في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات توقفت حرب الخليج ولكنها لم تنته بعد. بعد أسابيع من الحرب الجوية كان ممكناً ألا تطول الحرب البرية أكثر من يوم واحد، والأمير خالد بن سلطان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، كتب في "مقاتل من الصحراء" يقول ان الجنرال شوارتزكوف القائد الأميركي، أبلغه صباح 25 شباط فبراير انه يتوقع ان يتلقى أمراً من الرئيس بوش بعد قليل لوقف القتال، أي بعد يوم واحد فقط من بدئه. الا ان سقوط صاروخ سكود عراقي على الثكنات الأميركية في الظهران أخر الأمر، فلم يصدر حتى منتصف ليل 27 شباط بتوقيت شرق الولاياتالمتحدة، او الثامنة صباحاً من مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات. ولعل من أسباب توقف الحرب البرية في هذه الساعة ان يقول الأميركيون ان الحرب انتهت في مئة ساعة. هل كان وقف الحرب بسرعة، قبل اطاحة صدام حسين أو اضعافه الى درجة تمكن المعارضة العراقية من اطاحته خطأ؟ نستطيع ان نناقش هذا السؤال عشر سنوات أخرى من دون ان نصل الى اتفاق، ولكن ما لا خلاف عليه هو الفشل في صفوان، والكلمات الأخيرة هذه ليست لي، وإنما هي عنوان فصل في كتاب الأمير يظل من أفضل المراجع عما حدث في خيمة المفاوضات في الثالث من آذار مارس 1991. كان رأي الأمير خالد ان يصرّ التحالف على حضور أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في بغداد ليوقع وثائق الاستسلام، ما يحرم صدام حسين في المستقبل من القدرة على الادعاء انه انتصر، الا ان الأميركيين جعلوا من المفاوضات عملية علاقات عامة، ومثل العراق نائب رئيس الأركان وقائد الفيلق الثالث، او ما بقي منه بعد القتال، ونجا صدام حسين من المصيدة بعد أن وقع فيها، واعترف الرئيس بوش الأب في مقابلات عن مذكراته ان الأمير خالد أصاب وهم اخطأوا. بعد عشر سنوات من تلك المهمة التي لم تنجز، خاض جورج بوش الابن انتخابات الرئاسة الأميركية، ومن وعوده فيها "إكمال المهمة" ضد صدام حسين. غير ان الغارات "الروتينية"، ودعم معارضة "الفنادق"، والعقوبات المتراجعة، لن تحقق هدفاً يبدو ان بوش الابن ليس اكثر جدية في طلبه من أبيه. عندما عدت الى ما كتبت بعد احتلال الكويت، وحتى تحريرها، فوجئت بأنني والزملاء توقعنا ضربة هائلة، وتوقعنا تحرير الكويت، وحذرنا من تدمير العراق. ورأينا هذا ونحن نعلق على الاخبار من معلومات متوافرة لكل الصحافيين، ولم يره الرئيس صدام حسين وهو على رأس نظام قوي. وأختار مما كتبت: يسرنا ان نسمع الرئيس صدام حسين يستجيب الى نداء العقل والعدل والاعتدال، ويسحب قواته من الكويت قبل ان تقع كارثة تتجاوز حدودها الكويتوالعراق الى الأمة العربية كلها 5/9/1990. كل المطلوب الآن، وقد وقعت الخسارة وستظل تزيد، جرأة في العودة عن الخطأ تعادل الجرأة في ارتكابه، والطريقة الأسرع والأسلم هي انسحاب القوات العراقية من الكويت وعودة الشرعية اليها قبل وقوع الكارثة الكبرى... 17/9/1990. داعياً صدام حسين الى الانسحاب... وهو اذا فعل لا يرفع الظلم عن أهل الكويت فقط، بل يحمي جيشه وبلده من خسارة مؤكدة... 1/10/1990. وإذا نزع الرئيس صدام حسين الى السلم، فهو سينقذ العراق قبل الكويت 4/11/1990. اذا صدق الرئيس العراقي ادعاءاته، وصدق انصاره الذين سيخربون بلادهم وقضاياهم مع العراق، فان المطروح سيصبح شيئاً واحداً هو حجم خسارة العراق ومداها، وليس هل يخسر او لا يخسر... ان المطروح هو حجم الخسارة العراقية، ومن بعدها الخسارة العربية العامة، فهي محتمة... 13/1/1991. عندما يضيع انسان الفرصة تلو الأخرى يضيع نفسه في النهاية... سرد للفرص التي ضيعها الرئيس العراقي الا ان صدام حسين مضى في عناده حتى دمرت القوة الاقتصادية والعسكرية للعراق، واستسلم جنوده الذين كان العرب جميعاً يرون فيهم ضمانتهم ضد الأعداء 27/2/1991. وجدت في "الحياة" وحدها بضع مئة مقال من نوع ما سبق، فقد رأينا جميعاً الكارثة الداهمة، ولم يرها الرئيس صدام حسين، فسار نحوها مفتوح العينين أعمى القلب، ودفع العراق الثمن ولا يزال. ولو استمع الحلفاء الى اقتراح الأمير خالد في صفوان، لربما ما كانت طالت معاناة العراق، والأمة معه حتى اليوم. الأمير خالد يستطيع ان يعرض، بلغة العسكر، الدروس المستفادة، غير انني اكتفي بدرس واحد، فالمصيبة التي ضربت العراق سببها وجود حاكم فرد دكتاتور، قرار الحياة والموت بيده وحده. والدرس هو وجوب عدم ترك مصير أي بلد في يد رجل واحد، ولو كان نابغة العصر والزمان. الرئيس صدام حسين ليس هذا النابغة بالتأكيد، وهو ما كان يحتاج الى نبوغ ليعرف انه مقبل على كارثة، وهو يقول اليوم انه انتصر، وهذه كارثة اخرى، فكيف يصلح الخطأ اذا كان لا يعترف بوقوعه؟