بدلاً من أن تعمل الحكومة العراقية لكسب التعاطف الرسمي العربي - بعد التعاطف الشعبي - مع العراق وشعبه، وتجعل القصف الجوي الاميركي - البريطاني الأخير لضواحي بغداد، فرصة لخلق حالة عربية تؤيد عودة العراق الى ساحة العمل العربي المشترك، عملت بغداد بعد القصف على تصعيد لهجتها ضد السعودية والكويت. ولم تقتصر مهاجمة هذين البلدين الجارين على الصحف العراقية، التي اعتادت ذلك كي يقال إن الأمر مجرد حملات إعلامية، بل شارك مسؤولون عراقيون في هذه الحملة، وفي مقدمهم وزير خارجية العراق محمد سعيد الصحاف. والاتهامات العراقية الحادة لم تقتصر على السعودية والكويت، طاولت أيضاً الأممالمتحدة لأن "العدوان تم عبر المنطقة المنزوعة السلاح بين العراق والكويت، التي تتمركز فيها بعثة المراقبين الدوليين الذين لم يبلغوا العراق" بتحليق الطائرات الأميركية والبريطانية. من حق العراق أن يشعر بالمرارة لاستمرار العقوبات الدولية المفروضة عليه، وأن يشعر بالغضب وهو يرى أجواءه مستباحة من الطائرات الأميركية والبريطانية، ويتعرض لغارات بين حين وآخر. والرأي العام العربي يشعر معه بالغضب، والأجواء كانت مهيأة لأن يقبل العرب خلال قمتهم المقبلة في عمّان على خطوات مهمة لرفع الحصار عن العراق وشعبه. وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله تحدث عن وجود أطراف ودول متعددة تعمل لرفع العقوبات عن العراق، وشهدت العواصم العربية، خصوصاً الخليجية، تحركات واتصالات من أجل "تهيئة الأجواء" كي تخرج قمة عمّان بقرارات لمصلحته. وكان يمكن العراق أن يستغل الغارات الجوية الأميركية - البريطانية لخلق حالة من التعاطف الرسمي العربي معه، يساندها التعاطف الشعبي، كي تتهيأ الأجواء لمصالحة عربية شاملة يحتاجها العرب. بدلاً من ذلك أخذت حكومة بغداد تهاجم السعودية والكويت، وتوزع اتهامات عليهما في شكل سيجعل الرياض والكويت تعارضان بشدة أي محاولات للتقارب مع النظام العراقي... وهذا بالطبع يهدد القمة العربية بتباين المواقف والآراء. مشكلة العراق ان أهل الحكم فيه لا يريدون تغيير لهجة الخطاب السياسي، التي لا تعطي الفرصة - حتى لأصدقاء العراق - لمساعدته في الخروج من عزلته وحصاره. ولهجة الخطاب السياسي العراقي التي اضاعت الكثير من الفرص تثير الشكوك حول رغبة أهل الحكم في بغداد في استمرار مأساة الشعب العراقي ومعاناته، كذلك استمرار الوضع العربي ممزقاً، وعدم انجاح أي مصالحة شاملة يحتاجها العرب.