تتكثف الاتصالات السياسية تحضيراً للقمة العربية التي ستعقد في عمّان في 27 آذار مارس المقبل، فيما يتوقع ان تتصدر التطورات العراقية أجندة أول قمة عربية بعد انتخاب الادارة الأميركية الجديدة. في المقابل ستتنافس مسألة مستقبل التسوية السلمية للفوز باهتمام القادة العرب، غداة تشكيل حكومة اسرائيلية برئاسة الجنرال ارييل شارون. ويبدو ان الادارة استبقت القمة بتحديد أولوياتها في المنطقة: احتواء العراق للمحافظة على المصالح الاميركية في الخليج أولاً، ثم تحريك عملية السلام ثانياً. وتفيد مؤشرات أن هناك مساعي عربية باتجاه الاتفاق على دعم "آلية" لإنهاء العقوبات المفروضة على العراق، في مقابل تقديم بغداد "إعلان نيات" لطمأنة الجيران. ولا يتعارض ذلك عملياً مع التحرك الأميركي الأخير لوقف "الهرولة" العربية باتجاه بغداد، كما لا يتعارض "الاحتواء" مع تأكيد واشنطن أنها تعد لتخفيف العقوبات الاقتصادية. يأتي انعقاد القمة العربية في عمّان مواتياً من ناحية جيوبوليتيكية. فالأردن جار للعراق وفلسطين في آن، وهو أكثر دول المنطقة تأثراً بالملفين شرقاً وغرباً، اللذين شهدا سخونة أخيراً بعد السقوط الدرامي لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، والغارات الأميركية على أهداف عسكرية قرب بغداد عشية جولة وزير الخارجية الاميركي كولن باول، وهي غارات بعثت برسالة واضحة إلى دول المنطقة في شأن توجهات إدارة الرئيس جورج بوش. وترى مراجع سياسية أردنية رفيعة المستوى ان ادارة بوش تحركت سريعاً لوقف ما اعتبرته "هرولة" عربية في اتجاه العراق، خلال الأشهر الأخيرة من ادارة عهد الرئيس بيل كلينتون، التي انشغلت بملف مفاوضات السلام والانتخابات الاميركية. وعبرت "الهرولة" عن نفسها بتسابق دول عربية على توقيع اتفاقات تجارة حرة مع العراق، بعدما تسابقت على تنظيم رحلات إلى "مطار صدام" في بغداد، في خرق للحظر الاميركي - البريطاني على الرحلات الجوية الى العراق. ويقول مسؤول أردني رفيع المستوى إن الغارات الأميركية كانت بمثابة "قصف سياسي" لمبادرات الانفتاح العربي على العراق، والذي تعتبره واشنطن "تطبيعاً" مرفوضاً مع هذا البلد. لكن الادارة الاميركية اضطرت في المقابل إلى الخروج بمبادرة "تعديل الحظر" لاحتواء الضغوط المتزايدة على الصعيدين الاقليمي والدولي لرفع العقوبات. إذ أن واشنطن خسرت في شكل واضح حرب العلاقات العامة في مواجهة العراق، في ما يتعلق بالمسؤولية عن استمرار معاناة شعبه. وكان من الضروري، من وجهة نظر اميركية، أن يتم الفصل بين العقوبات الاقتصادية والعسكرية، كخطوة استباقية تحول دون انهيار برنامج العقوبات برمته، وتنقل مسؤولية المعاناة الانسانية من واشنطن الى بغداد. عربياً، هناك بوادر تبلور اجماع على تأييد المبادرة الأميركية لرفع العقوبات الاقتصادية، مع تحفظات شديدة عن فكرة "تشديد الرقابة العسكرية وزيادة العزلة السياسية لبغداد". وكان الموضوع اثير خلال المحادثات التي اجراها الملك عبدالله الثاني مع الرئيسين حسني مبارك وياسر عرفات اللذين زارا عمان هذا الأسبوع. واعتبر تشديد وزير الخارجية المصري عمرو موسى بعد المحادثات الأردنية - المصرية على انهاء معاناة الشعب العراقي مع احترام قرارات الشرعية الدولية، تأييداً غير مباشر للمبادرة الأميركية في شأن تخفيف العقوبات، من دون الموافقة على جانبها العسكري. ومعروف ان دول الخليج العربية، بما فيها الكويت، أيدت رفع العقوبات الاقتصادية، لكنها شددت على استمرار الرقابة العسكرية لضمان عدم عودة النظام العراقي إلى تهديد جيرانه. ولا تختلف أجواء القاهرة عن أجواء عمّان حيال التحرك الأميركي الذي تمثل في جولة باول، إذ يرى المسؤولون المصريون أن الوزير تحرك تكتيكياً وبسرعة عاصفة كجنرال سابق، وأعلن أن خطته الجديدة ستنضج عشية قمة عمّان، وأن بلاده ستسعى إلى الحصول على مساندة جامعة الدول العربية. لكن ما بدا كاعتراف رسمي ب"بيت العرب" ونفوذه، إنما يرمي الكرة في الملعب العربي، ويصادر "سيناريوات" أخرى عملت عواصم عربية على تمريرها طوال الاشهر القليلة الماضية. فواشنطن حصرت المسألة في "تخفيف" الحظر مع إبقاء العقوبات التي تسميها "ذكية"، بينما كان التوجه العربي العام إزالة العقوبات بالكامل، في مقابل التزام بغداد قرارات الشرعية الدولية. لكن باول الذي فكر كثيراً في نماذج من كل مكان، يطبقها على الحال العراقية كان يقترب من نموذج كوبا، وليس إعادتها الى الحظيرة العربية. وعلى رغم ذلك، فإن طرحه لم يُرفض بالكامل، ولكن، بحسب تعبير ديبلوماسي في الجامعة العربية لا ينبغي أن تتعامل مع القضية العراقية الأجندة الأميركية وحدها. وبالفعل انشغل العالم العربي بأجندته، وبدأت القاهرة جهود وساطة بين بغداد وكل من الرياضوالكويت. وبحسب المصادر السياسية المطلعة فإن القمة المصرية - الأردنية رسمت الى حد كبير حدود الموقف العربي الذي سيجري التشاور في شأنه قبل القمة العربية وأثناءها، وهو يتجه الى الاتفاق على دعم "آلية" عملية لإنهاء العقوبات المفروضة على العراق، في اطار رأب الصدع وإعادة التضامن، وتحقيق المصالحة العربية الشاملة، مع احترام البعد الدولي للمشكلة. وهذه الآلية يترتب عليها تشجيع العراق على مواصلة الحوار مع الأممالمتحدة، ومن ثم تعاونه في مقابل تنفيذ المنظمة الدولية إلتزاماتها. وتلتفت هذه الآلية وبتركيز شديد الى "أزمة الثقة" بين بغداد وجيرانها في الخليج العربي، بتشديدها على تسوية مشكلة الأسرى والمفقودين الكويتيين، وتقديم بغداد "إعلان نيات" واضحاً تجاه الجيران وحدودهم الآمنة والمعترف بها، لتبديد أكثر من عشر سنين من الشكوك.