تعلن محكمة العدل الدولية عند الثالثة بعد الظهر بتوقيت لاهاي حكمها في النزاع الحدودي بين البحرينوقطر، منهية أطول قضية في تاريخ المحكمة منذ تأسيسها عام 1945، وأول نزاع تنظر فيه بين دولتين عربيتين. وتشهد القاعة الكبرى في قصر السلام أكبر حشد ديبلوماسي، فيما سجل رقم قياسي لاكاديميين وقانونيين طلبوا الحضور والاستماع من المنصة الخاصة بمتابعة الحكم الذي ينتظر أن يخرج باجتهادات قانونية جديدة ستتحول مادة للدراسة. وقال مصدر ديبلوماسي في باريس ل"الحياة" إن هيئة القضاة الذين ينظرون في النزاع كانت حتى مساء الأربعاء تضع الصيغة النهائية للحكم، ويفترض أن تكون أنجزت ذلك مع رسم الحدود البحرية الجديدة. واستبعد أن يكون قرارها، بعد هذا الوقت الطويل الذي استغرقته القضية، الحفاظ على الوضع القائم حالياً بين البلدين، أو أن تكون غلّبت مطالب طرف على مطالب الطرف الآخر كما أشيع أخيراً. وكشف، وهو يشرح ل "الحياة" على خريطة الحدود البحرية الجديدة، أن ما رشح من الصياغات الأخيرة يشير إلى إبقاء جزيرة حوار في يد البحرين مع جزيرتين صغيرتين تتصلان بها، وإبقاء الزبارة تحت سيادة قطر التي يعطيها الحكم فشت الديبل، علماً أنها كانت أنزلت فيها قوات عام 1986 وكادت أن تتسبب في مواجهة مع جارتها معتبرة أنها قطعة استراتيجية لحقل الغاز في الشمال. كذلك يعطيها الحكم جزيرة جنان وقطعة الشجرة ومغاصات اللؤلؤ القريبة من حقل الشمال. وأوضح أن هذه الصياغة شبه النهائية تعني أن المحكمة رسمت الحدود البحرية بين البلدين، ولم تكتف بعرض المبادىء التي تحكم هذا النوع من النزاعات. كما تعني أن القضاة لم يعتبروا البحرين دولة - ارخبيلاً. الى ذلك، خرقت محكمة العدل أعرافها المألوفة بعدم الادلاء بأي موقف، وذلك بالاعلان عن مؤتمر صحافي لرئيس المحكمة القاضي غيلبرت غيوم يعقده بعد 15 دقيقة من انتهاء النطق بالحكم. وسيقتصر المؤتمر على بيان يدلي به من دون تلقي أي أسئلة. وربطت مصادر ديبلوماسية المبادرة الاعلامية للمحكمة بالظروف الخاصة والمثيرة التي تحيط بالنزاع، وبالحرص على إيضاح الآليات المعقدة التي توصل من خلالها القضاة الى الحكم النهائي. وفي لاهاي اكتمل عقد مندوبي الدولتين وموفديهما الاعلاميين فضلاً عن عشرات المحطات التلفزيونية العالمية التي ستنقل الى العالم وقائع قراءة الحكم، الذي يتضمن عرض مجموعة من الخرائط والمخططات التي توضح خط ترسيم الحدود البحرية، وهي النقطة التي تعد ذروة الحكم. ويوجه أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مساء اليوم كلمة إلى الشعب البحريني عبر الاذاعة والتلفزيون بعد جلسة النطق بالحكم، ووصفت "وكالة أنباء الخليج"، أمس، نقلاً عن مصادر قريبة من الديوان الأميري، كلمة الأمير بأنها ستكون "تاريخية ومهمة" يتناول فيها مرحلة ما بعد النطق بالحكم ورؤيته لمستقبل العلاقات مع قطر وسبل تعزيزها. وعلم ان امير البحرين سيقوم بجولة خليجية بعد الحكم يبدأها بالسعودية ويحتمل ان يزور الدوحة بعد غد الاحد. ودعا بعض رؤساء النوادي في البحرين أعضاءها والمواطنين عموماً إلى التجمع في مقر هذه النوادي مساء اليوم لمتابعة جلسة النطق بالحكم التي ستبث على الهواء مباشرة من خلال تلفزيون البحرين. على صعيد آخر، تلقى أمير البحرين أمس اتصالاً من الرئيس جورج بوش، وبحثا في العلاقات الثنائية والتطورات الاقليمية ومسيرة السلام في الشرق الأوسط. واذيع في المنامة ان الرئيس الأميركي أعرب عن تطلعه للقاء قريب مع الأمير في الولاياتالمتحدة، مهنئاً اياه على المبادرات التي قام بها في مجال الاصلاحات الدستورية لتحقيق المزيد من الديموقراطية. وأشاد الشيخ حمد بالتعاون بين البلدين في شتى المجالات، خصوصاً في ما يتعلق باستتباب الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، مؤكداً "أن هذا التعاون الذي امتد لأكثر من ستين عاماً يشهد تطوراً ونماء مبنيين على الثقة المتبادلة بين القيادتين والشعبين". وفي الدوحة، قال مصدر قطري رفيع المستوى ل"الحياة" إن بلاده تنظر إلى اغلاق ملف الخلاف الحدودي اليوم "نظرة مستقبلية تفتح آفاق علاقات جيدة ومتميزة بين قطروالبحرين اللتين يرتبط شعباهما بعلاقات ذات جذور تاريخية". واعتبر ان اغلاق هذا الملف "سيؤدي إلى طي آخر ملف حدودي بعدما قامت الدوحة بترسيم حدودها مع السعودية والإمارات وإيران، كما سيؤدي إلى انعاش الوضع الاقتصادي القطري وتطوير الخدمات في الدولة". وشدد على أن الدوحة "تولي هذا الملف الشائك أهمية كبيرة، باعتبار أن اغلاقه سيجنب أجيال المستقبل الخلافات في هذا الشأن". وقال إن الرأي العام القطري "يعتبر أن أي حق تحصل عليه قطر في مطالبها التي رفعتها إلى المحكمة هو مكسب للدوحة، إذ أن الأمور كلها الآن في يد البحرين". وأكد المصدر أن بلاده لن تحتفل بنتيجة الحكم، وقد أبلغت ذلك سلفاً إلى جارتها من زمن. بل هي أكدت أنها ستلتزم هذه النتيجة. وفيما ترى قطر أن "حوار تتسم بأهمية معنوية خاصة عند القطريين"، قال المصدر إن المناطق الأخرى موضع النزاع "تكتسب أهمية لما تحتويه من ثروات طبيعية وحقول للغاز والبترول، أكدت شركات عدة تعمل في الدوحة وجودها "خصوصاً في فشت الديبل ومغاصات اللؤلؤ التي تطالب بها البحرين". وأكد "أن الشق البحري له أهمية قصوى لدى القطريين بسبب وجود ثروات طبيعية ستؤثر في مستقبل البلاد".