عكست الاتصالات والنقاشات التي سبقت ولادة بيان وزير الخارجية الاميركي كولن باول، اول من امس، تخبطاً داخل الادارة الاميركية حول كيفية التعاطي مع ملف الصراع العربي - الاسرائيلي مع أخذها في الاعتبار الملفات الاخرى في المنطقة، خصوصاً مع ما يتعلق بالنفط والمحاولات الاميركية لاعادة احياء العقوبات على العراق وحشد تأييد عربي لها. وتواجه الادارة الحالية صعوبة كبيرة بالتوفيق بين مساعيها لدى الدول العربية، لا سيما سورية، لاقناعها بقبول المنطق الجديد للعقوبات على العراق كما تبناه باول، وبين مواقفها من ممارسات اسرائيل خصوصاً بعد ضرب اهداف سورية في لبنان، علماً بأن ادارة بوش تضع في حسابها ايضاً ضرورة مساعدة الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة على تهدئة رأيها العام الغاضب على التصرفات الاسرائيلية، بل ان هذه الادارة تطمح فوق ذلك الى استيعاب شارون حتى لا يخرج عن نطاق السيطرة. وادراكاً لهذه التحديات جاء بيان باول الذي حظي بموافقة البيت الابيض، وتضمن مجموعة مواقف لا جديد فيها، على رغم الانتقادات الاسرائيلية، إلا انها سعت الى تجنب رد فعل عربي غاضب. وكال باول الاتهامات حزب الله والفلسطينيين بافتعال الاحداث التي ادت الى قيام اسرائيل بالعودة الى اجزاء من غزة، ملوحاً باتهامات الارهاب الذي تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية نبذه بعد اتفاقات اوسلو. اما الموقف من اسرائيل فلم يكن جديداً، لأن واشنطن انتقدت دائماً ردود الفعل غير المتناسبة والافراط في استخدام القوة، لكنه برّأ اسرائيل من مسؤولية اندلاع العنف. ومع ان جوهر الموقف الاميركي لم يتغير بالنسبة الى اسرائيل إلا ان الديبلوماسية الاسرائيلية شنت حملة وقائية لتحول دون صدور انتقاد لاسرائيل في المستقبل. وقالت مصادر مطلعة ان اسرائيل وعدت واشنطن، قبل صدور بيان باول، بأنها ستنسحب من المناطق التي اعادت احتلالها في غزة، وتمنت ألا يشير البيان الى مهلة زمنية محددة للانسحاب لئلا تفسر كأنها انذار. ويقال ان مسودة البيان تحدثت عن مهلة 24 ساعة. لكن مجرد طلب الانسحاب احرج حكومة شارون لأنه أفهمها ان ثمة حدوداً لا تقبل واشنطن تخطيها، وانها بالتالي لا تقبل اعادة احتلال اراض سلّمت الى السلطة الفلسطينية. ومع تسارع الاحداث في الشرق الاوسط، بدأت الادارة الجديدة تعترف بعدم قدرتها على اخذ وقتها في تقرير سياستها في المنطقة وبأنها بدأت تنجرف بسير الاحداث. وأكدت مصادر عدة ان الادارة تفكر جدياً في ان تعود فتخصص مبعوثاً للمنطقة يتابع ملف الشرق الاوسط تحت سقف وزارة الخارجية وقسم الشرق الاوسط فيها. وما زالت الادارة الحالية تعاني من عقدة ادارة كلينتون، فهي تريد ان تتابع التدخل في عملية السلام بشكل لا يظهر على انه مماثل لاسلوب كلينتون. وفي هذا الاطار يتم تداول اسم ادوارد جيردجيان ليعود الى الخارجية الاميركية ويتابع ملف السلام، او ان يقوم المسؤول عن التخطيط السياسي في الخارجية الاميركية ريتشارد هاس بهذه المهمة. لكن الحديث عن تدخل الرئيس بوش شخصياً والمشاركة في التفاوض واعطاء الافكار فلا يزال خارج البحث. وحتى اشعار آخر فإن الادارة تفضل ان تأتي المبادرة من الاطراف في المنطقة.