أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    «الموارد» ل«منشآت ال50 عاملاً»: افصحوا عن بياناتكم التدريبية    رئيس البرلمان العربي يلتقي سفير المملكة بالقاهرة    "مسام" ينتزع 3362 لغمًا في اليمن خلال شهر يناير    الرياض تستضيف المؤتمر الدولي لسوق العمل    "السجل العقاري" يُعلن إصدار 500 ألف سجل عقاري    الرياض منصة عالمية تجمع قادة العالم    تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود    إضافة حسابات واتساب في هواتف آيفون    يشتري منزلًا من تنظيف القبور    السودان.. حرب بلا معنى    طفلة سعودية تبحث عن «غينيس» كأصغر مؤلفة قصص    بختام الدور الأول من دوري روشن.. صراع الهلال والاتحاد متواصل رغم الخسارة الثانية    «غليان» في الهلال والاتحاد    سقوط الأقوياء    "بالتزامن".. 18 مباراة بالجولة الأخيرة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة وليفربول ضمنا التأهل.. ومانشستر سيتي وباريس أبرز المهددين    تنافس مثير على الصعود في دوري يلو    الهلال ينهي عقد نيمار بعد سبع مباريات في 18 شهراً    سلامة الغذاء    ما هو تعريف القسوة    رجال الأمن والجمارك.. جهود وتضحيات لحفظ الأمن الاجتماعي    «برنامج أنتمي».. نموذج للابتكار في مختبر التاريخ الوطني    الكتابة والحزن    "التدريب التقني" يحصد أكثر من 50 جائزة في منافسات دولية خلال عام 2024    رعى مذكرات تعاون لنشر الاعتدال.. أمير الشرقية يفتتح مباني لهيئة الأمر بالمعروف    «الغذاء والدواء» تحذر من منتج روست لحم بقري    طريقة عمل مهلبية بالتمر والهيل    طريقة عمل شوربة الشعيرية بالطماطم    بحثاً عن القوة المستدامة    فلكيا: الجمعة 31 يناير غرة شهر شعبان    أهمية بيانات التأمينات !    الأكثرية السورية بحاجة لجبر الخواطر    العثرة الأولى للرئيس ترمب    سير ذاتية لنساء مجنونات    «الغرس الثقافي» للصورة الإعلامية!    العدالة يتعادل إيجابياً مع الفيصلي في دوري يلو    رمزية المطايا والطائرات    70% نسبة التقاعد المبكر بين الإناث    الاستثمارات العامة يطرح سندات بقيمة 15 مليار ريال    «الأدب والنشر والترجمة » تنظم «الجسر الثقافي الممتد من الصحراء إلى النيل»    أكثر من 25 جامعة تتنافس في مختبر التاريخ الوطني    أمير الرياض يطّلع على جهود "إنسان"    الشورى يدرس تشريع الرقابة المالية وتعديل نظام البنك المركزي    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب 16.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    مساعد وزير الصحة يفتتح ملتقى نموذج الرعاية الصحية    البكر: «درب الهجرة النبوية» يحافظ على تراث المملكة الإسلامي    محمد بن فهد.. بصمات خالدة في تاريخ الشرقية    أمير جازان يدشن المكتب التنسيقي لجمعية "كبدك" بالمنطقة    مبادرة «اللُحمة الوطنية دين ومسؤولية» بمحافظة الحرث    الهلال الأحمر يعزز التعاون مع التعليم لتطوير مهارات الإسعافات الأولية    البدء بإلغاء إشارة تقاطع طريق جسر الأمير نايف مع تقاطعه بطريق الملك عبد العزيز بالدمام    ارتفاع مقاعد البورد السعودي بأكثر من 1500 مقعد وأكثر من 5 الآف خريج    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان" المرأة مساهمة حقيقية في تعزيز الهوية الوطنية وترابط المجتمع    أمير المدينة يرعى حفل إطلاق مشروع درب الهجرة النبوية وتجربة "على خطاه"    أجمل رحلات العمر    المخيم الملكي والصورة الأجمل    المشهد القادم أكثر لطفا !..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيار الاميركي الصعب: العودة لبناء الوفاق الاقليمي والدولي . المعادلة الصفرية في التعامل مع صدام حسين
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 2001

ما ان نفض الرئيس بوش الغبار عن الملف العراقي الذي تكدس في عهد سلفه، حتى انهالت القذائف على مواقع عسكرية عراقي، فقد اتخذ بوش في غضون اقل من شهر على استلامه الرئاسة اجراء غيّر قواعد الاشتباك مع القوات العراقية وذلك بقصف مواقع عسكرية خارج خط العرض 33، للمرة الاولى منذ اكثر من عامين، ليس كاجراء "روتيني" كما يردد المسؤولون الاميركيون، بل بتخطيط مسبق.
فالضربات الجوية السابقة فرضها فعل عراقي بتحريك رادار او بتصدٍ مدفعي للطائرات الاميركية والبريطانية، اما الذي حصل في 16 شباط فبراير الماضي فهو اجراء ردعي وليس دفاعياً. اذ قصفت المواقع الخمسة العراقية تشمل 7 مراكز قيادة، و20 محطة رادار التي طورت قدراتها الدفاعية الجوية بنصب شبكة كابلات ضوئية تحت الارض تربط الرادارات بمحطات قيادة يصعب اكتشافها جواً، وذلك بمساعدة صينية، ما يعطي المضادات العراقية قدرة افضل في التصدي للطائرات الاميركية والبريطانية.
وكانت لندن، حسب صحيفة "الصاندي تايمز"، وراء اثارة الموضوع مع واشنطن خوفاً من احتمال اسقاط احدى طائراتها وما يعنيه ذلك من انتصار سياسي لصدام حسين.
كان امام الادارة الجديدة، استمراراً لنهج كلينتون، ان تتحاشى ذلك بتقليص المراقبة الجوية تمهيداً لانهاء منطقة الحظر في جنوب العراق. ولكن قرار الرئيس بوش جاء حاسماً وسريعاً بضرب المواقع العسكرية المشتبه بها، وترك توقيت الضربة لاعتبارات تتعلق بمنع اي خسائر بشرية في صفوف العاملين الصينيين في تلك المواقع خوفاً من تكرار تجربة قوات الناتو بضرب السفارة الصينية في يوغوسلافيا. فاختير يوم الجمعة اي يوم عطلة في بغداد، وان سرق الاضواء من اول زيارة للرئيس الاميركي للخارج في المكسيك. اضافة الى المباشرة بالضربة الجوية من دون انتظار اول جولة لكولن باول وزير الخارجية الاميركية لدول المنطقة في ال 24 من الشهر نفسه. وقامت بعد ذلك بكشف دور الصين ليس في تزويد العراق تقنيات عسكرية متطورة فحسب، بل كذلك لاسرائيل.
كانت سرعة الضربة الجوية واسلوبها المفاجئ لم يلوح بها مسبقاً على غرار اسلوب كلينتون رسالة الادارة الجديدة لاعلان حزمها ونهاية حال التهاون التي لازمت الادارة السابقة، وجاءت ردود فعل بغداد والعواصم العربية والغربية لتؤكد استلام هذه الرسالة.
كرس الرئيس كلينتون جهده لانجاح المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية، واعتبر الشأن العراقي عامل الهاء يجب تجنبه. لكن فشل تلك المفاوضات ومجيء ارييل شارون الى الحكم، وهو يرفض حتى ما قدمته حكومة باراك للفلسطينيين، يضع القضية الفلسطينية على رف الانتظار.
واحسن النظام العراقي توظيف الاحباط العربي على الصعيد الفلسطيني، فصوّر المشكلة بأنها في الخطر الاسرائيلي، وليس مخاطر سياساته الاقليمية. كما وظف العقوبات الدولية المفروضة على العراق، والتي ارادتها وشنطن وسيلة لاحتواء صدام حسين، لعزل وشنطن بحجة حرمان الشعب العراقي من الطعام والدواء، وجعل من العقوبات مشجباً لتعليق كل عيوب النظام، جاعلاً من قضية الشعب العراقي مجرد غذاء ودواء وليس حرماناً سياسياً واضطهاداً اجتماعياً. وترك الاهمال الاميركي للشأن العراقي، خلال ادارة كلينتون، دول المنطقة تتعامل مع صدام حسين كواقع دائم وليس موقتاً. فأخذت تمد الجسور الاقتصادية اولاً وفيما بعد السياسية حتى بلغت مستوى التنسيق الامني والعسكري مع سورية.
ان عودة العراق للصدارة في السياسة الاميركية تجعل من النجاح في العراق سبيلاً لتحريك القضية الفلسطينية وليس العكس. كما يفرض على الدول الاقليمية، خصوصاً تلك التي تربطها علاقات صداقة مع وشنطن، حسم خياراتها بين التعامل مع صدام حسين او واشنطن وليس مع الاثنين في آن، ولكن هذا يتطلب ان لا يكون الموقف الاميركي مجرد اعلان للنيات، اذ سبق لكلينتون ان اعلن، تحت ضغط الكونغرس عام 1998، تغيير سياسة الاحتواء الى "الاحتواء زائد التغيير"، وصادق على "قانون تحرير العراق" ولكن من دون اقتناع بهما بل كمجرد مناورة، ما افقد الادارة المزيد من الصدقية.
ومن هنا ان الضربة الاخيرة اذا كانت مجرد تكرار لسياسة "وخز الابر" الاميركية السابقة، من دون بلورة سياسة واضحة للتغيير في العراق فإن تلك الدول سيصعب عليها اخذ الموقف الاميركي بجدية.
جعل الرئيس العراقي مصلحته على طرفي نقيص مع الانفراج السياسي الداخلي واحترام حقوق الانسان العراقي. وكذلك الحال اقليمياً. فليس في مصلحة النظام حصول استقرار اقليمي، او التوصل الى تسوية سلمية بين الفلسطينيين واسرائيل. وهو لعب دوماً على التناقضات الداخلية والاقليمية وحتى الدولية من اجل البقاء. وهكذا استغل الخوف الاميركي من ايران الاسلامية ليشن الحرب ضد ايران. وقبل ذلك كرّس العداء لمصر السادات لتوقيعها على اتفاق سلام مع اسرائيل، واستثمر امواله لزعزعة الحكم في سورية عبر لبنان، ولم تنجح مواجهته إلا بقيام توافق اقليمي ودولي كما حصل في تحير الكويت.
من الضروري ان تتعامل واشنطن مع اوروبا من منطلق الشريك وليس المنافس، وهذا يتطلب تفهماً للمصالح الاوروبي وبالذات الفرنسية. فقد كان لفرنسا مصالح ضخمة مع العراق قبل غزو الكويت، ومع ذلك انضمت الى التحالف الدولي لتحرير الكويت. واذا كانت فرنسا لا تعتبر تغيير النظام العراقي من مهمات الامم المتحدة، الا انها ليست عقبة اذا ما استطاع الشعب العراقي تحقيق ذلك. وهي تعاملت مع العقوبات ولا تزال لغرض التزام العراق تدمير اسلحة الدمار الشامل. ان عدم قناعة فرنسا بجدوى العقوبات الاقتصادية له ما يبرره، لأن الضحية - الشعب العراقي - اخذ يعاني اكثر من الحاكم، من دون توفر سقف لهذه العقوبات، ولذا فإن فرنسا مفتوحة لصيغة تخفف العبء عن الشعب وتبقيه على الحاكم.
ان الصيغة الممكنة للتعاون بين واشنطن وباريس هي في مقايضة البعد الاقتصادي للعقوبات المفروضة على العراق بالتزام فرنسي بعدم تأهيل النظام سياسياً، بما في ذلك وقف التعامل الديبلوماسي مع بغداد، ووضع قيود السفر على المسؤولين العراقيين، قبل تنفيذ الجانب العسكري قرار 1284 والانساني القرار 688 الخاص بوقف الاضطهاد القومي والسياسي لمكونات الشعب العراقي، علماً بأن فرنسا كانت وراء كلا القرارين.
وما دامت الواردات العراقية من مبيعات النفط ستبقى خاضعة لاشراف الامم المتحدة مرة اخرى فرنسا كانت وراء فكرة "الشفافية" في صرف الاموال العراقية حسب قرار 986، فذلك يضمن عدم تسخير الاموال لاغراض غير انسانية.
ولكن انطلاقاً من المعادلة الصفرية التي تحكم تفكير صدام حسين، سيكون الرفض نصيب أي مقترح اميركي فرنسي مشترك. خصوصاً اذا اريد للعقوبات ان تكون ذكية في الضغط على الحاكم من دون الاضرار بالشعب.
ولكن الفارق في اعتماد مثل هذه السياسة هو اسقاط ورقة "الحصار" الاقتصادي من ترسانة النظام، وربما يمكن التفكير في خطوة اخرى في هذا الاتجاه هي السماح للمواطنين العراقيين بالتعامل التجاري المباشر مع الاسواق الخارجية والافراج عن اموالهم الشخصية المجمدة في بنوك اوروبا واميركا ضمن ضوابط تجارية بما يضعف من اتكالهم على النظام، وتحسين اداء لجنة العقوبات في اعتماد العقود التجارية العراقي.
اما على الصعيد الاقليمي فقد وظف صدام حسين النفط لخلق حال من الاتكال الاقتصادي لبعض الدول الاقليمية على نفط عراقي رخيص مقابل انفتاح سياسي. فالاردن يستفيد من النفط العراقي الرخيص ومن السوق العراقية بما يساوي اجمالي المساعدات الاجنبية بما فيها الاميركية، ومن المنطلق ذاته تعامل صدام حسين مع تركيا وسورية ومصر.
ان عودة هذه الدول الى التعاون من اجل عزل صدام حسين تتطلب تعويضاً اقتصادياً بالدرجة الاولى، وهذا لا يتم برشوة مالية موقتة، بل باعتماد سياسة تعيد النشاط الاقتصادي للمنطقة، وهنا يصبح التوصل الى سلام "عادل وشامل" بين سورية واسرائيل الطريق الى ازدهار اقليمي يشمل لبنان والاردن يكرس الاستقرار السياسي الداخلي والاقليمي.
ان السلم الاهلي في العراق هو ضمان السلم الاقليمي، وهناك مصلحة لكل قوى الاستقرار والامن في المنطقة في قيام سلم اهلي عراقي يعتمد المشاركة والتعددية السياسية بعيداً عن أي هيمنة طائفة او قومية او فئوية.
واذا كان هذا مستحيلاً في ظل صدام حسين، واذا كان اسقاطه ليس وارداً في المنظور القريب، يبقى هناك خيار اقامة التجرية النموذج في محافظات العراق الشمالية الثلاث، السليمانية ودهوك وارييل كردستان العراق.
ان الذين يخشون تطور الحالة الكردية الى انفصال عليهم التعامل مع الاكراد كعراقيين اولاً. وكعراقيين غير خاضعين لسيطرة صدام حسين بحق لهم العيش بحرية وكرامة، واي تعزيز لهذه الممارسة هو ضغط لا يقل فاعلية على النظام العراقي من اشهار السلاح.
ان وحدة القوى المناهضة للدكتوتورية يمكن ان تتم على الارض فقط - ارض عراقية - وليس في المهاجر العربية والاجنبية، وهذا لا يتحقق الا اذا طورت كردستان اقتصادياً وسياسياً لتستوعب كل عراقي مضطهد، وهذا يتطلب اولاً دعماً اقتصادياً وحماية دولية. وتبقى كلفة هذا الدعم اقل مما تصرفه الدول الغربية على اللاجئين العراقيين، واي تطوير لشمال العراق سيكون وسيلة اوروبا للتخلص من فيضان الهجرة العراقية.
أما عسكرياً فإن حماية هذه المنطقة من غزو صدام حسين هي اقل كلفة من الاموال التي صرفت على المراقبة الجوية، خصوصاً اذا ما مكن ابناء هذه المنطقة من حماية انفسهم بأنفسهم. والعلاقة الخاصة التي تربط الفصيلين الرئيسيين الكرديين بالولايات المتحدة وتركيا كفيلة بتعاون الاطراف المعنية كافة.
ان التعامل مع المحافظات الثلاث الخارجة عن سلطة صدام حسين كأرض عراقية، يعني فتح المجال لكل العراقيين وليس الاكراد وحدهم للعيش الكريم فيها، وفي ذلك ترسيخ لوحدة العراقيين التي هي اساس وحدة العراقي الجغرافية. ان دور الاكراد التاريخي، وهذه هي فرصتهم، هو في المساهمة في بناء "عراق نموذجي" في كردستان وليس في انفصال كردستان.
ومثل هذه الحال في شمال العراق سيفرض اعادة النظر في هيكلية المعارضة العراقية، ليخرجها من تشرذمها ويحولها الى اداة بناء واعمار في عراق نال اكثر من قسطه من الدمار والاضطهاد. فبعد الوفاق الدولي والاقليمي تقع مسؤولية تحقيق الوفاق الوطني العراقي على عاتق العراقيين وليس بمقدور غيرهم فرض ذلك.
* كاتب عراقي، لندن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.