يتزايد القلق العالمي تجاه الأوضاع المتردية في جمهورية مقدونيا، بعدما وصلت الجهود الرامية إلى حل سلمي للمشكلة التي أثارتها الحركة المسلحة الألبانية فيها، إلى طريق مسدود، وباتت هذه الدولة الصغيرة المتعددة الأعراق على شفير حرب أهلية قد تمتد إلى كل البلقان. ويتركز الصراع بين السكان من العرق السلافي المقدونيون الذين يتزعمون السلطات المقدونية، وبين الحركة الألبانية المسلحة التي يقودها تنظيم "جيش التحرير الوطني" وتحظى بتأييد واسع في صفوف الألبان، الذين يتجمعون في المناطق الوعرة بجبالها وغاباتها شمال غربي مقدونيا ويشكلون حوالى ربع السكان 500 ألف نسمة، بحسب الاحصاءات الحكومية التي لا يعترف الألبان بها. ويبدو أن المقاتلين اختاروا "تيتوفو" لوجود مزايا خاصة لها، تتمثل في أن غالبية سكانها ألبان، وهي ثاني أكبر مدينة في مقدونيا بعد العاصمة سكوبيا ويعتبرها الألبان عاصمة لهم في هذه البلاد، وينتشر فيها الوعي القومي الألباني، لأنها المقر المركزي للأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى و"الجامعة الألبانية"، كما أنها تشكل خطورة على العاصمة سكوبيا حيث ثُلث السكان من الألبان، ولا تزيد المسافة بينهما عن 40 كلم. ويقف الطرفان في سبيلين متناقضين، المقدونيون يعتبرون "الحركة المسلحة الألبانية" ارهابية، ويرفضون التحادث مع قادتها ويصرون على أن تلقي سلاحها من دون أن تحصل على أي مكاسب، في حين ترى الحركة أن مطالبها شرعية ولا يمكن التخلي عنها، لأنها تمثل مشكلة مزمنة يعاني الألبان منها، وفشلت محاولات انهاء هذه "المظالم" عبر المؤسسات الدستورية عن طريق قرارات برلمانية. تتركز المطالب التي أعلنها المقاتلون في اجراء احصاء سكاني عام باشراف دولي لتثبيت النسبة الحقيقية للألبان، يتم بموجب نتائجه تحديد نصيب الألبان في إدارة أكثر عدلاً للبلاد التي ينبغي أن تتحول إلى نظام اتحاد فيديرالي بين مناطق الشعبين المقدوني السلافي والألباني، إضافة إلى مطالب أخرى منها ثقافية تخص اعتبار الألبانية لغة رسمية إلى جانب المقدونية، والاعتراف الكامل بجامعة تيتوفو التي كان أسسها الألبان قبل 6 سنوات من دون الحصول على الموافقات القانونية كمؤسسة رسمية أسوة بجامعة سكوبيا. ومع ان هذه المطالب تبدو "معقولة" في ظل التحولات الديموقراطية الدولية، إلا أن المقدونيين يرفضونها، لأنهم يعتبرونها منطوية على نيات تدميرية لمقدونيا. إذ أن المساواة توفر المجال لاستفتاء تقرير المصير في الكيان الألباني الذي ستكون نتيجته الانفصال، لدخوله في مجال الأهداف العرقية الألبانية. وتحظى هذه المطالب بتأييد واسع في صفوف الألبان، بمن فيهم "الحزب الديموقراطي الألباني" بزعامة اربن جعفيري المشارك في الحكومة الائتلافية. فهو يعتبر المطالب نابعة من المشكلة الداخلية المقدونية، ويرفض "ادعاءات" المسؤولين ووسائل الإعلام المقدونية، التي تصف المقاتلين بأنهم "عناصر ارهابية قادمة من كوسوفو".وهدد جعفيري بانسحاب حزبه من الحكومة إذا واصلت اتباع خيار القوة في حسم القضية، وهو ما يخشاه الغرب، لأنه سيؤدي إلى انفلات سياسي داخلي يتطلب اجراء انتخابات مبكرة تشير كل التوقعات إلى أن "الحزب المقدوني القومي" الحاكم الموالي للغرب، سيفقد فيها السلطة لمصلحة الفئات اليسارية المتعاونة مع بلغراد في التشدد مع مطالب الألبان، خصوصاً أن الحكومة الحالية التي تتمتع بغالبية ثلاثة أصوات في البرلمان المتكون من 120 نائباً، تعتمد في بقائها على النواب ال11 للحزب الديموقراطي الألباني. كما أن مطالب ألبان مقدونيا تلقى رفضاً جماعياً من دول البلقان الأخرى، التي لا يخلو أي منها من أقليتين عرقيتين رئيسيتين على الأقل، لها مطامح مماثلة، ما يوفر المخاوف بانعكاس الأمر المقدوني على كل الجيران وإثارة موجة من المطالب والتمردات تقود إلى مشاكل خطيرة في المنطقة. ويعارض الأوروبيون تحركات الألبان الحالية، لأنهم يعتبرونها تحدياً لجهودهم الرامية لاستتباب السلام في البلقان والمحافظة على الحدود القائمة بين دوله، وضم هذا الجزء "المضطرب" من البيت الأوروبي إلى الاستقرار الذي توفر لأركانه الأخرى. لكن الأوروبيين، ومعهم حلف شمال الأطلسي، يتجنبون التدخل المباشر وزج جنودهم في هذه الأزمة، خشية الانزلاق في حرب غير نظامية تدور رحاها في أماكن وعرة. وازاء هذا الوضع المعقد لمشكلة مقدونيا الراهنة، فإن المخاوف تزداد اتساعاً من خروج الأمور عن السيطرة، ما يجعل المراقبين يرجحون تحول الصراع العرقي المحلي إلى حرب اقليمية تخوضها دول عدة، وبحيث يعيد التاريخ مآسيه في البلقان.