تكشف الضربة الاسرائيلية للرادار السوري في لبنان حجم الورقة البيضاء التي وهبها الرئيس جورج بوش لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، وأن الغطاء الاميركي المتشدد لعصبة المتطرفين لا يقف عند حد، ولو اقتضى الأمر مساندة زعيم العصبة في خوض مواجهة شاملة في المنطقة. الضربة نفذها سلاح الطيران الاسرائيلي، لكن واشنطن تولت ترجمة "الرسالة" على لسان سفيرها في بيروت الذي لم يتوان عن توجيه تهديد مبطن الى لبنان وسورية، ثم واصل زعيم ليكود سياسة تدمير مناطق السلطة الفلسطينية بأقصى الضربات... وهذه ضمن تكتيك يستنسخ اجتياح عام 1982. "قواعد اللعبة تغيرت"، وبعدما كانت اسرائيلية - اميركية باتت اسرائيلية - يهودية بالكامل، ولعل رسالة "الاعتذار" التي قدمها جيش شارون عن انسحاب باراك من جنوبلبنان تكفي للايحاء بأن تحالف المتطرفين وغلاة التعصب اليهودي في "حكومة الوحدة الوطنية" جاهز لصيف ساخن، وبأنه لن يبقى أسير "لعبة حزب الله" والخوف من دخول معركة على ثلاث جبهات في آن: سورية ولبنانية وفلسطينية... ولو اقتضى ذلك اشعال بارود المنطقة. ضربة الرادار وما سبقتها وحلقة التهديدات، مجموعة رسائل عند حافة الهاوية، كلها تنذر بعاصفة سوداء يتحمل الطاقم الحاكم في البيت الأبيض مسؤوليتها، لأن طيشه وحده هو الذي يوحي لشارون بأن يده طليقة في كل الاتجاهات: قضم السلطة الفلسطينية بسياسة الأرض المحروقة لمئة يوم، وبعدها لا مانع لدى بوش من التفرج على غزو الضفة الغربية وغزة. "إنذار أخير" اسرائيلي لدمشق بأن وقت لعبة المسارات التي مارسها باراك انتهى، وتهديد للبنان باستغلال الانقسام الاسلامي - المسيحي على الوجود العسكري السوري في أراضيه، ويجعلها مسرحاً لحرب مع سورية تدمر كل ما بني منذ نهاية حربه الأهلية. أما "قائمة الأثمان" التي أعدها جيش شارون لدمشق فتقرأ في التفسير العبري لمعطيات غلّفت قرار ضرب الرادار، وليس أقلها اختبار المدى الذي يمكن ان يذهب اليه العهد الجديد في سورية، في رد الصاع: مجرد تكتيك كلاسيكي عبر تحريك "حزب الله" رجاله في الجنوباللبناني، أم إحياء تحالف سوري - لبناني - فلسطيني عبر هذه البوابة، وفي العمق الاسرائيلي من خلال تشجيع فصائل كانت السلطة الفلسطينية زجت بعناصرها في السجون؟ ويُستشف من التفسير العبري تساؤل آخر عن مقدرة الوجود السوري في لبنان على تحمل مسلسل ضربات مشابهة للقصف على ضهر البيدر، فيما لا يجهل احد في المنطقة ان التحذير الأقوى الذي أراده زعيم ليكود هو ابلاغ الجميع بسقوط كل الخطوط الحمر. فمن كان يتخيل قبل سنة فقط ان عرفات الذي استقبل استقبال الرؤساء في البيت الأبيض بات مطارداً بالصواريخ الاسرائيلية، تهز مقراته وتصفي حراسه لتفتيت سلطته؟ ومن يشك في امكان تردد زعيم حاخامات ليكود، المهووسين بجنون التعصب، أمام احتمال توسيع "الضربات المؤلمة" الى عمق الأراضي السورية؟ واضح ان دمشق لا تسقط من حساباتها أي خيار اسرائيلي، وان كان يصعب التكهن بطبيعة الرد ومكانه الذي لوّحت به بعد ضربة الرادار، اذا استثنيت عمليات "حزب الله". وكلمة "كفى" بالعبري ايضاً تعني إصراراً على وقف هذه العمليات والسعي الى مقايضة مطالبة شارون بنشر الجيش اللبناني على الحدود، بعدم المس بمواقع الجيش السوري في لبنان... بالتالي تلازم "الخط الأزرق" جنوباً والخطوط الحمر شمالاً. أما الحرب على الفلسطينيين والمجازر التي ترتكب بذريعة التصدي ل"العنف" فمسألة أخرى، فيما شارون نائم على حرير الطيش الاميركي، مطمئن الى ان ادارة الرئيس جورج بوش شارونية الفلسفة، تجهل ادارة شؤون العالم بغير العصا... وان حمم البركان اكثر جنوناً من "حكومة الوحدة" الاسرائيلية ومجانينها.