وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيادة الكردية لا توافق على اطروحة التقسيم الجغرافي . الأبعاد الراهنة لمشكلة الاقليات القومية في كردستان العراق
نشر في الحياة يوم 04 - 03 - 2001

تستحوذ مشكلة الاقليات القومية في كردستان العراق على اهتمام أوساط واسعة من المهتمين بالشأن العراقي، لاعتبارات كثيرة، لعل أهمها عامل الحرص على نجاح التجربة الكردية في اقامة مجتمع مدني يحل المشكلات المختلفة بما فيها مشكلة الاقليات القومية طبقاً لمنهج ديموقراطي سليم من شأنه ان يعزز الحقوق العامة لكل الأفراد في المجتمع الكردي التعددي. وتصطدم هذه الامنيات بواقع آخر، يكشف عن تعقيدات كثيرة تصاحب العملية السياسية والاجتماعية في هذا الاقليم، بسبب النزعة الحزبية التي تنطلق من منطلقات الربح والخسارة من جهة وتغليب المشاعر القومية باتجاهاتها السلبية من جهة أخرى، لذلك فإن طريقة تعاطي الادارة الكردية مع مشكلة الاقليات القومية لا تزال تخضع لمقاييس السياسات الضيقة في معالجة هذه القضية.
ولأهمية الوقوف على طبيعة الوضع المتعلق بالاقليات القومية في اقليم كردستان العراق، طرحت "الحياة" سؤالاً على ثلاثة خبراء في الشؤون الكردية وشؤون الاقليات في اقليم كردستان حول الخلفية السياسية التي تحكم المواقف الراهنة تجاه الاقليات القومية وكذلك طبيعة التوزيع الجيوسياسي لهذه الاقليات؟
حدد عبدالقادر البريفكاني الخبير في الشؤون الكردية طبيعة الوضع الذي يحيط بهذه القضية مسلطاً الأضواء على الاشكالات التي تواجه حكومة اقليم كردستان قائلاً: "ان هذه المشكلة قديمة قدم العهود السياسية التي عاشتها المنطقة منذ مطلع القرن الماضي، ولكن شعور القادة الاكراد بأن الظلم الذي لحق بالشعب الكردي قد شمل أيضاً الاقليات القومية التي تعيش في كردستان العراق، وأعني هنا الجميع دون استثناء ومنهم التركمان والآشوريون واليزيديون وغيرهم. وقد أعطى هذا الشعور أملاً لهذه الاقليات بإمكان تحقيق مطالبها من خلال توحيد نضالها مع الحركة الكردية بدءاً من ثورة الشيخ عبدالسلام بارزاني الثاني مطلع القرن الماضي وحتى تحقيق اقامة الكيان الكردي الحالي منذ عام 1991 على يد السيد مسعود بارزاني. وليس سراً ان الزعيم الديني للأقلية الكلدانية البطريرك مار شمعون هو الذي حمى الثائر الشيخ عبدالسلام بارزاني بعد فشل ثورته ضد العثمانيين بين أعوام 1907-1914، وهذا يعني ان أعداداً غفيرة من الآشوريين والكلدان انضمت الى الثورة استجابة لدعوة البطريرك مار شمعون. وأثنى مسعود بارزاني على دور البطريرك في كتابه "البارزاني والحركة التحررية الكردية" الذي صدر عام 1978، اذ قال: "نحن البارزانيين نشعر بالامتنان والتقدير لموقف القيادة البطريركية لمار شمعون تجاه الشيخ عبدالسلام بارزاني".
وهناك أيضاً شخصية سياسية آشورية معروفة، هو فرانسو الحريري الذي اغتيل قبل أسابيع في مدينة اربيل، اذ رافق هذا الانسان ثورة الملا مصطفى بارزاني، وكان مستشاره الشخصي وأقرب الناس اليه، وكان عضواً في المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني حتى لحظة اغتياله على أيدي مجهولين. وهناك أيضاً وزير الصناعة في حكومة الاقليم وهو آشوري ويرأس حزباً آشورياً يدعى يونازام كنة. وتوطدت العلاقة الحميمة بين العائلة البارزانية التي هي عائلة دينية عريقة والبطريركية الآشورية التي يمثلها مار شمعون. وأولت القيادة الكردية اهتماماً كبيراً بحل مشكلة الاقليات القومية، اذ اعترفت الحكومة الكردية في دستورها بحقوقها، والآن فإن معظم الاقليات القومية لديها ادارات "مستقلة" ولها حق اصدار الصحف والمجلات بلغاتها المحلية. وبحسب معلوماتي فإن لهذه الاقليات اذاعات ومحطات تلفزة ومدارس خاصة بها. وتوجد في وزارة التربية مديرية عامة مهتمة بالتربية والثقافة التركمانية وكذلك مديريات عامة لبقية الاقليات والطوائف الأخرى. وتوجد أيضاً مقرات للأحزاب السياسية المعبرة عن هذه الأقليات، وتصدر صحفها الخاصة، ولا اعتقد ان هناك ثمة حواجز أمامها.
وفي ودي هنا ان أبدي بعض الملاحظات حول ما يطرح من أمور تتعلق بالتركمان، وبرأيي ان التركمان لا يشكلون قومية قائمة بذاتها، وانما اقلية قومية صغيرة. فهم جاؤوا الى العراق أثناء حكم المعتصم لأن والدته كانت من تركمانستان، واكتسبوا أهمية سياسية اثناء الدولة العثمانية، فهم موجودون في منطقة تلعفر التي تقع شمال غربي خط جنوب ولاية الموصل العثمانية، ويوجد عدد قليل منهم في اطراف مدينة الموصل ثم يدخلون طاقوق، فطوس خرماتو ثم التون كوبري وكركوك ويمتدون جنوباً الى طرف خانقين.
أما الآن فتوزعوا بعد تغير الخريطة السياسية، وأصبح لهم وجود كبير في كركوك وأربيل، وسمحت لهم الادارة الكردية منذ الانتفاضة بالعمل السياسي وأعطت اجازة لأكثر من عشرة أحزاب تركمانية عاملة في اربيل. ولهم حق اصدار الصحف باللغة التركمانية ولديهم اذاعة تبث باللغة التركمانية، اضافة الى المدارس الخاصة بهم. المشكلة التي تواجه اقليم كردستان حالياً هي محاولات تركيا لضمان حماية الاقلية التركمانية في العراق، وكأن هذه الاقلية تتعرض لمخاطر حقيقية، في حين ان كل حقوقها مصانة في ظل الادارة الكردية.
بعد الانتفاضة، وحينما تمت اقامة "المنطقة الآمنة" دخلت تركيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا ضمن مجموعة الدول الخمس الحامية للمنطقة الآمنة، وانسحب الهولنديون والفرنسيون وبقيت الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا ضمن هذه المجموعة التي سميت "مجموعة الثلاث"، وتسعى تركيا من خلال هذه المجموعة للتدخل في صورة اساسية لحماية التركمان، وهي سياسة معلنة، اذ تقول تركيا إن تركمان العراق هم جزء من العالم التركي الممتد تاريخياً من بحر الصين الى الادرياتيك، وان تركيا تعتبر نفسها بمثابة الأب الراعي لهؤلاء التركمان، لذلك تقدم دعمها السخي لهم وتزودهم المساعدات الاقتصادية. ولكن الاخطر في هذه القضية هو ان تركيا أخذت تتحرك باتجاه عسكرة الاقلية التركمانية، فقد بدأت تدريبات عسكرية مكثفة للمزيد من الشباب التركماني في اربيل لإعداد جيش تركماني، وأنشأت لذلك معسكرات خاصة تشرف عليها الأحزاب التركمانية. أما موقف القيادة الكردية فهو في غاية الاحراج، اذ لا تريد هذه القيادة الاصطدام بتركيا من جهة أو فتح معركة مع الاطراف التركمانية من جهة أخرى، وهي تقول ان هذه الأحزاب حصلت على اجازة للعمل السياسي، وهذه الاجازة تضمن لها الحماية لممارسة نشاطاتها المختلفة، ولكن اذا اصبحت القضية مبالغاً بها فإن امكان الاصطدام بها غير مستبعد، وسبق للادارة الكردية في الكثير من المرات ان أغلقت مقرات الاحزاب التركمانية لتجاوزها حدود القانون المتبع. ولكن تدخلات تركيا وتهديداتها بغلق بوابة الخابور التجارية، وهي البوابة الوحيدة التي تمون اقليم كردستان بالمواد الغذائية والسلع المختلفة، ارغمت الادارة الكردية على السماح لهذه الأحزاب بالعودة الى النشاط السياسي.
هناك مشكلة حقيقية تواجه حكومة الاقليم وتواجه عموم التجربة الكردية، وهي ان معظم الاقليات القومية الموجودة في الاقليم وعلى صغر حجمها تطالب باقامة كيانات قومية على غرار الكيان الكردي الذي يسمى في الوقت الراهن "الجيب الآمن"، وهو بمقاييس السياسة والاقتصاد عبارة عن دولة صغيرة غير متكاملة حالياً، ولكنها تمارس دور الدولة في مرافق الحياة كافة ما عدا الاعتراف الدولي بها، ومعنى ذلك ان نزعة اقامة دويلات صغيرة داخل الاقليم تنسحب على الاقليات القومية الأخرى. فمثلاً يطالب التركمان بتحديد مناطق انتشارهم في المستطيل الذي يتوسط المنطقة العربية من الجنوب والمنطقة الكردية من الشمال بدءاً من زرباطيا في الشرق قرب الحدود الايرانية ومروراً بخانقين وطوزخرماتو وكركوك وآلتون كوبري وأربيل والموصل وتلعفر وحتى زاخو وسنجار قرب الحدود مع سورية. وبمعنى آخر نصف مساحة اقليم كردستان الحالية.
القيادات الكردية لا توافق على اطروحة التقسيم الجغرافي والسكاني للاقليات القومية على أساس "الحصص" أو "الحدود"، وإنما تعتبر مناطق الشمال العراقي مناطق كردية تضم اضافة الى القومية الكردية، وهي الأكبر، اقليات قومية اخرى مثل التركمان والعرب والآشوريين وغيرهم. والى وقت قريب كان الوجود العربي من منطقة الموصل وكركوك وما يرتبط بهما من نواحٍ أو أقضية أكبر بكثير من وجود الاقليات الأخرى، وبالذات في الموصل التي تعتبر طبقاً لاحصاءات السكان ثالث أكبر مدن العراق العربي.
يشكل الاكراد بحسب احصاءات عام 1980 ما نسبته 23 في المئة من سكان العراق، وهذا الأمر له أهمية بالغة، اذ ان هذه النسبة في العراق تمثل اعلى نسبة قياساً الى الدول الأخرى التي يوجد فيها الاكراد وهي الدول الست: تركيا والعراق وايران وسورية ولبنان وروسيا.
وارتباطاً بهذه النسبة، فإن عدد الأكراد في العراق سيكون حوالى 3.5 ملايين نسمة عام 2001، يعيشون في مساحة تبلغ 75 الف كيلومتر مربع، وهم الغالبية الساحقة من سكان كردستان. أما عدد الأكراد العراقيين الذين يعيشون في الخارج، فيبلغ نحو 250 الفاً بحسب احصاء توصل اليه "معهد الدراسات الاستراتيجية" في جامعة جورجتاون الأميركية.
القيادات الكردية لا تزال تعتبر منطقة كركوك الغنية بالنفط والواقعة تحت سيطرة السلطة المركزية منطقة كردية، اضطرت الى التنازل عنها في اتفاق آذار مارس عام 1973، ولكن التركمان يصرون على ان هذه المدينة تعتبر العاصمة المستقبلية للادارة التركمانية، لأنها تاريخياً تحتضن أكثرية تركمانية مطلقة، وسبق ان حدثت اصطدامات مروعة ومذابح كثيرة بين الاكراد والتركمان في هذه المدينة، راح ضحيتها المئات من كلا الطرفين.
ومن الواضح ان مشكلة تحديد عدد التركمان تبدو اكثر عسراً من تحديد عدد الأكراد لأسباب مختلفة، بينها أن وزنهم العام أقل بكثير من وزن الاكراد، ما جعل الاهتمام بأعدادهم أو اجراء احصاءات حولهم يتسم بعدم المبالاة، فضلاً عن المخاوف السياسية العراقية من زيادة عددهم الذي يشكل ذريعة لتركيا للتدخل في شؤون العراق الداخلية والمطالبة بالسيادة على كركوك والموصل نتيجة لارتباط التركمان التاريخي كأفراد بها. وعلى رغم وجود الكثير من الارقام حول عددهم، فإن نسبتهم بحسب بعض الاحصاءات تتراوح بين 2.2 الى 3.2 في المئة، أي ما يساوي 450 - 500 الف نسمة، ولكن تقديرات اخرى ترفع نسبتهم الى أكثر من ذلك. وآخر التقديرات التي توصل اليها الباحث التركماني عزيز قادر الصمانجي تبلغ مليون ونصف المليون نسمة، ويعتقد البعض من المتابعين ان هذا الرقم فيه الكثير من المبالغة، التي ربما تخدم اغراضاً سياسية.
التركمان وتاريخهم في العراق
هناك بعض الغموض الذي يلف اصول وتطور الاقلية التركمانية في العراق. وفي هذا الخصوص يشير أمين عام الحركة الديموقراطية التركمانية العراقية عزيز قادر الصمانجي الى ان التركمان كانوا وجدوا في العراق منذ الدولة الاموية، حينما استخدمهم الوالي الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي 692 م لحراسة الجبال وأسكنهم في ناحية "بررة" التابعة لمحافظة واسط حالياً، بحسب ما اشار اليه كلوب باشا، ثم توالى بعد ذلك مجيء التركمان وساهموا في الفتوحات الاسلامية في زمن العباسيين، واستخدم الخليفة المعتصم اعداداً كبيرة منهم 40 الفاً واسكنهم مع عوائلهم في مدينة سامراء بعد تشييدها ونقل عاصمة الدولة اليها، ومنذ ذلك الحين ازدادت موجات هجرتهم الى العراق. ويعتبر عصر الاستيطان التركماني في العراق ابان العهد السلجوقي اهم الفترات التاريخية التي رافقت استيطان التركمان هذه البلاد، وتأسست لهم في هذه الفترة إمارات تركمانية مستقلة في الموصل وأربيل وكركوك. وينحدر التركمان من قبائل الغز الاوغوز جيء بهم من اذربيجان الى بلاد الاناضول في فترات مختلفة وشكلوا مستوطنات في مناطق الشمال العراقي.
ان الوجود التركماني في العراق لم يكن له علاقة بقيام السلطنة العثمانية، كما يعتقد البعض من المهتمين بالشأن العراقي، وانما سبق ظهور العثمانيين بمئات السنين، كما ان وضعهم في الوقت الحاضر هو افضل بكثير من المراحل السابقة، وتم الاعتراف بهم كأقلية قومية، ويعتبرون القومية الثانية بعد الاكراد في كردستان العراق. وساهمت الأحزاب والمنظمات التركمانية في الحفاظ على الثوابت الوطنية العراقية، وان معظم تركمان العراق يدينون بانتمائهم الى العراق وليس الى اي بلد آخر، وإن كانت تربطهم بأتراك تركيا رابطة الدم والانحدار القومي، ولكنهم مواطنون عراقيون قبل كل شيء.
المشكلة الراهنة التي تتعلق بالمطالب التركمانية والمطروحة على الادارة الكردية تكمن في تحديد مستوى الحقوق القومية والثقافية والسياسية لتركمان العراق في اطار اقليم كردستان. ففي ادبيات معظم القوى السياسية التركمانية طرحت قضية الادارة التركمانية الذاتية ليس على اساس قومي، وانما ضمن الولايات والمحافظات، اذ تعطى للأقلية التركمانية فرصة ادارة مجتمعاتها بنفسها. وهذا ينطبق على الهيئات المختلفة، بما فيها البلديات، بافتراض قيام مجالس ادارة أو هيئات ادارية يساهم فيها التركمان مساهمة اساسية. أما في ما يشاع حالياً عن ان التركمان يريدون حكماً ذاتياً داخل اقليم كردستان، فهذا الأمر يتعلق بحزب واحد ولا ينسحب على كل القوى التركمانية السياسية، وانما يطالب بذلك حزب "تركمانللي" أي "حزب الاقليم التركماني" برئاسة رياض صاري كاهية، ومقره في اربيل، اذ يقول لماذا يصبح من حق الاكراد التمتع بالفيديرالية في حين لا يتوافر هذا الحق للتركمان، فهم طالبوا بالحصول على حكم ذاتي في كركوك مثلاً، لأنهم يشكلون اكثرية سكانية هناك، ولكن "الجبهة الديموقراطية التركمانية العراقية" لا تلتزم هذا الطرح.
أصبح للأقلية التركمانية حركات سياسية تطرح برامج وطنية متجانسة. وهناك أربع ضمن الجبهة الديموقراطية، هي: الحزب الوطني التركماني بقيادة مصطفى كمال يازبجيلي، وحزب الاقليم التركماني بقيادة رياض صاري كاهية، وحركة المستقلين التركمان بقيادة كنعان شاكر، والحركة الديموقراطية التركمانية العراقية بقيادة عزيز قادر الصمانجي، فضلاً عن الاحزاب الأخرى خارج اطار الجبهة، وهي: الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق شيعي بقيادة عباس البياتي، وحزب الآخاء التركماني بقيادة وليد شركة، وحزب الوحدة التركماني بقيادة نصرالدين الدامرجي.
حاولت قيادتا الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اجتذاب التركمان واستخدامهم في عملية الصراع الدائر بين القيادتين، بيد ان معظم القوى التركمانية وقفت على الحياد، وهذا لم يمنع بعض الاشخاص من تأليف احزاب تركمانية منحازة الى هذا الطرف أو ذاك. فحزب الوحدة التركماني برئاسة نصرالدين الدامرجي اصطف الى جانب البارزانيين ضد الطالبانيين، بينما اصطف حزب الأخاء التركماني بزعامة وليد شركة الى جانب الطالبانيين ضد البارزانيين.
المعادلات السياسية في اقليم كردستان تتغير بحسب الظروف المحلية والاقليمية، وموقف التركمان يتأثر بهذه المتغيرات، وتحاول القيادات التركمانية الافادة من الدور التركي في تحقيق طموحاتها، ويشكك البعض من السياسيين في توجهات التركمان، ويعتبرونهم بمثابة "الطابور الخامس" التركي في الاراضي العراقية، وهذا الأمر فيه الكثير من المبالغة والتجني على التركمان، الذين يحاولون تغيير صورتهم المشوشة في اذهان بعض الفئات العراقية.
الآشوريون ومطالبهم
بالنسبة الى الآشوريين، ثمة تعاطف مستمر مع مطالبهم، فهم من حيث الانتماء أقرب بكثير الى العرب، ولكنهم أيضاً من سكنة كردستان على مر العصور منذ الآكاديين والكلدانيين والآشوريين الى الوقت الحاضر. أي انهم أهل العراق الاصليون. وعلى رغم ما أصدره النظام السياسي عام 1972 من قرارات مثل جعل اللغة السريانية لغة التعليم في المناطق المسيحية وتدريسها في جامعة بغداد والسماح باصدار مجلة شهرية بالسريانية وفتح النوادي الثقافية والأدبية وإحياء التراث الشعبي، الا ان الممارسة الفعلية لم تجسد الكثير من هذه الأمور، لا سيما أن الآشوريين يختزنون في ذاكرتهم صور العنف الذي واجهوه في مراحل سابقة.
وكثيراً ما تأثر الآشوريون بعدم الاستقرار في المنطقة، اذ ان الاقتتال الكردي أو الاقتتال الكردي- التركماني أو الاقتتال بين الجيش والاكراد كان يؤدي الى زيادة معاناتهم، الأمر الذي دفعهم الى النزوح عن قراهم، كما ان تدخل القوات التركية وقصف بعض المناطق التي يشتبه بوجود قوات من حزب العمال الكردستاني فيها كان يعزز حال عدم الاستقرار هذه.
واتسمت علاقاتهم مع بعض الاحزاب الكردية بالعنف، وهو ما يستدل عليه من حوادث هجوم متباعدة ضد بعض تجمعاتهم. ومن الواضح ان الاقليات السريانية المسيحية هي الحلقة الأضعف في صراع الأقليات شمال العراق، لأن المساندة الاقليمية تتوافر للأكراد احياناً من ايران وتركيا، كما تتوافر للتركمان من تركيا، بينما تلقى قضية المسيحيين تأييداً عابراً يظهر ويختفي من خارج الاقليم، وايضاً صعوبة تحقيق حلمهم، اذ يصطدم بعقبات كثيرة منها معارضة الحكومة العراقية ومعارضة الاكراد ومعارضة دول المنطقة التي تتحفظ بوجود كيان مسيحي داخلي. ويعيد المؤرخون الأصول التاريخية لهذه الفئة من المجتمع العراقي الى آشوريي ما قبل الميلاد الذين اقاموا في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد مملكة سامية في بلاد ما بين النهرين وأن الآشوريين مع الكلدان والسريان يشكلون قوماً واحداً لا تفرقه سوى القسمات التي فرضتها الانقسامات الكنسية على حقب تأريخية مختلفة. ودخل هذا الشعب الذي يعتبر من بقايا الامبراطورية الآشورية - البابلية المسيحية في بداية القرن الثاني الميلادي. الآشوريون هم جزء من الآشوريين، والآشوريين هم الكلدان والسريان والأثوريون.
ويؤكد الباحث في الشؤون الآشورية خوشابا شابا أن عدد الآشوريين من كردستان العراق يبلغ نحو 70 الف نسمة. أما عددهم في عموم العراق فيبلغ مليون ونصف المليون، ومناطق انتشارهم في كردستان العراق تتركز في مناطق القوش وبرطلا وبغديرة منطقة الحمدانية وفاتكيش وتكليف وعين كاوة وشقلاوة وكرمليس وغيرها.
والآشوريون مقسمون الى النساطرة وهم غير مرتبطين بروما والكنيسة الكاثوليكية وهم الأقلية ويرتبطون بالكنيسة الآشورية الشرقية. وهناك الى جانب النسطوريين، الكلدانيون، وهم الغالبية، وهم خارجون من النساطرة ومرتبطون بالكنيسة الكاثوليكية في روما.
وفي الوقت الراهن تزاول المؤسسات السياسية الآشورية نشاطاتها المختلفة ضمن حدود الاقليم، وتوجد أحزاب عدة وحركات سياسية آشورية، منها الحركة الديموقراطية الآشورية بقيادة السكرتير العام فينوس بتيون، وحزب بين النهرين، والحزب الوطني الآشوري، والمنظمة القومية الآشورية، اضافة الى النوادي. ويلخص شعار الحركة الديموقراطية الآشورية اتجاهاتها السياسية، وهو "الديموقراطية للعراق والوجود القومي للآشوريين". وتؤكد الحركات السياسية الآشورية في برامجها وسياساتها التمسك بوحدة العراق والحفاظ على الهوية القومية للآشوريين واحترام التراث والتقاليد واللغة والتعايش السلمي مع القوميات العراقية المختلفة. والحركة الديموقراطية الآشورية عضو في الجبهة الكردستانية وكذلك في المؤتمر الوطني العراقي الموحد. ويضم "التحالف القومي الآشوري" أربعة أحزاب آشورية.
تظل قضية الاقليات القومية في كردستان العراق خاضعة لجملة أمور تلتقي كلها من بوتقة واحدة من شأنها تبديد أي اشكالية في مواجهة التعقيدات الراهنة المحيطة بهذه القضية. وهي ان التجربة الديموقراطية التي توقفت منذ بضعة سنوات نتيجة الاقتتال الكردي - الكردي، كانت قادرة على معالجة الأوضاع الاستثنائية التي تعانيها المنطقة، وكذلك المشكلات الأخرى وخصوصاً مشكلة الاقليات القومية الطامحة الى ترجمة حقوقها على أرض الواقع في اطار مجتمع مدني ديموقراطي تعددي، يصون المصالح الوطنية والقومية العامة للجميع دون استثناء، وحتى تتوافر تلك الشروط، فإن قضية الاقليات القومية تبقى تتخبط في أوضاع متحركة وغير مضمونة قطعاً.
* كاتب وصحافي عراقي مقيم في بريطانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.