مع بدء النهوض الحضاري العربي الإسلامي وتوسعه ظهرت المؤلفات الجغرافية العربية وتطورت لتقوم في كل فترة بالتوثيق الجغرافي والبلداني، ولعل أهميتها تعود الى أنها عكست بصورة ما ذلك الواقع التاريخي وأحياناً بتفصيلاته. بقي التراث العربي الجغرافي مخطوطاً ومحفوظاً في المكتبات، الى أن صدرت طبعاته الاستشراقية بالتتالي وباهتمام من قبل المستشرق الهولندي دي غويه 1836- 1909 في سلسلة "المكتبة الجغرافية العربية" في عشرة أجزاء، صدرت ما بين عامي 1870- 1894 معتمداً فيها على مخطوطات مكتبة ليدن الشهيرة. وتضمنت الكتب الأمهات الجغرافية والتاريخية ومنها: - كتاب البلدان لليعقوبي توفي 284ه/ 897م يُعنى هذا الكتاب بالجغرافية الاقتصادية وإحصاءات الجباية: نشر منه دي غويه في البداية "وصف المغرب" وذلك في ليدن سنة 1850، ثم نشره كاملاً ضمن "المكتبة الجغرافية العربية في عام 1892. وأصدرت نشرة "دي غويه" الكتاب في بغداد سنة 1938. ونُشرت له ترجمة فرنسية في القاهرة سنة 1937. - فتوح البلدان الصغير للبلاذري: نشره دي غويه ضمن السلسلة السابقة عام 1870 في ليدن، ثم نُشر في القاهرة ثلاث مرات بين 1893 و1931، كما نُشرت له ترجمات إنكليزية وألمانية. - مسالك الممالك للاصطخري توفي سنة 350ه نُشر في سنة 1872. - صورة الأرض لابن حوقل بدأت رحلته في سنة 331ه أيضاً نُشر في سنة 1872. - أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي. وضع الكتاب في سنة 375ه 985م وهو من أهم جغرافيي القرن الرابع الهجري، عرض في كتابه كما أوضح بروكلمان صورة للعالم الإسلامي شديدة الوضوح غنية المحتوى. نشره دي غويه في المجلد الثالث من "المكتبة الجغرافية العربية" في سنة 1877، وطُبع ثانية في سنة 1906. - التنبيه والإشراف للمسعودي توفي المسعودي في سنة 345 ه/956م ونشره دي غويه في المجلد الثامن من "المكتبة الجغرافية العربية" عام 1894 في ليدن. ونُشر في مصر أيضاً في سنة 1938. وتُرجم الى الفرنسية. - مختارات من كتاب الخراج لأبي فرج قدامة بن جعفر توفي حوالى 310ه/ 922م يعرض لنظام البريد والجباية والإدارة. نشر دي غويه مقطوعات منه في المجلد السادس من "المكتبة الجغرافية العربية". - أعاد دي غويه نشر "رحلة ابن جبير" في ليدن عام 1907. والجزء الخاص ب"افريقيا والأندلس" من نزهة المشتاق للإدريسي بالاشتراك مع دوزي مع ترجمة فرنسية في سنة 1866. - كتاب "تاريخ الرسل والملوك" للطبري 224ه/ 639م - 310ه/ 923م وهو أول من صنف تاريخاً كاملاً باللغة العربية منذ مطلع الزمان الى أيامه، ينهج فيه نهج الحوليات. نشر للمرة الأولى من قبل دي غويه في ليدن ما بين سنتي 1897 - 1898 في 15 مجلداً بالتعاون مع عدد من المستشرقين المتخصصين في اوروبا اعتماداً وتجميعاً لمخطوطات الكتاب في مكتبات العالم. وأضيفت له مقدمة وفهرس في ليدن سنة 1901. وهو من أهم الإصدارات التاريخية ل دي غويه. ثم نشر في القاهرة في 13 جزءاً سنة 1910. ونشرت منه موضوعات بعينها وترجمت الى لغات عدة مثل الألمانية والفرنسية والفارسية والتركية. - ومن إصدارات دي غويه التاريخية أيضاً "الكامل في التاريخ" لابن الأثير. - وأصدر جزءاً من "تاريخ مكة" للأزرقي توفي بعد سنة 224ه/858م وذلك في لايبزيغ سنة 1858. - ونشر "تجارب الأمم" لابن مسكويه في ليدن ما بين سنتي 1909 - 1912. - قام بوضع تقاويم للتاريخ والجغرافية الشرقيين في ثلاثة مجلدات في ليدن سنة 1862، كما أصدر كتاب "المذكرات الشرقية التاريخية والجغرافية" عالج فيه قضايا تاريخية. كانت هذه أعمال تحقيق ونشر استشراقية لأوائل وأمهات الكتب العربية الجغرافية والتاريخية وهو أول نشر لها، ولا يعتقد انه تلت هذه الطبعات الاستشراقية طبعات عربية حقيقية لها، إلا ما كان إعادة طبع للنشرات الاستشراقية منها. والسؤال: هل المطلوب من دور النشر العربية الكبرى والمشهورة ان تكرر النشرات الاستشراقية؟ أليس المطلوب من النشر العربي المتبني نشر التراث العربي منهجاً وابتكاراً وتجديداً؟ إن إعادة نشرنا لتراثنا تعادل إعادة إنتاجنا له. وإن السعة الحضارية العربية أولدت هذه المؤلفات وأبقتها حية في مرحلة "النسخ" وهو الفاعلية التراثية العربية المقابلة للنشر المطبعي. وفي فترة طويلة تالية من السبات تحنطت هذه المؤلفات في شكلها "المخطوط" في رفوف مبعدة ومعزولة. لكن الاستشراق بسبب ظروف حضارية وسياسية لم يكن معنياً بهذا "الإبعاد" فقام ببث الحياة من جديد في الهرم التراثي العربي.