أعرب السفراء العرب الذين التقاهم رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري في العاصمة الاميركية عن ارتياحهم الى المحادثات الاميركية - اللبنانية. ونقل احدهم عن مسؤول اميركي كبير ارتياحه الى الاجواء التي سادتها، مشيراً الى ان المسؤولين في الادارة الاميركية تحدثوا بلهجة واحدة وحرصوا على توجيه رسالة تصدر عنهم للمرة الأولى وتتعلق برغبة واشنطن في العودة الى الأسس التي ارساها مؤتمر مدريد للسلام بدءاً بتطبيق القرارين الدوليين الرقمين 242 و338. وكان الحريري اختتم ليل امس محادثاته في واشنطن، بلقاء نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الذي طرح أسئلة عدة عن الوضع الإقليمي، مؤكداً أن واشنطن "سيكون لها آليتها وطريقتها لمتابعته". وركز أسئلته على سورية وموقف الرئيس بشار الأسد. فأكد له الحريري أن سورية "دولة أساسية في المنطقة، قادرة على التزام أي شيء يتعلق بالسلام، إذا كان عادلاً أو شاملاً". وتميز اللقاء بتأكيد تشيني ان الادارة الاميركية ملتزمة العملية السلمية وراغبة في رعاية مباشرة لجهود تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط، على اساس تطبيق القرارين 242 و338، إضافة الى التزامها دعم البرنامج الاقتصادي والمالي للحكومة اللبنانية ولمؤتمر "باريس - 2" الذي سيشارك فيه صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الأميركية، والحلول للمشكلات التي يعانيها لبنان. وتجاوزت اللقاءات التي عقدها الحريري، في حضور اعضاء الوفد اللبناني، المسؤولين في ادارة الرئيس جورج بوش، الى اعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ الاميركي الذين وجهوا انتقادات الى الحكومة اللبنانية حيال السياسة التي تتبعها، وخصوصاً بالنسبة الى علاقتها الوطيدة بسورية وعدم نشر الجيش اللبناني في الجنوب. ودفعت هذه الانتقادات بالحريري الى توضيح موقف الحكومة بالاجابة عن الاسئلة الساخنة، معتبراً ان الوجود العسكري السوري "كان ولا يزال عاملاً مساعداً على تحقيق الاستقرار في لبنان"، لافتاً الى "ان نشر الجيش مرتبط بتطور العملية السلمية وايجاد تسوية عادلة وشاملة". وفي تقويم اولي لمحادثات الحريري في واشنطن، بدا ان الادارة الاميركية على كل المستويات ليست في وارد افتعال مشكلة مع لبنان او في وجهه، خلافاً للأسئلة اعادة التي طرحها اعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ تبنوا وجهة النظر الاسرائيلية. وقال عضو في الوفد اللبناني ل"الحياة" ان ادارة بوش "خلافاً لمعظم الادارات الاميركية السابقة لم توجه ملاحظات او انتقادات الى السياسة التي تتبعها الحكومة اللبنانية وتحديداً بالنسبة الى العلاقات اللبنانية - السورية، اذ جرت العادة ان يلوم مسؤولون سابقون لبنان لعلاقته الوطيدة بسورية". وأكد عضو الوفد ان مسؤولي الادارة الحالية اكدوا دعمهم الاقتصادي للبنان لشعورهم ان له دوراً فاعلاً في المنطقة يمكنه من الحفاظ عليه. ولأن حجبه عنه سيؤدي الى تقويض الاستقرار ومنعه من الصمود الى حين تحقيق السلام العادل". ورأى "ان واشنطن ارادت من خلال المحادثات مع الحريري تمرير رسائل ايجابية الى سورية بتقديرها دور الرئيس الاسد، وعدم افتعال مشكلة مع سورية، مع الاستعداد للانفتاح عليها، والاستماع الى طروحاتها المتعلقة بتحريك العملية السلمية"، وأضاف: "ان الادارة الاميركية حرصت على اعطاء اشارات اساسية لجهة اصرارها على اداء دورها في اخراج المنطقة من الجمود، لأن بقاءه يؤدي الى توسيع رقعة التوتر". وقال المصدر نفسه ان ادارة بوش "تعتقد ان محادثات كامب ديفيد بين الرئىس الفلسطيني ياسر عرفات ورئىس وزراء اسرائىل السابق ايهود باراك كادت تؤدي الى اتفاق، لولا رفض الزعيم الفلسطيني". وبدا للوفد اللبناني ان مسؤولين اميركيين وضعوا اللوم على عرفات وغمزوا من قناة بعض مساعديه الذين لم يمارسوا دوراً يعطي فرصة لانقاذ المسار الفلسطيني - الاسرائيلي. ونقل العضو في الوفد اللبناني عن مسؤول اميركي "ان رفض عرفات ادى الى تباعد المواقف على نحو يجعل من الصعب الآن التوفيق بين منطقين متشددين لوقف التصعيد العسكري المستمر منذ مدة طويلة". لكن المسؤول الاميركي لم يجد ما يعلنه عندما قيل له ان الامر يعود في الدرجة الاولى الى اصرار اسرائىل على رفض التزامها تطبيق قرارات الشرعية الدولية وهذا ما برز من خلال رغبتها في ابقاء ارض لبنانية محتلة مزارع شبعا وقسم من ارض فلسطين، خلافاً لما نصت عليه ملاحق اتفاق اوسلو، كما فعلت بالنسبة الى قسم من هضبة الجولان". واعتبر العضو في الوفد اللبناني ان واشنطن ابدت تفهماً لما تقدم به الحريري. وهذا ما عكسه وزير خارجيتها كولن باول بتأكيده التزام القرارين 242 و338، مشيراً الى ان "لا نية لدى الادارة الاميركية لافتعال مشكلة ضد احد وانها تسعى الى محاصرة التوتر في الاراضي المحتلة، مبدية في الوقت نفسه عدم ارتياحها الى مواقف رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون، ما يدعو الى الاعتقاد انها تأمل بضغط سياسي لجره الى المفاوضات، اضافة الى رغبتها في تصحيح ما تولد لدى مسؤولين عرب وأجانب كانوا زاروا العاصمة الاميركية انها لا تولي العملية السلمية الاهمية". وبالنسبة الى آلية دعم لبنان اقتصادياً، رأى مصدر في الوفد اللبناني ان ما من احد يتوقع ان يعود الحريري الى بيروت وفي جيبه شيك بالمساعدات، بل ينتظر تمرير واشنطن بما لديها من نفوذ في المنطقة والعالم رسائل الى الدول المعنية بالانخراط في مؤتمر باريس الثاني الذي سيتحدد موعده النهائي فور الانتهاء من التحضيرات الجارية له، ليكون الخطوة الرئىسية على طريق انقاذ لبنان وتصحيح وضعه المالي. وأكد ان الوفد اللبناني لمس استعداداً من واشنطن لتوظيف نفوذها لدى البنك الدولي وعدد من المؤسسات المالية العالمية والدول القادرة، خصوصاً ان هذه المسألة نوقشت في اكثر من اتصال بين بوش والرئىس الفرنسي جاك شيراك. وفي حديث الى صحافيين أميركيين، قال إن زيارته واشنطن حققت اهدافها. وأكد "ان مزارع شبعا أرض لبنانية احتلتها اسرائيل جزئياً بدءاً من العام 1967. ووسعت احتلالها لها تدريجاً حتى العام 1982، وان النقاش الدائر عليها مع الأممالمتحدة، في شأن خضوعها للقرار الرقم 425 او القرار 242، لا يغير من واقع كونها أرضاً تحتلها اسرائيل". ونفى ان تكون الولاياتالمتحدة اشترطت إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب كي تفرج عن مساعدات مباشرة الى لبنان او لتدعمه في المجتمع المالي الدولي. ووصف الحريري "النقاش الدائر على الوجود العسكري السوري في لبنان بأنه موقف صحي يثبت بما لا يقبل الشك ان لبنان بلد ديموقراطي لا ممنوعات فيه، اذ يعبر الجميع عن آرائهم بحرية على شاشات التلفزة وفي الصحف ومن البرلمان". وقال: "اني فعلاً فخور بذلك، وهناك اجماع في البلاد على ضرورة إقامة علاقات قوية ومميزة مع سورية لكن النقاش يدور على وجود الجيش السوري. القلة القليلة تطالب بانسحابه كلياً من لبنان، والبعض يقول بإعادة الانتشار والبعض يتمسك ببقائه كما هو. انه نقاش ديموقراطي، وهو سيؤدي حتماً الى توافق". ورد الحريري على سؤال في شأن اتهام شارون إيران بنصب قواعد صواريخ في الجنوب بالقول: "اسرائيل آخر دولة يحق لها التحدث في هذا الموضوع، هي التي لديها ترسانة أسلحة لا تضاهى". ونقل عضو في الوفد عنه قوله انه لمس اهتماماً كبيراً بسورية وبدعم الاقتصاد اللبناني.