JOSEPH YACOUB Au - Dela Des Minoritژs une Alternative a la prolifژration des ژtats ما بعد الأقليات بديل لتكاثر الدول Lصatelier - Paris 2000 234 Pages ليست الأقليات، كما قد يوحي اللفظ نفسه، عرضاً عارضاً في التاريخ. فهي تعبير عن التنوع البيولوجي للبشرية ووجودها سابق في الوجود على الأكثريات. فهذه تتكون في الغالب من هيمنة اقلية بعينها على غيرها من الأقليات. وقد نزع تاريخ الحداثة السياسية الأوروبية الى المماهاة بين الدولة ومقولة الأكثرية القومية. ولكن نموذج الدولة القومية هذا يصطدم، خارج مجال تطبيقه الأوروبي، بعقبات كأدا. ففي افريقيا السوداء، التي يناهز تعداد سكانها اليوم 750 مليون نسمة، توجد 54 دولة، وتوجد في مقابلها 2200 اثنية تتكلم بمثل هذا العدد من اللغات. وفي آسيا، أكبر قارات العالم من حيث تعداد السكان، يعيش اليوم 5،3 مليار نسمة، يتوزعون بدورهم على أكثر من 2000 اثنية وينطقون بأكثر من 2000 لغة ويعتنقون ديانات شتى. فأندونيسيا مثلاً، وهي رابع أكبر دولة في العالم، يقطنها 215 مليون نسمة، يتوزعون على 300 اثنية وينطقون ب365 لغة. والفيليبين، بلد ال75 مليون نسمة، هي أيضاً بلد ال100 اثنية ولغة. ويصل تعداد الاثنيات والأقليات الاثنية في لاوس الى 70، وفيتنام الى 55، وتركيا الى 66، وايران الى 21، وينغلادش الى 52، والنيبال الى 30. ولا شك في ان هناك، في مقابل هذه الأقليات، غالبيات. فنحو من 85 في المئة من سكان بنغلادش هم من الاثنية البنغالية، وأكثريتهم من الإسلام السني. ونحو من 60 في المئة من الفيليبين هم من أصل ماليزي، و84 في المئة منهم يعتنقون الكاثوليكية في مقابل 9 في المئة من البروتستانتيين و8 في المئة من المسلمين. وفي اندونيسيا تنخفض نسبة الأكثرية الاثنية الجاوية الى 45 في المئة من اجمالي تعداد السكان، ولكن الأكثرية الدينية ترتفع في المقابل الى 87 في المئة من المسلمين و12 في المئة من المسيحيين والهندوسيين. والمطابقة بين حدود الدول وحدود الاثنيات واللغات هي الاستحالة بعينها. ففي العالم اليوم 188 دولة أعضاء في منظمة الأممالمتحدة، ولكن هناك في المقابل 8000 اثنية و6700 لغة. وطوال حقبة الانبهار بالنموذج الأوروبي للدولة القومية كان حديث الأقليات شبه محظور، وكانت حقوق الأكثريات تطغى بلا منازع على حقوق الأقليات. ولكن في العقدين الأخيرين، ومع تطور فكرة حقوق الإنسان، انقلبت الآية - أو كادت - الى عكسها. فالحركات المطلبية الاثنية والاقلوية تتكاثر في كل مكان من العالم وتتغلغل في بنية المجتمعات المدنية وتضع موضع تساؤل الأساس القومي الأكثري للدول القائمة. وهناك بين علماء المجتمعات من يتوقع بأن العقد الحادي والعشرين سيكون قرن تفتت الدول مثلما كان القرن العشرون قرن توحدها. ومن دون ان يكون هذا التوقع صادقاً بالضرورة، فلا مفر من التسليم بأن عهد الدولة المركزية اليعقوبية قد ولى. وهذا ليس فقط في العالم الثالث حيث يتعسر من الأصل مخاض الدولة القومية وفق النموذج الأوروبي، بل كذلك في أوروبا نفسها. وليس فقط في أوروبا الوسطى والشرقية التي لم يتوقف فيها قط مرجل الاثنيات والأقليات عن الغليان، وحتى عن الانفجار كما في النموذج اليوغوسلافي، بل في أوروبا الغربية نفسها، وتحديداً في فرنسا أم الدولة القومية المركزية اليعقوبية. ففرنسا، التي صدرت الى العالم أجمع من خلال ثورة 1789 مفهوم "الوطن" هي في سبيلها اليوم الى معاودة اكتشاف مفهوم "البلد" Pays. ففرنسا لا تتألف فقط من وطن واحد تتساوى محافظاته وتقسيماته الادارية تساوي اسنان المشط، بل تتألف أيضاً من بلدان ومناطق لها خصوصياتها التاريخية وتمايزاتها الثقافية والاجتماعية، بل اللغوية والاثنية. ولقد بدأ المشرِّع الفرنسي بالإقرار بواقع هذا التنوع مع صدور قانون اللامركزية في مطلع عهد فرانسوا ميتران الأول في 2 آذار مارس 1982. فقد أقر هذا القانون بوضعية ادارية خاصة لجزيرة كورسيكا وبهوية خاصة ل"الشعب الكورسيكي" الذي لا يزيد تعداده على كل حال عن ربع مليون نسمة. وفي عام 1992 باتت الجزيرة تتمتع بجمعية وطنية كورسيكية ذات سلطة تشريعية محدودة في المجال الاداري والمالي. كما أبيح تعليم اللغة الكورسيكية، ولكن من دون ان يغدو هذا التعليم الزامياً جنباً الى جنب مع اللغة الفرنسية. كذلك حظيت مقاطعة بريتانيا الأطلسية بنوع من الاعتراف بشخصيتها الثقافية الخاصة من خلال اباحة تعليم اللغة البريتانية التي يتكلم بها مليونان من السكان، ولكن ههنا أيضاً من دون اعتبارها لغة رسمية الزامية. وعلاوة على بضع محطات اذاعية محلية تبث باللغة البريتانية، فقد رأت النور اخيراً فضائية تبث باللغتين البريتانية والفرنسية معاً. ويحلم "القوميون" البريتانيون بأن تحتذي بريتانيا حذو اسكتلندا وبلاد الويلز في المملكة المتحدةبريطانيا، فيصير لها مثلهما جمعية وطنية مستقلة. وتلك هي أيضاً وضعية مقاطعة الالزاس التي يتكلم 900 ألف من سكانها من أصل 6،1 مليون نسمة اللغة الالزاسية، والتي تتمتع بتراث تاريخي وثقافي عريق يميزها عن المانياوفرنسا معاً. والواقع ان الحركة المطلبية على صعيد الهوية الثقافية واللغوية شهدت في فرنسا تطوراً مرموقاً منذ ان اصدر "مجلس أوروبا" وثيقته المشهورة في عام 1998 عن "اللغات المحلية والثقافات الأقلوية" وضرورة الاعتراف بها في بلدان الاتحاد الأوروبي. فسكان مقاطعة نورمانديا الأطلسية، المقسمة اليوم الى محافظتين، يطالبون بإعادة توحيدها وبإقرار مبدأ التعليم الالزامي للغة النورماندية جنباً الى جنب مع الفرنسية. وذلك هو أيضاً مطلب "حركة الحكم الذاتي لاوكسيتانيا" التي ترفع شعار التوحيد الاداري لمحافظات اوكسيتانيا - الخمس حالياً - في محافظة واحدة تمتد من مقاطعة السافوا في جبال الألب الى الكوت دازور عند البحر الأبيض المتوسط مع رد الاعتبار الى اللغة الاوكسيتانية المعروفة في فرنسا باسم "لغة أوك". ومن منظور الاعتراف بالهويات الثقافية المناطقية تبدو فرنسا متخلفة عن اسبانيا التي اقرت في دستورها بالذات مبدأ التعدد القومي للشعب الاسباني ومنحت اشكالاً متباينة من الحكم الذاتي لمقاطعات كتالونيا وغاليسيا والأندلس وبلاد الباسك. وذلك ايضاً ما فعلته ايطاليا التي أقرت في عام 1999 قانوناً تشريعياً لحماية الأقليات اللغوية، ومنحت وضعية ادارية وثقافية خصوصاً لخمس من محافظاتها في جزيرتي صقلية وساردينيا وفي جبال الألب والتيرول. ولكن قصب السبق في تعليم اللغات الأقلوية يعود الى السويد حصراً، إذ اباحت تعليم 265 لغة في مدارس السويد، بما فيها لغات الجاليات المهاجرة كالعربية والسريانية والتركية، فضلاً عن اللابونية التي ينطق بها سكانها القطبيون. وقد امتدت عدوى هذه التعددية اللغوية والثقافية الى كندا التي أقرت منذ عام 1988 لسكانها الهنود 850 ألفاً يتوزعون بين 600 قبيلة بوضعية ثقافية خاصة، وأفردت بنداً خاصاً من قانونها الاتحادي البند 27 لتكريس حق الأفراد الذين ينتمون الى اقلية اثنية أو لغوية أو دينية في التمتع بتقاليدهم الثقافية الخاصة وبممارسة شعائرهم الدينية والتكلم بلغاتهم الخاصة وتعليمها. وعلاوة على اعتماد كندا للغتين رسميتين: الانكليزية والفرنسية في مقاطعة كيبك، فقد أنشأت أخيراً للهنود المعروفين باسم "الاينويت" من سكانها منطقة مستقلة ذاتياً لها برلمانها الخاص وعاصمتها الخاصة ومدارسها الخاصة، وحتى شركة طيرانها الخاصة، مع ان تعداد الهنود الاينويت لا يزيد عن 35 ألف نسمة. والواقع ان كندا ذهبت في مجال التعددية الثقافية واللغوية الى أبعد مدى يمكن ان تذهب اليه دولة تحرص على ان تبقى واحدة ومتنوعة معاً، وطورت في ذلك نظرية سياسية جديدة تفصل ما بين القومية المجتمعية والقومية الاثنية وتؤكد بلسان رئيس وزرائها السابق بيير اليوت ترودو انه "قد آن الأوان لنفصل مرة واحدة ونهائية ما بين مفهومي الدولة والأمة لنجعل من كندا مجتمعاً متعدداً فعلاً ومؤلفاً من الكثير من القوميات والاثنيات". يبقى ان نقول ان مؤلف هذا الكتاب، يوسف يعقوب، هو مدرس كلداني الأصل في جامعة ليون الكاثوليكية. وقد اختص بدراسة مسائل الأقليات وأصدر عام 1998 موسوعة كبرى عن "الأقليات في العالم". وهو يرى ان الاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية والدينية، وحتى السياسية، للأقليات، هو شرط لاتقاء شر التكاثر اللامتناهي للدول في العالم، وللحفاظ على وحدة هذا العالم وتنوعه في آن معاً، وللتحول من الدولة الاثنية الصلبة الى الدولة المدنية الرخوة، وبالتالي المتعددة القوميات.