قررت موسكو طرد أربعة ديبلوماسيين اميركيين، رداً على قرار مماثل اتخذته واشنطن. وتوقع سياسيون في موسكو مزيداً من التدهور في العلاقات. وذكر سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ان التعاون بين استخبارات البلدين "أصبح طي النسيان"، ما يعني توقف التعاون المشترك لمكافحة الارهاب. ووقفت باريس الى جانب موسكو في النزاع. حاولت الادارة الاميركية اعتبار قرارها طرد أربعة ديبلوماسيين روس ومطالبة 46 بالاستعداد للمغادرة قبل حلول الصيف، اغلاقاً لملف "حرب الجواسيس" بحسب وزير الخارجية الاميركي كولن باول. ودافع الرئيس جورج بوش عن قراره واعتبره "صائباً" لكنه اعرب في الوقت ذاته عن أمله في الا تتأثر العلاقات الثنائية. ولكن موسكو كان لها رأي آخر، اذ أعلن وزير الخارجية ايغور ايفانوف ان ترحيل الديبلوماسيين "عمل غير ودي بروحية الحرب الباردة". وأكد ان بلاده لا توافق على اقتراح "وضع نقطة على السطر" في هذا الملف، بل تريد أن ترد بخطوة مماثلة. واستدعي الى وزارة الخارجية الروسية القائم بالأعمال الأميركي وابلغ طرد اربعة ديبلوماسيين من سفارة الولاياتالمتحدة لقيامهم ب"نشاط لا يتلاءم مع وضعهم الديبلوماسي". وهددت الخارجية الروسية ب"اجراءات أخرى لوقف النشاط غير الشرعي" للعاملين في السفارة الاميركية. وأوضح مصدر في هيئة مكافحة التجسس طبيعة هذه الاجراءات المحتملة، وذكر في حديث نقلته وكالة انباء "ايتار تاس" الرسمية، ان لوائح طويلة أعدت باسماء موظفي السفارة الذين يعملون لمصلحة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيديرالي ووكالة الأمن القومي والاستخبارات العسكرية وشدد على ان موسكو "ستحدد من الذي ستطرده منهم". ويعتقد المراقبون ان موسكو فوجئت بالقرار الاميركي الذي اعتبرته "سياسياً" ولو كانت واشنطن تذرعت بأن الديبلوماسيين الروس طردوا لعلاقتهم بالضابط الأميركي روبرت هانسن الذي كان جاسوساً عمل داخل مكتب التحقيقات الفيديرالي لمصلحة موسكو. وفي لهجة احتقار غير مألوفة قال سيرغي ايفانوف الذي يعد أهم مساعدي الرئيس فلاديمير بوتين ان "الشبان الذين جاؤوا الى السلطة في واشنطن ارادوا ان يظهروا بأنهم جدعان ويستعرضوا عضلاتهم" فأثاروا فضيحة التجسس. وتابع ان هؤلاء كانوا قبل فترة قصيرة يصورون روسيا وكأنها "بعبع مخيف" يساعد في نشر الأسلحة الصاروخية والنووية والآن يظهرونها "كالأبله المعتوه ملمحين الى أن خمسين ديبلوماسياً روسياً كانوا يحومون حول هانسن". وذكر ايفانوف ان التعاون بين الأجهزة الخاصة في البلدين "سيصبح طيّ النسيان" للفترة المقبلة، على رغم انه أسفر عن نتائج مهمة في مجال مكافحة الارهاب الدولي ومنع انتشار التكنولوجيا النووية والصاروخية. وقال ل"الحياة" محلل سياسي روسي ان هذا التصريح على لسان سكرتير مجلس الأمن القومي قد يعني تخلي موسكو عن عمليات مشتركة مع واشنطن ضد اسامة بن لادن وتوقفها عن الوفاء بالتزامات سرية في شأن مراقبة انتشار وتسرب التكنولوجيات. ويرى السياسيون الروس ان القرار الاميركي كان جزءاً من خطة عامة هدفها "وضع موسكو في مكانها" ومنعها من لعب دور اقليمي ودولي. وذكر رئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف ان بلاده "لن تقبل ان يخاطبها أحد وكأنها جمهورية موز ونحن نعرف كيف ندافع عن مصالحنا". الموقف الفرنسي وحصلت روسيا على "تأييد" مفاجئ من باريس، اذ ذكر وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين ان ادارة جورج بوش "تشعر بالقرف من كلمة شريك" ولا تريد استخدامها في الحديث عن روسيا والصين. وأضاف ان بعض المسؤولين في الادارة الاميركية يحاول أن يتحدث الى روسيا ب"خشونة". ووعد بأن يتبع الاتحاد الأوروبي سياسة مخالفة هدفها المساعدة في تحديث روسيا. وظهر انزعاج موسكو في بيان شديد اللهجة اصدرته وزارة الخارجية الروسية لمناسبة ذكرى مرور سنتين على "العدوان الأطلسي على يوغوسلافيا". وذكر البيان ان "العدوان وما أعقبه من خطوات خاطئة اتخذتها الدول الغربية في كوسوفو ستبقى "صفحة سوداء في تاريخ أوروبا". ومن الواضح ان الهجوم على حلف الأطلسي يستهدف بالدرجة الأولى الادارة الاميركية التي وصفها الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف بأنها "الكاوبوي التكساسي الذي يريد اعتماد اخلاقه" في الشؤون الدولية. وتابع ان طرد الديبلوماسيين وموافقة واشنطن على استقبال مبعوث شيشاني وغير ذلك من الاجراءات غير الودية حيال موسكو، تهدف الى "خلق عدو". وأوضح ان الرأي العام الاميركي لم يعد يقتنع بأن أياً من العراق أو كوريا يمكن ان يؤدي هذا الدور. وعلى رغم ان زيوغانوف طالب الرئيس الروسي بأن يقصي من الحكومة والكرملين "غلاة الليبراليين الذين يرددون الحاناً أميركية" فإنه كان السياسي الوحيد الذي دعا الى "التريث واتباع سياسة متزنة ومدروسة".