خرج رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ووزير الخارجية السورية فاروق الشرع من اجتماعاتهما مع وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت وكبار المسؤولين الأميركيين في واشنطن أقل تشاؤماً بمستقبل العملية السلمية وإمكان إعادة تحريك المفاوضات على كل المسارات. هذا ما أكدته مصادر في الوفدين اللبناني والسوري ل"الحياة" في نهاية اليوم السياسي العربي الطويل في العاصمة الاميركية، وقالت ان هذا التطور الجديد المخالف للأجواء التي كانت لدى المسؤولين اللبناني والسوري فور وصولهما الى نيويورك لحضور الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، مشيرة الى "ان تراجع موجة التشاؤم ولو في حذر شديد سببه انهما لمسا من المسؤولين في الادارة الاميركية مدى جدّيتهم في الاستعجال في تسجيل اختراق على المسار الفلسطيني يسرع اعادة تحريك المسارين اللبناني والسوري". وتوقعت المصادر "قيام المسؤولين الاميركيين بمحاولة الفرصة الاخيرة لإنقاذ المسار الفلسطيني، من خلال رعايتهم عدداً من اللقاءات العربية الى جانب تكثيف مشاوراتهم المفتوحة مع الفلسطينيين والاسرائيليين". ولفتت الى "ان عودة مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط مارتن انديك والمنسّق الاميركي للمفاوضات دنيس روس الى المنطقة رهن باحتمال حصول تقدم على المسار الفلسطيني ينعش الآمال بمعاودة تحريك المسارين اللبناني والسوري". وتابعت "ان الاميركيين يركّزون على المسار الفلسطيني، لذا يحاولون الآن تذليل العقبات التي تعترض التوصل الى اتفاق شبه نهائي وبالتالي يأملون في تحقيق تقدم ملموس على هامش اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة"، مؤكدة "ان الجانب الاميركي يحتفظ لنفسه بعدم التفاؤل الى حين انجاز ما يشبه الصيغة النهائية لمشروع الاتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين". ولم تستبعد مصادر اوروبية غربية "ان يصرف النظر في الوقت الحاضر عن ايفاد روس الى المنطقة في حال أدّت الجهود الاميركية الى تحقيق تقدم ملموس، وهذا ما تبلغته من مسؤولين فلسطينيين عادوا اخيراً الى اطلاق موجهة من التفاؤل في ختام دورة من المشاورات مع روس، على نقيض الاجواء التي كانوا يعيشونها قبل بدء المحادثات". وذكرت المصادر الاوروبية ل"الحياة" ان الاميركيين "يتحدثون عن حاجتهم الى اسابيع لتحقيق التقدم المطلوب على المسار الفلسطيني، بذريعة ان الرئىس الفلسطيني ياسر عرفات لا يستطيع الانتظار الى ما لا نهاية وأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لم يعد في مقدوره الاستمرار في تعطيل الجهود السلمية". واعتبرت "ان لجوء معظم الاطراف العرب، وعلى رأسهم الجانب المصري، الى اشاعة موجة من التشاؤم من شأنه ان يساعد الادارة الاميركية على ممارسة كل الضغوط على تل أبيب". حتى ان المصادر الاوروبية تتعاطى مع تشاؤم مصر من زاوية انها تترك للرئىس عرفات اتخاذ القرار النهائي حيال التوصل الى اتفاق مع الاسرائيليين، وبالتالي تصرّ على تشاؤمها الوقائي لئلا تتحمل مسؤولية اي تفاهم يمكن ان يلقى معارضة داخل القوى الفلسطينية. وبالنسبة الى المسارين اللبناني والسوري، استناداً الى محادثات الحريري والشرع مع اولبرايت التي اعقبها لقاء ثنائي لبناني - سوري مع انديك عقد ليل اول من امس في مقر الاول في فندق "فور سيزن" في واشنطن قبل ان يعود في وقت لاحق الى نيويورك، قال مصدر في الوفد اللبناني "ان الجانب الاميركي أصرّ على القيام بمحاولة لتحريك المسارين من دون ان يسلط الاضواء على احتمالات النجاح او الفشل". ويبقى المهم ان اولبرايت التي سألت في حضور روس وأنديك عن مدى مقدرة لبنان وسورية على التزام التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل في غضون ثلاثة اشهر، تلقت جواباً مفاده ان ما أعلنه الحريري من منبر الأممالمتحدة في هذا الشأن يتوقف على مدى جدية تل أبيب ورغبتها في العودة الى المفاوضات من النقطة التي انتهت اليها. وسمع الوفدان اللبناني والسوري كلاماً أميركياً صريحاً عن تحريك المسارين، لذلك تتوقع بيروتودمشق عودة روس وانديك الى المنطقة، اضافة الى أن الجانبين لقيا تفهماً أميركياً لموقفهما الداعم لمبدأ التلازم بين المسارين. وفي هذا الصدد قال الرئيس الحريري ل"الحياة" ان تلازم المسارين أصبح حقيقة ثابتة ولم تعد هناك محاولات للتشكيك في موقفنا المشترك، خصوصاً أن اصرارنا على التوصل الى سلام عادل وشامل يلقى الصدى المطلوب، ونحن نشعر الآن أن الأميركيين يحملون اسرائيل مسؤولية تعثر المفاوضات وان كانوا لا يجهرون بها. وقال ان اللقاء اللبناني - السوري مع انديك "شكل خطوة لتأكيد تلازم المسارين، ويفترض أن يؤسس لاعادة تحريك المفاوضات، ولا أظن أن هناك تناقضاً مع الجانب الفلسطيني". وأضاف "ان الأميركيين سألونا عن مدى جديتنا في التوصل الى اتفاق سلام في غضون ثلاثة أشهر وكان جوابنا أننا قد نحتاج الى وقت أطول، وإذا كان من تأخير، فسيعود الى موقف اسرائيل التي يجب أن تحزم أمرها وتقرر الدخول في العملية السلمية للوصول الى سلام شامل بعدما بات الجميع يدرك أن مناوراتها أصبحت مكشوفة لدى الجميع ولم يعد من مبرر لسياسة الهرب الى الأمام التي تعتمدها على كل المسارات". ويبدو أن الحديث عن أجواء حلحلة اتسمت بها المحادثات المتعددة التي أجريت بين واشنطنونيويورك تبقى حذرة ولن تبلغ مرحلة التفاؤل ما لم تبدل تل أبيب من مواقفها. وكان الرئيس الحريري استقبل قبل ظهر أمس في مقر اقامته في نيويورك المنسق الأوروبي لعملية السلام ميغل انخل موراتينوس على أن يغادر اليوم الى باريس ليلتقي غداً الاثنين الرئيس الفرنسي جاك شيراك ومنها الى دمشق، في طريق عودته الى بيروت، للقاء كبار المسؤولين السوريين.