القاهرة - "الحياة" - تتردد في مختلف البلاد العربية على ألسنة عامة الناس وفي كتاباتهم ألفاظ، تبدو للوهلة الأولى منقطعة الصلة باللغة الفصحى، لكن إمعان النظر فيها غالباً ما يثبت عكس ذلك. وفي بحث أنجزه اخيراً، ولم ينشر بعد، نجح ثروت عبدالسميع محمد، المحرر في مجمع اللغة العربية في القاهرة، في أن يردّ عدداً من الألفاظ الدارجة الى أصول فصيحة. ومن ذلك فعل "وَشْوشَ" والذي يصف فعل شخص يضع فاه على مقربة من أذن شخص آخر ليكلمه كلاماً لا يريد أن يسمعه غيره. ويشير محمد الى ما ورد في "لسان العرب": "وشْوش الرجُلَ، أي كلّمه كلاماً خفياً"، ويورد بعض أمثلة تدل على جواز تبادل السين والشين في بعض أبنية العربية المختلفة ليخلص الى أن استعمال اللغة الدارجة كان صحيحاً حين جرى إبدال السين شيناً في قولهم وشْوش بدلاً من وسْوس بمعنى: كلمه كلاماً خفياً. أما لفظ أو مصطلح "التغريب" والذي لم يرد في أي من معاجم اللغة العربية، قديماً أو حديثاً، للدلالة على طمس الهوية، وفرض ثقافة الآخر بأساليب مختلفة، فإن هناك مما ورد من استخدامات لمادة غَ رَ بَ في تلك المعاجم ما يدعم تلك الدلالة. ويوضح ثروت عبدالسميع محمد أن مشتقات مادة غ ر ب استخدمت للتعبير عن الأفكار الوافدة. ففي "لسان العرب": "هل جاءتك مغرِّبة خبرٍ"، يعني الخبر الذي يطرأ عليك من بلد سوى بلدك. ووردت الصيغة نفسها بمعنى النفي والإبعاد الحسي. ففي "اللسان" و"التاج". غرَّبَهُ = نحّاهُ. والتغريب: النفي عن البلد الذي وقعت الجناية فيه. ويقول الباحث إنه اذا كانت مشتقات المادة تفيد الانتقال والتغير للأفكار، وأيضاً الدلالة على نفي الشخص ونقله من مكان إلى آخر، فأرى أنه إذا كان المصطلح يستخدم للدلالة على نفي الشخص ونقله من مكان إلى آخر، فلا مانع من التوسع في استخدامه ليشمل نقل الشخص من حال فكرية إلى أخرى. وعن لفظ "جِهَوِيّ"، نسبة إلى جهة، يشير ثروت عبد السميع محمد إلى أنه ورد في اللسان: الجهة والوجهة = الموضع الذي تتوجه إليه وتقصده. وفي المعجم "الوسيط": الجهة الجانب والناحية. ويشيع الآن في الاستعمال الحديث قولهم: جِهوي، نسبة الى جهة، مع أن القياس يحتم علينا أن نقول: جِهيّ. واذا كان أصل الجهة هو الوجهة، فإن النسبة إلى الأصل تصبح وجهيّ. ولو افترضنا - يقول الباحث - أن قلباً مكانياً حدث في الكلمة فأصبحت: جهَوي، فإنه لا مانع من استخدامها بهذه الصيغة نسبة الى الجهة. وعلى المنوال نفسه تعامل الباحث مع مصطلح "التثاقف"، بمعنى "تبادُل الثقافات"، و"تَمذْهَبَ ب" بمعنى تَبعَ مذهباً معيناً واعتنقه، و"الاستشراق"، بمعنى الرغبة في دراسة الشرق والصيرورة إليه، "والاستغراب"، بمعنى الرغبة في دراسة الغرب.