هذا الدور في هذا العصر" لافتاً ان "قيادة العراق تعمل كي يحتل العراق الموقع نفسه الذي احتله في عصور سابقة". ولم يتوقف عزيز عند فكرة المؤتمر ولا عند الكتابة كفعل انساني في بلاد الرافدين التي انجزت من النصوص وحفظت ودونت الكثير وانما ذهب الى تأكيد فكرة القوة فاختار من التراث الرافديني رمزاً قوياً تراه القيادة العراقية نموذجاً يحتذى حين وضعته شعاراً لمهرجان بابل الا وهو نبوخذ نصر الذي وصفه المسؤول العراقي بأنه شكل تهديداً للحضارات المجاورة لحضارة بابل. وتأكيداً على ربط الحدث "مؤتمر الألفية الخامسة لاختراع الكتابة" بنهج القيادة العراقية قال وزير الثقافة حامد يوسف حمادي ان "العراق وقف ويقف لوحده من اجل حماية العالم الجميل العادل من الاغتصاب والسلب والتشويه" موضحاً ان حكومته نظمت المؤتمر من اجل "تذكير العالم بأن المادية الصماء قد انتعشت من جديد ومن أجل استثارة ضمير من اصابه الحذر والكسل والتضليل". وتدارك استاذ اللغات الأكدية والبابلية والكتابة المسمارية في جامعة برلين هانز نيس الأمر ليخفف من وطأة الاستحواذ العراقي الرسمي على "اختراع الكتابة" مؤكداً في كلمته على الحلقات المتصلة للحضارة الانسانية وأن نقطة المركز في تلك الحلقات كانت مثلتها الكتابة التي بدأت أولى علاماتها في بلاد الرافدين. وطاولت بحوث المؤتمر قضايا مثل "تأثير الكتابة في الفكر الانساني الأول" و"اللغة والوثائق الديبلوماسية في الشرق القديم" و"خطوط العرب وكتاباتهم قبل الاسلام وبعده" و"مادة الكتابة ووسائل خزنها وصيانتها ودور تعليمها في بلاد الرافدين" فيما اقيم على هامش المؤتمر معرض خاص بالآثار الرافدينية المبنية على الكتابة ومعرض آخر يظهر تطور الكتابة على المسكوكات العربية. ومن بين البحوث الأجنبية كان بحث "مقارنة التحليل الفخاري والتقييم الاسلوبي" لفيوريلا أبوليتونتي و"ثورة الاتصالات ما قبل التاريخ" لجين أوتس، و"اثر الكتابة عبر التاريخ" للباحثة دنيس شمندت و"كتابة النصوص المسمارية وقراءتها" ليواكيم ماترسان، فيما كان الباحث الراحل الأب يوسف حبي حاضراً عبر بحث كان كتبه للمؤتمر قبل رحيله وحمل عنوان "الكتابة... فكر وحياة في حضارة وادي الرافدين". وكان الأب حبي توفي نهاية العام الماضي في حاديث سيارة على الطريق البري بين العراق والأردن وهو في طريقه الى بيروت للمشاركة في ندوة علمية فخسرت برحيله ثقافة العراق القديم وفكره شخصية علمية عرفت برصانتها وموسوعيتها واجتهادها في مقاربة الموروث الرافديني بالثقافة اللاهوتية. ووجد آثاريون وباحثون أجانب خلال وجودهم في العراق فرصة نادرة للتجوال بين أمكنة لطالما استغرقت آثارها سنوات من عمرهم المهني والمعرفي. فاستاذ الآشوريات الألماني أرنوف آناري تنقل بين مواقع تدل على الحضارة الآشورية في نينوى الموصل شمال العراق، وهو الأمر الذي انشغل فيه الآثاري والاستاذ في جامعة برلين هارتمن كون.