"جرأة التغيير، وصدمة التغيير"... كان هذا أول تعليق لأحد زعماء المعارضة اليمنية على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عبدالقادر باجمال، وهو يشير الى ان نسبة التغيير تجاوزت 70 في المئة وهو لم يكن متوقعاً إذ حمل التغيير أكثر من مفاجأة وأكثر من بعد سواءً على الصعيد السياسي أو الاجتماعي والجغرافي وأخل بتوازنات وحسابات ظلت قائمة وغلبت على تشكيل حكومات سابقة بما فيها حكومات الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام منذ عام 1997م. غير ان المتغير الذي طرأ على حكومة المؤتمر هذه المرة ساهم في خلط أوراق مراكز النفوذ السياسي والاجتماعي والجغرافي داخل الحزب الحاكم وعكس الى حدٍ كبير تطوراً داخل المؤسسة الرئاسية في استيعاب اهمية التغيير والتحديث على رأس مفاصل الدولة متمثلاً في حكومة استقطبت نحو 60 في المئة من الوجوه الشابة والجديدة وغالبية ساحقة من الوزراء من خارج النخبة الحاكمة السياسية والاجتماعية التي كان تأثيرها غير ملحوظ في حكومات سابقة. وهذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها وزراء من كوادر الوزارات، كذلك تدخل امرأة للمرة الأولى في الحكومة وهو ما يعكس تحولات مهمة في تفكير صاحب القرار. ويذكر ان من الأسباب التي كانت وراء استقالة الدكتور فرج بن غانم من رئاسة الحكومة في نيسان ابريل عام 1998 هي نزوعه للتغيير في اهم مفاصل حكومته آنذاك لتحقيق نتائج مطلوبة في برنامج الاصلاحات الشاملة على حساب التوازنات السياسية والاجتماعية والجغرافية التي كانت سائدة في توزيع معظم المناصب الوزارية والتنفيذية داخل مؤسسات الدولة. وللمرة الأولى يعكس التشكيل الحكومي ارتياحاً عاماً بين أوساط الناس ورد فعل هادئ من قبل أحزاب المعارضة التي وجهت تهم العجز للحكومات السابقة معتبرة سياسة حكومة المؤتمر الشعبي فاشلة وسبباً في تفشي الفقر والفساد والاختلالات الامنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويرى المراقبون ان تسلم شخصيات جديدة وشابة لمعظم حقائب الوزارات السيادية وذات الطابع الاقتصادي المهم كان ثمناً مناسباً في مقابل الحد من نفوذ النخبة وسيطرة المخضرمين واثبات نيات حقيقية باتجاه التغيير من خلال رأس الهرم الوزاري واحتمال تطبيقها في خطوات لاحقة على بقية مؤسسات الدولة، كما انها معادلة مقبولة في مقابل كبح جماح الطامحين القريبين من الرئيس علي عبدالله صالح من أقرباء وحلفاء وخصوصاً بين صفوف الشباب الذين تمكنوا من الحصول على قسط من التعليم والتجربة العملية غير انهم بحاجة الى الخبرة. وعلى رغم ان تمثيل المحافظات اليمنية غلب على اختيار تشكيلة حكومة باجمال الا ان هذا الخيار كان حتمياً على ما يبدو في مقابل الحد من نفوذ ما كان يعرف بجماعة الرئيس السابق علي ناصر محمد الذين نزحوا من الجنوب عام 1986 في أعقاب الحرب الدامية بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني المعروفة بأحداث 13 كانون الثاني يناير الى الشمال وأصبحوا لاحقاً ورقة بيد الرئيس صالح للضغط على الحزب الاشتراكي خلال سنوات ما بعد الوحدة منتصف عام 1990 والحرب الانفصالية عام 1994 التي قادها آنذاك الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي علي سالم البيض. وأدى اقصاء اللواء حسين محمد عرب من وزارة الداخلية الى الحد من نفوذ نائب الرئيس السابق علي ناصر محمد وتقليص نفوذ محافظة ابين والحد من سيطرة ابنائها على مراكز ومواقع مهمة في الأجهزة الأمنية. بينها كان اقصاء العميد أحمد مساعد حسين في وزارة الثروة السمكية خطوة أخرى في هذا الاتجاه بالإضافة الى ازاحة محمد البطاني من وزارة التأمينات وتعيينه وزيراً للتعليم الفني والتدريب المهني في مقابل اشراك وزراء جدد يمثلون المحافظات الجنوبية في عدد من الوزارات ليسوا محسوبين على جماعة علي ناصر محمد أو نائب الرئيس الفريق عبد ربه منصور هادي. لا يثير هذا التغيير خلافات بين النخبة الحاكمة على اختلاف مصالحها واتجاهاتها لأنه جاء ضمن تغيير شامل ازاح غالبية الوزراء المحسوبين على الرئيس صالح في الحكومة السابقة وفي مقدمهم عبدالرحمن الأكوع وهو صهر الرئيس وأحد أبناء منطقته من وزارة الإعلام ليتولى حقيبة الشباب والرياضة واقصاء وزراء النفط والصحة والنقل والدفاع ليتولاها وزراء جدد يمثلون محافظاتحضرموت وشبوه ولحج وفق حسابات دقيقة، وفي ضوء مشاورات جرت على اضيق حدود بين الرئيس صالح ورئيس الوزراء المكلف باجمال ونائب الرئيس الفريق هادي وبمشاركة محدودة لعبدالعزيز عبدالغني رئيس المجلس الاستشاري وعبدالكريم الأرياني الذي عينه الرئيس صالح مستشاراً سياسياً الى منصبه كأمين عام للحزب الحاكم. ويذكر ان الشيخ عبدالله الأحمر، رئيس مجلس النواب والشخصية الاجتماعية والقبلية والسياسية المرموقة، كان خارج دائرة المشاورات الحاسمة والنهائية. وثمة مأخذ لدى أحزاب المعارضة وبعض الأوساط السياسية والاجتماعية يتمثل في بروز التمثيل المناطقي للمحافظات على تشكيلة الحكومة الجديدة من منطلق محاذير تبدو منطقية وأهمها ان يتحول التمثيل الجغرافي مكرساً في اختيار الحكومات المقبلة. وعلى حساب الكفاءات والتخصصات المؤهلة لتولي المنصب الوزاري. غير ان تأكيدات القريبين من رئاسة الجمهورية بأن التمثيل الجغرافي في الحكومة مجرد اجراء مرحلي حد كثيراً من المخاوف التقليدية. المهم ان تحقق حكومة باجمال النجاح المطلوب وان تضع في أولوياتها تنفيذ برنامج الاصلاحات الشامل الذي يحسن الأحوال المعيشية للمواطن اليمني ويحد من الاختلالات الأمنية، والاقتصادية، والقضائية، ويساهم في بناء دولة المؤسسات والقانون والسلم الاجتماعي.