الطقس متقلب، والأفلام المعروضة درجة ثالثة، والامتحانات على الأبواب، وكيلو البطارخ ب360 جنيهاً، والفسيخ ب35 جنيهاً. عاد شم النسيم، عيد كل المصريين، الذي لم يبق مجرد نزهة خلوية على ضفاف النيل، ووجبة أسماك مملحة من فسيخ ورنجة وسردين. أضحى شمّ النسيم مناسبة لاطالة عطلة نهاية الأسبوع وللسفر الى المنتجعات الصيفية والشتوية، وطرح الأفلام الرديئة التي لا تصلح لأي من الموسمين، اضافةً الى حشد أعداد هائلة من المطربين لإحياء حفلات نهارية في الملاهي الترفيهية لذوي الدخل المحدود، وأخرى مسائية في الملاهي الليلية لذوي الدخل غير المحدود. ومع اتساع مساحة ال"ويك اند" الذي يسبق يوم الاثنين وهو عيد شم النسيم، تشهد القاهرة منذ الأربعاء ازدحاماً وتكدسات مألوفة، صنفت حديثاً تحت بند "زحمة العيد". البعض ينزحون ليشموا النسيم في قراهم ومدنهم الأصلية، وآخرون يسافرن للاستمتاع ببحر الاسكندرية أو بشمس الاسماعيلية، أما المعيّدون من الأقباط فيتبضعون ملابس وأطعمة للاحتفال بعيد الفصح. وشأن شمّ النسيم شأن ظواهر الحياة الأخرى في مصر، تغيرت وتطورت مظاهر الاحتفال به وهو العيد الفرعوني الذي يعد بمثابة الإعلان المصري لفصل الربيع، ونقطه التحول في البيوت المصرية من الملابس الشتوية الى الصيفية. الطبقات الكادحة ما زالت هي الأكثر تمسكاً بمظاهر الاحتفال القديمة. رحلة نيلية على متن "فلوكة" أو باخرة تتوجه الى منطقة حدائق القناطر الخيرية، أو الذهاب براً الى حلوان، وخصوصاً الحديقة اليابانية أو حدائق حلوان وهي المناطق العامة المرتبطة في أذهان العامة باللون الأخضر. وأولئك الآلاف الراغبون في شم النسيم يصطحبون معهم آلاف الأطنان من الأسماك المملحة والبصل الأخضر هرباً من الفسيخ الفاسد. والأسماك المملحة أنواع ودرجات. والبداية من ثمانية جنيهات لكيلو الرنجة، وتتدرج الأسعار لتصل الى 35 جنيهاً ثمناً لكيلو الفسيخ، وتنتهي عند 360 جنيهاً ثمناً لكيلو البطارخ. وان كان شم النسيم هو موسم الأسماك المملحة، فهو أيضاً موسم التسمم منها. وقد بدأ الأخير بداية مبكرة قبل أيام حين أصيب 42 شخصاً بالتسسم بعد وجبة فسيخ فاسدة في أحد مراكز دمنهور وهي اصابات لا يخلو أي شم نسيم منها. التوجه في أثناء النهار يكون لحضور احدى الحفلات المفتوحة التي تقام في الملاهي الكثيرة المنتشرة في الأرجاء، او مشاهدة فيلم سينمائي. وفي هذا العام، تشبعت دور السينما بعدد من الأفلام التي غالباً ما تعييها السبل لتعرض ضمن أفلام موسم الصيف المحققة أعلى الإيرادات. ومن الأفلام الجديدة المتاحة أمام جمهور شم النسيم "يمين طلاق" وهذا اسم الفيلم بطولة فيفي عبده، و"لو كان ده حلم" وهذا اسم الفيلم أيضاً لمجموعة من الممثلين والممثلات المغمورين والمغمورات. أما الطبقات الأخرى من ذوي الدخل الكبيرة والمتشبهين بهم، فيسارعون في شم النسيم الى شققهم وشاليهاتهم وقصورهم المتناثرة على السواحل المصرية، من البحرين المتوسط والأحمر وسواهما مثل البحيرات المرة. وقد انتشر، بين هذه الفئات، وعي صحي متزايد بمضار الأسماك المملحة، من ارتفاع ضغط الدم، ومشكلات الكلى، اضافة الى السعرات الحرارية المختزنة في تلك الأسماك التي تتحول الى دهون وشحوم لا تتزحزح. وهو ما يتناقض مع الميل الى القدود الرشيقة والصحة والعافية. وعرفت الأسماك العادية - أي غير المملحة - طريقها الى موائد كثيرة مع تضاؤل الوجود الفسيخي. الا ان القاسم المشترك للمصريين جميعاً في شم النسيم هو جرعة الموسيقى التلفزيونية الليلية، والتي كانت في سنوات مضت تحمل اسم "حفلة الربيع" ومن فريد الأطرش الى عبدالحليم حافظ، وحالياً حفلة "ليالي التلفزيون" التي تحشد كماً هائلاً من المطربين والمطربات، ويسهر الكثيرون امام شاشة التلفزيون احتراماً للتقاليد، وربما ترحماً على زمن العظماء السابقين. ويُمنع من السهر الطلاب والطالبات، ولا سيما الذين في مرحلة الثانوية العامة حفاظاً على وقتهم الثمين في مثل تلك الأيام العصيبة التي تسبق امتحانات نهاية العام الدراسي، وهي من شأنها ان تحدد مصير الطالب بين كلية الحقوق التي لا مستقبل مهنياً واضحاً لها، أو كلية الطب التي لا مستقبل مهنياً واضحاً لها أيضاً. وربما تُبذل جهود غير معلومة المصادر لوضع الأمور في حجمها الحقيقي أمام رجال ونساء المستقبل، إذ ورد سؤال عن امتحان الشهر في اللغة الفرنسية لطلاب الصف الأول الثانوي عن حياة المطرب شعبان عبدالرحيم الذي هجر مهنة "المكوجي" الى عالم الطرب والفن. وهو الذي طرح نحو عشرة أشرطة في الأسواق، وضم اليها مع عيد شم النسيم هذا العام شريطاً يحمل اغنية جديدة عنوانها "باحب الحمار" وفيها يعدد مزايا الحمار من صبر وقوة احتمال وغيرهما. وينطلق صوت فريد الأطرش من المذياع شادياً "آدي الربيع عاد من تاني" ويعقبه المذيع مؤكداً ان الطقس في شم النسيم متقلب.