لم تثر مجموعة "معطف المافيا" التي تضم بين اعضائها اريك هاريس وديلان كلبولد 18 عاماً أي شبهات. فالشابان كانا بشهادة معارفهما حسني السيرة على رغم بعض التجاوزات المعهودة بين الطلبة في عمريهما كالنزعة الى التعالي والمبالغة في إظهار المشاعر أو الإعجاب بالحركات العنصرية المنتشرة بين مجتمعات البيض في الولاياتالمتحدة، ولم تظهر عليهما اي مؤشرات لارتكاب جرائم قتل جماعية. وفجأة نفذا مجزرة مدرسة كولمباين في مدينة ليتلتون في ولاية كولورادو الأميركية التي أسفرت عن مقتلهما إضافة الى ثلاثة عشر شخصاً آخرين في 20 نيسان ابريل العام 1999. ولد اريك هاريس لعائلة متوسطة يعمل والده كضابط في سلاح الجو الأميركي، وتنقل بين اكثر من منطقة الى ان استقر في ليتلتون بعد تقاعد أبيه. ويقول والده ان الانتقال من مدينة نيويورك حيث ترعرع الى البلدة الهادئة في كولورادو أثر سلباً على معنوياته. وفي صف الرياضيات تعرف إريك بديلان، واكتشفا الكثير من الجوامع المشتركة بينهما، كلاهما هادئان ويعشقان الكومبيوتر ويمارسان رياضة كرة القاعدة وإن لم يكونا جيدين فيها. وتميز إريك عن ديلان بأنه أكثر ذكاءً وأسرع إثارة. وفي الوقت الذي دخلا المرحلة الثانوية اصبحا اكثر انطواء وعدائية. وتذكر تيفاني تايغر إحدى صديقات هاريس إنها عندما رفضت دعوته للخروج معه هددها بالانتحار. وخلال السنة الدراسية الأخيرة تورط الصديقان بإشكال كسرا على أثره زجاج سيارة رفيق لهما. ولدى مثولهما امام القاضي تصرفا بلياقة وتهذيب فائقين، ما حمله على تخفيف الحكم عليهما. لكن دفتر مذكرات أحدهما كان مليئاً بعبارات الكراهية والحقد والعنف. وبدآ يبديان الإعجاب بأدولف هتلر والرايخ الثالث والغستابو الاستخبارات النازية ويرتديان أزياء سود. ولم تكن مصادفة أن نفذ إريك وديلان مجزرتهما في 20 نيسان ابريل ذكرى مولد هتلر. وخلال أحد الصفوف التطبيقية صور الرفيقان فيلم فيديو يظهر طلاباً في معاطف طويلة وهم يشنون هجوماً على المدرسة ويرديان كل التلامذة الرياضيين فيها. وسبق لهاريس ان برمج موقعاً على شبكة الإنترنت تمنى خلال احدى الرسائل التي وزعها عبره أن يقتل أكبر عدد من الناس من دون الشعور بالندم او الخجل. وقال إنه لا يأبه إذا قُتل خلال تبادل إطلاق النار ما دام قادراً على قتل الآخرين. وتضمن موقعه تعليمات لصنع القنابل اليدوية. واكتشف "مركز سيمون ويزنتال" المتخصص بملاحقة المواقع العنيفة في انترنت ان موقع اريك تضمن لعبة فيديو معدلة عن لاعبين يطلقان النار على أشخاص عُزل ويرديان أكبر عدد منهم، ويفوز في اللعبة من يحتفظ بذخيرة يقتل فيها زميله الذي أنهى ذخيرته مبكراً. ويبدو ان الصديقين الدمويين طبقا هذه اللعبة بحذافيرها إذ لم يعرف حتى اليوم ما إذا كانا انتحرا قبيل نفاذ ذخيرتهما ام ان اريك قتل ديلان ثم انتحر. ويصف أصدقاؤهما شخصيتيهما بالقول إن ديلان بدا كتابع لإريك الذي كان محدثاً لبقاً بإمكانه الخوض في أي موضوع لساعات طويلة. وتميز أيضاً بكاريزما وفردية ملحوظتين. وغالباً ما كان يثير موضوعات بطولية أو تحيي الإنسان البطل. وتميز أيضاً بموهبته الشعرية التي ولدت لديه احساساً بأنه اكثر ذكاء من باقي زملائه. وغلب على موهبته هذه التي وصفها اصدقاؤه ب"الشاعرية المرهفة" طابع سوداوي. وحفلت قصائده دائماً بصورٍ عن نباتات تحترق وشمساً تذوي. ولم يظهر عليه اي ميل عنصري خلافاً لما حصل يوم ارتكب المجزرة، وتعمد إهانة التلامذة الملونين قبل إطلاق الرصاص عليهم، وهو يلاحقهم من قاعة الى أخرى داخل المدرسة. وقبيل تنفيذ المجزرة شهدت مدرستهما تزايداً في عدد الإشكالات بين طلبتها، وأصبح أعضاء مجموعة "معطف المافيا" عرضة لسخرية باقي زملائهم بسبب ملابسهم الخارجة عن المألوف، واستقووا عليهم لكونهم من الفاشلين في الانضمام الى فرق المدرسة الرياضية، خصوصاً أن المدرسة كانت تفاخر بمهارات رياضييها وعدد البطولات التي حققوها على صعيد الولاية. وقبل خمسة ايام من وقوع المجزرة، رفض سلاح المارينز الأميركي طلباً للتطوع قدمه اريك بحجة انه كان يتناول دواء "فيلوكس" المضاد للكآبة. وقبل يوم من ذلك رفضت إحدى تلميذات صفه واسمها براندي تينكلنبرغ دعوته لاصطحابها الى حفلة التخرج. ورُفضت في الفترة نفسها طلبات قدمها للانتساب الى عدد من الجامعات. لكن معارف اريك وديلان يؤكدان ان الصديقين شرعا بالتخطيط للمجزرة منذ أكثر من عام وأنهما كانا يجمعان الذخائر ويركبان العبوات التي زرعاها في المدرسة قبل وقت طويل لكن أحداً من القريبين منهما لم يشكك للحظة واحدة انهما قادران على تنفيذ هذه الجريمة. خصوصاً أن حفظ السلاح أمر يكفله الدستور الأميركي. واستغرق إطلاق الرصاص داخل مدرسة كولمباين نحو 20 دقيقة ولم تستطع وحدات الشرطة إخراج الطلبة من المدرسة إلا بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة بسبب وجود ثلاثين عبوة زرعها التلميذان داخل قاعات التدريس انفجر نصفها لكن ضررها كان محدوداً.