أساس العلاقة الناجحة بين الأشخاص، بين الأصدقاء أو الزوجين أو بين الأهل وأولادهم، هي الثقة المبنية على الصدق والصراحة. مع ذلك، ما من انسانٍ لا يكذب في حياته. كون الجميع يكذبون يجعل من الكذب أمراً بديهياً لا يستحق انتباهنا. الا انه قد يدعونا ايضاً الى التفكير بما يدعو الانسان الى الكذب وبالتالي لماذا هذه "الصفة" التي يتميز بها جميع البشر؟ هذا أمرٌ من الصعب جداً التكهن به إلا اننا نستطيع ان ننظر الى الصغار ونلاحظ الأمور التي تدفعهم الى الكذب. أهم تلك الدوافع حماية النفس: فالطفل ان قام بعملٍ يعرف انه سوف يتلقى عقاباً عليه، يحاول اخفاء فعلته بالكذب محاولاً التملص من العقاب. وعندما يكبر يستخدم الوسيلة نفسها ليتجنب نتيجة اخطائه في العمل أو في حياته اليومية. وهذا الدافع طبيعي جداً نظراً لغريزة الإنسان في البقاء والدفاع عن النفس بشتّى الوسائل. دوافع الكذب الأخرى تكون بسبب الطمع - الطمع بالمكافأة أو بالاعجاب - فبعض الأولاد قد يدّعون انهم حصلوا على علامات عالية في المدرسة، على سبيل المثال، كي يحصلوا على المكافأة التي وعدهم بها أهلهم. أو يختلق بعضهم القصص التي لا صلة لها بالواقع، لأنها تلفت انتباه الجميع وبالتالي يحصل على اهتمامهم. وكثيرون يجدون الكذب وسيلة سهلة للتهرب من القيام بواجباتهم أو للتملّص من طلبات أهلهم أو الأساتذة في المدرسة. أمّا أسوأهم فهم الذين يجدون لذة في الكذب واستغلال الآخرين فلا يشعرون بتأنيب الضمير بل على العكس يفخرون بأنفسهم ظناً منهم ان هذا يدل على ذكائه ومعرفته بكيفية التصرف للنجاح في الحياة. هنا، من المهم جداً ان نعرف كيف نميّز بين الأسباب التي تدفع أولادنا الى الكذب، وان نعرف متى يزيد الكذب عن حدّه الطبيعي ليصبح صفة ينطبع بها الولد. فالطفل الصغير من الطبيعي ان يختلق القصص، إذ أنه كما يحب ان يسمع القصص الخيالية يحب أيضاً ان يرويها. ومن الطبيعي ان يحاول الطفل حماية نفسه ضد أذى يتوقعه. وهو كونه صغير السن وبالتالي ضعيفاً، يجد الكذب سلاحاً سهلاً. كما لا ننسى ان بعضهم يكذب كي ينقذ غيره وليس نفسه أو كي يتجنب جرح مشاعر الآخرين، لذا من غير المناسب ان يعاقب الأهل أولادهم لذلك. ولو ان الكذب بدافع الدفاع عن النفس طبيعي إلا انه من المهم ان يتعلم الطفل اهمية الصدق وأن يعرف كيف يتحمل نتيجة أعماله فيواجهها بشجاعة لا بالكذب كالجبناء. فالإنسان يجب ان يكون قادراً على الصدق مع نفسه أوّلاً ثم مع الآخرين كي يكون موضع ثقتهم. وبالطبع، لا يستطيع الأهل ان يعلّموا ولدهم تلك الأخلاق ان كانوا يضعونه دائماً في موقف يضطره الى الكذب عليهم ليتخلص من الضغط الذي يمارسونه. كما ان استعمال القسوة والقمع مع الطفل، يضعف من شخصيته ويساعد على جعله انساناً جباناً، لا يلجأ الا للكذب على انه أسهل الطرق لحل مشكلاته. أخيراً، والأهم، لكيّ يعلم الأهل أولادهم الصدق، يجب ان يبدأوا، هم أولاً بتعلم الصدق فيكونون صريحين مع انفسهم ومع أولادهم بشكل خاص. فالولد ليس غبياً، هو يعرف متى يكذب عليه أهله ومن الطبيعي ألا يأخذهم في الاعتبار ان كانوا يدعون أخلاقاً لا يطيقونها في الحقيقة. وفي محاولتهم تلك سوف يدركون كم يتطلب الصدق جهداً وشجاعة على عكس الكذب، وبالتالي سيتمكنون من مسامحة أولادهم في بعض الأمور واعطائهم البديل عن الكذب. لأن الكذب ليس ملح الرجال ولا عسل السيدات!