"دم البراءة" هو عنوان أحدث رواية للكاتب ابراهيم الناصر الحميدان... وقبل الدخول في عالم هذه الرواية علينا ان نضع تجربة الحميدان ضمن اطارها الزمني إذ هو ينتمي الى الرعيل الثاني للرواية السعودية بعد مجموعة من الأسماء الروائية التي تعاملت مع الفن الروائي من خلال الحكاية بعيداً من أجوائها الفنية في معظم الأحيان. يمثل الحميدان أبرز الأسماء في الجيل الثاني ومن خلاله حققت الرواية السعودية خطوة مهمة تمثلت في الابقاء على الحكاية كحكاية تقليدية وكان الهدف منها التسلية في المقام الأول مع تغييب الواقع المعيشي في أحيان كثيرة. تبدأ روية "دم البراءة" بأجواء أسطورية من خلال ذلك القصر الذي يقف في الجزء الشرقي من القرية والمكون من طبقتين. هذا القصر هو أحد مخلفات الأتراك وقد اسبغت عليه مقولات من التهويل والفزع حتى ان الناس يوصون بعضهم بعضاً بالابتعاد عنه. هذه البداية التي اتخذها الروائي كوسيلة لجذب القارئ اقترنت بالدخول في لعبة أخرى، لعبة الغريب أبو سمير الذي يحل في القرية حاملاً صفات جسدية مغايرة. فهو الجسيم المشرّب بالحمرة يتحدث اللغة الانكليزية وله زوجة رائعة الجمال، وقد ورّثته ابنتها بينما يظل سمير الابن هامشياً مقارنة مع أفراد الأسرة. وفي محاولة لنسج قماشة غرائبية للرواية يلجأ الروائي الى تدشين جملة من الحوادث عن البيت الذي يقطنه هذا الغريب أبو سمير حيث يتحول الطابق العلوي الى جناح يُحظّر الاقتراب منه لأن حكايات الناس تروي انه مسكن للجن... هذه القماشة أو الأرضية سرعان ما يستغلها الراوي لإدخال الفتاة هبة في أحداث تُسبك جيداً. فهبة تصبح مسلوبة أمام كائن غريب يأتيها في المساء فتنقاد له ويتركها جثة هامدة تنشط بعدها وتتحول الى فراشة دائمة الحبور... ولتكثيف الجو الأسطوري عمد الراوي الى خلق "موتيفات" معروفة لخلق الايهام بهذا الجو المرعب والمدهش. وأبو سمير شخصية غريبة. ويناقش المؤلف حكايات عنه كونه أحد سجناء الآستانة. وهناك يتعرف الى رجل كاره للأتراك كان يقوم باستدراج الجنود ويسلبهم أسلحتهم واموالهم ليحاكموا بعد ذلك بالخيانة، وبعد مرور بعض الوقت يكشف سره فيحاكم ويسجن لكنه يهرب من السجن ويقول الناس ان الجن هم من قاموا بتهريبه... ثم يقوم الروائي بنسج حكايات اخرى لفئات أخرى تتمثل في شخصيات أم مصعب وابنتها موضى، ومصعب وزوجته، والجار سلطين، وكيف تتم علاقة غير شرعية بين سلطين وموضى من خلال ايحاءات متكررة يسعى المؤلف الى ترسيخها في ذهنية المتلقي، خالقاً فرصة اللقاء بين موضى وسلطين على سطح البيت حيث يقوم سلطين بتربية الحمام وتقوم موضى بنشر الغسيل. ومن هنا تبدأ العلاقة التي تتنامى وتصل الى مسامع مصعب من خلال زوجته التي تخبره عن سر بقعة الدم التي رأتها على موضى ليصاب بحال فزغ ويتحرك لغسل العار، مصطحباً معه المغسلة لكي تغسل القتيلة. ويقوم بإطلاق النار على اخته موضى، ويتضح من خلال المغسلة ان موضى لا تزال عذراء وان بقعة الدم كانت نتيجة جرح أصاب موضى. وتبدأ لعبة جديدة داخل الرواية. فتأخذ موضى في الظهور من خلال مواقع مختلفة تحمل مصعب على البحث عنها والتأكد من موتها فيجدها في بئر. ومن شدة ارتباكه يقع داخل البئر ويصطدم بصخرة تفض هامته ويلمح اخته تغطيه وهي تسخر منه. وعندما يفيق يجد ان افعى تجاوره، فيظل داخل البئر محتفظاً ببندقيته لكي يطلق النار عليها، بينما تظهر موضى لزوجة مصعب مهددة اياها بأنها ستقتل اخاها مصعب. فتتوعدها زوجته بالاقتصاص منها ان هي فعلت. وعقب بضعة أحداث يعود مصعب فاقداً العقل ويتضح ان موضى لم تمت بل هي تلتقي بسلطين مرة أخرى. ويحدث التقارب موضحاً ان دم البراءة يقود الى التلاحم وان الظنون هي التي تعكر حياتنا... ومهما كانت الرسالة التي يودّ الروائي ان يقدمها من خلال عمله، تظل البنية الفنية على قدر من الأهمية. ولعلّ اختلاط الأحداث يربك العمل ويشتت الذهن لوجود شخوص تعمل على تآكل العمل ويأتي اللعب السردي المكشوف عاملاً مساعداً على تسطيح السرد وادخاله في العادي والمكرر. ومن أهم العثرات التي تواجه دم "البراءة" البحث عن الغرائبية كهدف سعى اليه الروائي منذ وقت مبكر من غير ان يستحدث أجواء مدهشة تتوافق مع غرائبية تلك الأحداث. واللعبة التي زهد منها الأدب الحديث كانت عثرة أخرى عطلت جريان الرواية بصورة عفوية ومقبولة. وتتمثل في ايهام زوجة مصعب بأن موضى فقدت عذريتها لتنهض عليها الرواية في بقية أحداثها المفصلية. وقد انتصر الروائي للتفكير الاجتماعي السهل في مثل تلك الحوادث ليعتسف مجرى الرواية ويخرج بها من واقعية السرد الى استرضاء القارئ، ان ما حدث كان نتاج سوء الظن. ومنها تنفجر الرواية محدثة تفككاً في البنية الأساسية وتدخل بها الى فضاء نصي مفتعل يثقل باكتشاف ذلك الخطأ وبداية احداث ظن الراوي. انها ستخدم الرواية، فإذا بها تغتالها من حيث لا يعلم... فعودة موضى واقترابها من سلطين وجنون مصعب تذكر بالأفلام العربية التي ازدهرت في الستينات، حيث يعود البطل ويتزوج من محبوبته فتذهب الحبكة الى الجحيم ما دام الهدف استرضاء القارىء. تتكئ الرواية على احداث كان في الإمكان ان تقود الى جو مدهش حلم به الروائي. لكن العثرات أوقعت الرواية في التخثر من دون جريان الأحداث وامتزاجها في شكل عفوي وقادها الى الجهة التي لم يرغب فيها المؤلف. ويسجل للروائي دأبه على خلق أجواء الرواية في اماكن ضيقة يستعصي على الراوي التحرك من خلالها وكشف تشابك العلاقات الاجتماعية وتأثرها بالجوانب الحياتية.