عندما رقي اريل شارون الى رتبة كولونيل سنة 1958 سأله رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون "هل أقلعت عن عادة الكذب؟"، وجواب شارون مسجل في مفكرة بن غوريون بتاريخ 24 تشرين الثاني نوفمبر من تلك السنة وهو "اعترف شارون بأنه في مناسبات قليلة لم يقل الحقيقة". شارون لم يقل الحقيقة هذا الشهر ايضاً، فأول دعاية تلفزيونية له رددت كلمة السلام 20 مرة، مع أنه لم يصل الى الترشيح لمنصب رئيس الوزراء إلا عن طريق الحرب والتطرف، وهو قبل أسابيع من ترشيحه كان يهدد أبو عمار، ولكن وجد نفسه متقدماً على ايهود باراك فتنصل فوراً من دعوة حليفيه افيغدور ليبرمان ورحبعام زئيفي الى ضرب سد أسوان وايران، مع ان دعوتهما أقرب الى سياسته من حديث السلام. اكتفي اليوم بصور عن شارون، كلها من مصادر غربية واسرائيلية، فهو زعم ان هناك محاولة لجعله يبدو كشيطان يأكل أطفال العرب على الإفطار. لذلك أترك العرب ورأيهم في شارون، واكتفي بآراء الآخرين. هناك رأي الطالبة ايليل كومي، بنت الستة عشر عاماً، فهو عندما دخل مدرستها وقفت وصرخت في وجهه "أنت أرسلت والدي الى لبنان، أنا اتهمك بأنك جعلتني أعاني 16 سنة. أنا اتهمك بأنك جعلت والدي يعاني 16 سنة. أنا اتهمك بأشياء كثيرة جعلت الناس في هذا البلد يعانون. لا اعتقد انك تصلح للانتخاب رئيساً للوزراء". نعرف اليوم ان رأي غالبية الاسرائيليين غير رأي ايليل، ولكن الاسرائيليين اختاروا شارون وهم يعرفون من هو، وما يمثل من دموية وتطرف. قبل سنوات انتج سينمائي اسرائيلي هو أفي مغربي فيلماً عن شارون بعنوان "كيف تغلبت على خوفي وتعلمت أن أحب اريك اسم دلع له شارون". والعنوان مأخوذ من فيلم مشهور لعب دور البطولة فيه بيتر سيلرز، وكان عنوانه "كيف تغلبت على خوفي وتعلمت ان أحب القنبلة" الذرية. اليوم هناك ترسانة نووية في اسرائيل لا يعتقد أحد ان شارون سيستعملها، ولكن المعلقين كافة تحدثوا عن "اليوم التالي"، وهي عبارة نحتت في الأصل عن اليوم التالي لحرب نووية، ما يعكس مرة اخرى رأي الاسرائيليين في الرجل الذي اختاروه رئيساً للوزراء. أغرب ما في موضوع اريل شارون سجله العسكري، فهو سيء مع ان شهرته في اسرائيل وخارجها انه قائد "بطل"، وان نجاحه العسكري هو الذي صنع مستقبله كسياسي. العرب يعرفون عن قبيه وصبرا وشاتيلا، ويعرفون عن اجتياح لبنان وما تكبدت اسرائيل من خسائر، حتى انسحبت مهزومة السنة الماضية. الا ان سجل شارون الآخر ليس أفضل، فحتى عندما قاد جنوده في ثغرة الدفرسوار سنة 1973 لم يسجل نصراً عسكرياً يرضى عنه رؤساؤه، لأنه تكبد خسائر هائلة أدت الى إرغامه على ترك الخدمة العسكرية سنة 1973. وهو كان سنة 1956 عصى أوامر قادته وهجم بجنوده عبر ممر متلا، فوقعوا جميعاً في كمين عسكري مصري، وقتل منهم أربعون أو أكثر، وكانت النتيجة ان ترقيته الى جنرال جُمّدت سبع سنوات. ولم يكن سجل شارون الشخصي أفضل من سجله العسكري، فهناك معلومات عن اقامته علاقة مع أخت زوجته الأولى مارغاليت، وان هذه توفيت في حادث سيارة. وهناك شكوك حوله، فهل انتحرت عندما علمت بعلاقة زوجها بأختها؟ شارون تزوج الأخت ليلي بعد ذلك، وهذه توفيت في آذار مارس الماضي. ربما كانت اخلاق شارون آخر همومنا، فنبقى مع واقع انه طرد من الجيش سنة 1973 وطرد من وزارة الدفاع سنة 1983، وبنى اسمه دائماً كسياسي متطرف، قد لا يأكل العرب على الإفطار، إلا أنه يتمنى ذلك. شارون اليوم يزعم انه طالب سلام، والعرب لا يصدقونه، كما لم يصدقه بن غوريون في الخمسينات، ولا يصدقه اليوم أوري سافير، الذي اشتهر كمفاوض في اوسلو، وهو الآن عضو في الكنيست، ويرأس مركز بيريز للسلام في اسرائيل. سافير كتب مقالاً في "هاارتز" بعنوان "دعوني أحذركم"، وهو حذر الاسرائيليين من انتخاب شارون، وقال انه عشية اغتيال رابين كانت هناك مؤشرات واضحة لم يرها الاسرائيليون، وعشية حرب 1973 كانت هناك مؤشرات واضحة عُمي عنها الاسرائيليون، واليوم هناك مؤشرات واضحة، إلا ان الاسرائيليين مصابون بعمى سياسي، ولا يقدرون حجم الكارثة التي سيعنيها انتخاب اريل شارون. لو اقتصرت الكارثة على اسرائيل لما اهتممنا، ولكن الأرجح ان كارثة شارون ستضرب المنطقة كلها، ومع ذلك فهو يتحدث عن السلام حتى اقنع نفسه بكذبته، فأختتم بالطبيب الذي اعترف بأن سمع شارون ضعيف، وهو على ما يبدو ضعيف الى درجة ان يعتقد شارون ان طبول الحرب هي موسيقى السلام.