شهد "مؤتمر الأعمال الالكترونية" في دبي مناقشات في بعض محاور الشأن الرقمي من الوجهة الاقتصادية. واعتبرت الدراسة المطوّلة والمعمقة التي قدّمها الكاتب في جريدة "الأهرام" المصرية ثابت أمين عواد، من الأوراق التي لاقت اهتماماً فائقاً وتمثل المادة المنشورة أدناه نموذجاً منها. ثمة أبجديات يجدر تذكرها قبل الشروع في مناقشة التجارة الالكترونية العربية، تتمثل في النقاط الآتية: 1 ان معدل نمو قطاع صناعة الاتصالات والانترنت يشكل أعلى معدلات النمو لكل الانشطة والقطاعات في العالم. وتكمن مشكلة مجتمعاتنا في أن معدلات النمو تلك لا تحدث في بلادنا، بل في الدول المتقدمة. 2 ان الفجوة التقنية، بين مالكي تكنولوجيا المعلومات ومن يفتقرون اليها وكذلك بين الدول المتقدمة والدول النامية تتزايد يومياً وفي اطراد. 3 اذا عجزنا عن تجاوز مرحلة كاملة من التنمية، وعبر التقنيات الحديثة، فان مصيرنا التهميش. 4 مشكلتنا الحقيقية ليست في الحصول على التكنولوجيا بمقدار ما تتجسد في صعوبة استخدام هذه التكنولوجيا وتوظيفها في شكل مناسب. اذا كان الحديث عن الخيار الرقمي او الاتجاه الالكتروني يفرض اعادة الصوغ لنمط الحياة ولمفردات اليوم والغد، فقد فرضت الالكترونيات الكثير من المعطيات الجديدة. فالاقتصاد المعتمد على الانترنت لا يمكن اجتراحه من العدم او فرضه او شراؤه بل يجب ان تترك له الفرصة لينمو بنفسه. ويقتضي الأمر توفير المقومات الرئيسية من بنى تحتية وقوانين، وهذا هو بالضبط ما حدث في أوروبا وأذهل العالم. ومن المتوقع ان يصل معدل النمو السنوي لاقتصاديات الانترنت في أوروبا الى 87 في المئة، حتى العام 2004، اي انه سيتضاعف سنوياً. وتشكل اقتصاديات الانترنت في بعض البلدان من 6 الى 9 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. وعلى رغم الانهيار المدوي لشركات "دوت كوم" إلا ان الاقتصاد المعتمد على الانترنت بقي اكبر ظاهرة اقتصادية مفردة عرفها التاريخ. ولا تشكل شركات "دوت كوم" سوى جزء بسيط من القيمة الاجمالية للأعمال الالكترونية. التجارة الالكترونية العربية: محاولات متناثرة! يبلغ نصيب الدول العربية من حجم التجارة على الانترنت 0.08 في المئة وهو رقم متواضع. كيف نتجاوزه، وكيف يمكننا اللحاق بالعصر الرقمي وتجارته الالكترونية؟ تبدأ الإجابة من تهيئة البنى التحتية اللازمة للاتصالات وتيسير الدخول الى شبكة الانترنت وايجاد الخطوط الهاتفية بأسعار مناسبة وتطوير القوانين والتشريعات التي تهدف الى تسهيل نقل المعلومات والبضائع والاستثمار، في كل اشكاله. ويجدر الاهتمام بمراحل التعليم المبكرة لايجاد ثقافة المعلوماتية والتمكن من ادواتها في سهولة لإيجاد المجتمع المتفهم للمتطلبات العالمية. فالاقتصاد العربي، وهو جزء مهم من الاقتصاد العالمي لأنه يمثل 31 في المئة من حجمه، لا بديل له من الانتقال من مرحلة الاقتصاد التقليدي الى الاقتصاد الرقمي. وعلينا ان نلقي نظرة شاملة وفاحصة على الاقتصاد الشبكي الرقمي العالمي والتجارة الالكترونية لنتعرف الى موقعنا كدول عربية والى المساحة التي نحتلها على موقع الخريطة الاقتصادية الرقمية والتي تتشكل وتنمو، فيما نحن بعيدون منها كعادتنا وغائبون أو مغيّبون عن دائرة صنع الأحداث. وتشير الدراسات الاقتصادية الى ان التجارة الالكترونية بدأت في أوروبا وأميركا منذ العام 1981. وأوشكت القارة العجوز الآن استكمال شبكتها الالكترونية الأوروبية الموحدة التي ستنتهي منها سنة 2003، لكي تغزو العالم بها اقتصادياً لتصبح نداً خطيراً لشبكة المعلومات الاقتصادية الرقمية الأميركية. وتخطط أوروبا لتصل حجم تجارتها الالكترونية الى 220 بليون دولار سنة 2003، أي ما يعادل 42 في المئة من حجم التجارة الالكترونية العالمية والتي تبلغ الآن 96 بليون دولار. ويتوقع لها ان تصل الى 650 بليون دولار سنة 2003. ويشير خبراء في دوائر التقنيات المتطورة الى ان موقع التجارة الالكترونية العربية خال تماماً الا من محاولات فردية معدودة في القطاع الخاص ومحاولات حكومية متفرقة وغالبيتها تعاملات مصرفية ومالية للبورصة، وهي عموماً عمليات عشوائية. ولم يتم تصنيف اي دول عربية أو ادراجها في الترتيب الدولي العالمي للتجارة الالكترونية. ويرجع غياب الاقتصاد العربي عن الساحة الالكترونية الى عدم امتلاك العرب الحد الأدنى من تكنولوجيا التجارة الالكترونية، وفي مقدمها غياب شبكة المعلومات الاقتصادية العربية الموحدة. ومرد ذلك الى القيود العربية المفروضة على حرية تبادل المعلومات الاقتصادية بين الدول العربية وعدم شفافيتها إن وجدت. ويجدر بالدول العربية ان تسارع الى الخروج من الاقتصاد النمطي وآلياته التقليدية الى الاقتصاد الشبكي الرقمي وآلياته الالكترونية، من خلال بناء شبكة معلومات رقمية عربية موحدة. وكذلك توفير النمط التشريعي المناسب ووضع الأطر القانونية العربية الموحدة لحماية التجارة الالكترونية من القرصنة العالمية، وأيضاً بناء شبكة اتصالات رقمية حديثة لتأمين سرعة النفاذ الى الأسواق العالمية والتفاعل معها. ولكي تنجح الاقتصاديات العربية في الانتقال من مرحلة التعاملات الاقتصادية الورقية والنمطية الى مرحلة التعاملات الاقتصادية الرقمية والالكترونية، عليها ان تبادر بخطوات مدروسة لتعويض الفارق الزمني بين بدايتها وبدايات الآخرين. فالتجارة الالكترونية ليست فقط استخدام الانترنت في البيع والشراء، وانما هي تغطية اي شكل من اشكال المعاملات التي يمكن تنفيذها الكترونياً، سواء كانت هذه المعاملات سلعية كالبيع والشراء للسلع المادية أو كانت تبادل افكار ونتائج ابحاث ونقل تكنولوجيا او خدمات مثل المعاملات الحكومية والمصرفية. وعلى رغم حاجة دول الخليج العربي الى مهارات تطبيق التجارة الالكترونية، تبقى المشكلة في طريقة تلبية هذه الحاجة. ويشكل توفير الانترنت في سهولة للناس وتحسين اداء الخدمات بين الشركات على الشبكة العالمية عنصراً مهماً في تعزيز مهارات الانترنت. وتشكل دعوة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير دفاع الامارات كبار المسؤولين وحفزهم على وضع الخدمات العامة على الانترنت خلال مدة محددة، خطوة جادة في هذا الاتجاه. وتهتم الامارة بإنشاء مدينة دبي للانترنت وهي منطقة تجارة حرة للتجارة الالكترونية بقيمة 272 مليون دولار. والخطوة جزء من خطة لجعل دبي مركزاً اقليمياً للتقنية المعلوماتية. * كاتب مصري.