التمساح التمساح، لا يكون إلاّ في النيل، ويكون في نهر السند مِهْران، فإذا عضَّ أوغل أسنانه واختلفت، فلم يدع ما أخذه حتى يقطع بأسنانه ما قبض من شيءٍ، وحنكه الأعلى يتحرك ولا يتحرك الأسفل، وليس ذلك في غيره من الدواب، ولا يعمل الحديد في جلده، وما بين رأسه وذنبه عظم واحد، وليس يلتوي ولا ينقبض لأنه ليس في ظهره خرز، وإذا انقلب لم يستطع أن يتحرَّك، وإذا سفد الذكر الأنثى خرج من النيل فيلقيها على ظهرها ثم يأتيها مثل ما يفعل الرجل بالمرأة، فإذا فرغ أقلبها، وإن أقرّها على ظهرها صيدت، لأنها لا تقدر أن تنقلب، وذنب التمساح حادٌ جداً، فربما قتل من الضربة، وربما جرّ الثور الى نفسه فيأكله، وله بيض مثل بيض الأوزّ، ويبيض ستّين بيضة، وله ستُون فإذا سفد ففي ستين مرة، فإذا خرج التمساح من بيضة خرج مثل الحرذون في خلقه وجسمه، فيعظم حتى يكون عشرة أذرع أو أكثر، وهو يزيد كلما عاش، وان أُخذ من جانب حنكه الأيمن، أول سن في الحنك وعُلق على من به حمى نافض تركته من ساعته، وربما دخل اللحم في خلال أسنانه فيفتح فاه، وله صديق من الطير يشبّه بالطيطوى، يجيئه حتى يسقط على شدقه فيخلل بمنقاره ذلك اللحم، فيكون ذلك طعاماً للطير، وترفيهاً للتمساح لأنه ينقّى ما في أسنانه من اللحم ويحرسه هذا الطائر ما دام ينقّى أسنانه فإن رأى صياداً أو إنساناً يريده. أو ابن عِرس فإنه عدوه أعلمه ذلك وذلك ان ابن عرس يجيء الى التمساح وهو نائم ويحبُّ النوم على شط النهر فيستحمّ في الماء ويتمرغ في الطين ثم ينتفض حتى يقوم شعره في فم التمساح فيقتله قتلاً عنيفاً أو يأكل ما في جوفه فلذلك الطير يحرس التمساح وإذا رأى ابن عرس مقبلاً أنبه التمساح وآذنه فيهرب التمساح الى الماء .... مخلوقات النار ... وطائر يعرف بالسمندل يدخل النار فيتمرغ فيها ثم يخرج منها كما دخل لم تحترق من ريشه ولا واحدة. وذكر طمياث الحكيم في كتاب الحيوان: إن بالمشرق طائراً يقال له بنجس في مدينة يقال لها مدينة الشمس وليس له أنثى ولا شكل يشبهه. وأهل تلك المدينة يعبدون الشمس ويسجدون لها عند طلوعها. وتسمى المدينة اغفطوس. وهذا الطائر يكون بها ويعرف في غيرها. فإذا أراد الله بإذنه فيجمع بمنقاره شيئاً كثيراً من عيدان الدار صيني. ثم لا يزال يضرب تلك العيدان بجناحيه مكبّاً على ذلك لا يفتر، حتى تشتعل ناراً. فإذا علا لهبها قذف نفسه فيها حتى يحترق وتأكله النار فيصير رماداً. فإذا كان بعد أيام يعرفون عددها، تُصوّر من ذلك الرماد دودة كبيرة فلا تزال تكبر حتى تصير مثل الفرخ ثم ينبت الله له جناحين وريشاً وتعود صورة ذلك الطائر لا يغادر منه شيئاً. وأهل هذه المدينة يذكرون ان ذلك يكون في كل خمسمئة سنة. وفي بعض مدن خراسان هوة عظيمة في جبل فيها نار تتقد ولا تطفأ شتاء ولا صيفاً. وفي هذه الهوة جرذان كبار بيض تخترق النار في دخولها وخروجها، فإذا كانت خارجة من الهوة ونظرت الى انسان بادرت فخاضت النار مخترقة للهوة الى مواضعها لا تؤذيها النار ولا تحرقها. مناخ ... ومن عيوب مصر انها لا تمطر، ويكرهون المطر ... ومن عيوبها الريح الجنوبة التي يدعونها المَرِيسيّة، وذلك انهم يسمُّون أعلى الصعيد الى بلد النوبة مَرِيسَ، فإذا هبّت الريح المريسية ثلاثة عشر يوماً تباعاً اشترى أهل مصر الأكفان والحنوط، وأيقنوا بالوباء .... حجارة ... ومن عجائب مصر: الشبُّ وهو حجر أسود مجدَّر يطفو فوق الماء، والأبنوس يرسب في الماء، فأيُّ شيءٍ أعجب من خشب يرسب في الماء، وحجر يطفو على الماء؟ وضروب من الخشب ترسب في الماء: الأبنوس، والشيز، والعُنّاب، والآهندال، وحجر المغناطيس عجب وإن شأن الألماس لعجب، ومن أعاجيب الحجارة الحصاة التي في صورة النواة، تسبح في الخلّ كأنها سمكة، والخرزة التي تجعل في حقو المرأة لئلاّ تحبل، والحجر الذي يوضع على حرف التنُور فيساقط خبزَ التنور كله، ويدّعون ان كعب الأرنب إذا شُدَّ بساق الملسوع لم يضرّه... من "كتاب البلدان" لابن الفقيه المتوفى في مطلع القرن العاشر للميلاد. عالم الكتب، بيروت، 1996. تحقيق يوسف الهادي.