حظي الابداع الأردني، أخيراً، بجائزتين من "جوائز الشارقة للإبداع العربي"، هما: الجائزة الأولى في الشعر لعمر العامري عن مخطوط "مستطيل الغياب"، والجائزة الثالثة في المسرح لعاطف علي عن مخطوط مسرحية "كوكب الوهم". وقبل سنوات فاز الشاعر ناصر شبانة الأردن بالجائزة الأولى للشعر أيضاً في المنافسة نفسها، وهي منافسة يتقدم اليها في كل مرة عشرات، بل مئات المخطوطات والمحاولات الشعرية. وفوز واحدة منها بالمرتبة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة هو دفع لمبدع جديد الى ساحة الإبداع. نحن إذاً، منذ سنوات، أمام اندفاع دماء جديدة الى المشهد الإبداعي الأردني، فعدا جائزة الشارقة ومن فازوا بها، ثمة جوائز مصرية وسعودية وكويتية وصلت الى المبدعين الأردنيين من أجيال مختلفة، وفي حقول الشعر والرواية والمسرح والنقد والدراسات الفكرية... الخ. قد يقول قائل ان هذه الجوائز ليست في كل الأحوال مؤشراً على تفوق ابداعي، وما من شك في ان "علاقات" غير ابداعية تتدخل في منحها، وهذا قول لا يخلو من صحة. لكنها صحة نسبية في اتجاهين، أولاً في اتجاه كون هذه "العلاقات" يمكن ان يكون لها دور "نسبي" في الدفع باتجاه الجائزة، وليس الدور كله، وثانياً في اتجاه ان "بعض"، وليس كل، هذه الجوائز تأتي نتيجة "علاقات". وعلى أي حال، فإن من يقرأ شيئاً من "مستطيل الغياب"/ العامري، يدرك حضوراً شعرياً يؤهله للجائزة. ففي القصيدة التي تحمل العنوان نفسه ثمة ملامح تجربة تحتفي بشيء من خصوصية المكان، وهو ما أشار اليه العامري في حديث معه نشرته صحيفة محلية، إذ قال رداً على سؤال عن الأجواء التي أنتجت قصيدته: "انني وأهلي نعيش في قرية تنام في إبط الجبل على مرمى حجر من فلسطين يقصد قرية القليعات، في الأغوار حيث فضة النهر ما زالت تغذي ضفتي التراب، تراب المعنى وتراب الإقامة. لقد تأثرت قصيدتي بهذا المشهد القروي، بما فيه من هدوء وايقاعات طازجة لم تتلوث بعد بدخان المدن ومعاركها الخاسرة. فأنا أغرف من بيئة بكر...". ولأن العامري سليل عائلة قدمت للشعر اثنين قبل عمر، هما علي العامري ومحمد العامري، اللذان جاءا الى العاصمة عمّان قبل سنوات طويلة، حاملين روح قرية القليعات ورائحة ترابها وصخورها، ثم راحا يحلّقان بعيداً منها، حتى بلغت الأجنحة بعلي العامري فضاءات الدنمارك قبل ان يعود الى الإمارات، فإننا نتمنى أن يستمر العامري الجديد عمر موغلاً في أعماق قريته التي قد تمنحنا شاعراً قروياً جديداً بعد ان غابت ظاهرة الشعراء القرويين، وبعد ان صرنا نردد كثيراً عبارة شاعر الفجر "لم يعد ثمة غجر يصعدون الى السماء" أو ما معناه. على صعيد آخر، تابع عشاق الفن التشكيلي مجموعة من عروضه، ربما كان أبرزها معرض الفن الإيراني المعاصر في المتحف الوطني الأردني، ومعرض "تحية لأهلنا في فلسطين" في صالة الأورفلي، ومعرض الفنان الفطري الفلسطيني عبدالحي مسلم، لكن أهمها على الإطلاق المعرض الذي تقيمه دارة الفنون في عنوان "رحلات مع الفنون المعاصرة في المغرب العربي"، ويأتي ليختم سلسلة معارض فنون العالم العربي التي أقامتها الدارة، بدءاً ب"فنون منطقة الخليج العربي" و"فنون وادي النيل: مصر والسودان"، مروراً بفنون "بلاد الشام". وسوف ترافق المعرض مجموعة من الفاعليات الثقافية، الأدبية والسينمائية، وقد بدأت بعرض فيلم "الحفرة" للمخرج فاضل الجزيري. المعرض - الرحلة، يشتمل على ثمانين عملاً فنياً لأبرز الفنانين من تونسوالجزائر والمغرب: عبدالرزاق الساحلي، رفيق الكامل، قويدر التريكي، عبدالله بن عنير، بايا، محبوب بن بيلا، رشيد القريشي، ناجية محاجي، محمد المليحي، فريد بلكاهية، محمد القاسمي وشعيبية طلال. تعكس أعمال المعرض مساحة حقيقية من تأمل الحيز المغاربي، عبر الحكايات الشعبية والتمائم والحروف البربرية وطبيعة الحياة الشعبية، في صورة ناضجة وحداثية. ففي أعمال الساحلي تونسي تبرز تجربة التعبير عن الزخارف وبالزخارف، كما لو كان يرصد فنياً وتجريدياً شيئاً من مناخات التحولات الاجتماعية. أما أعمال محجوب بن بيلا الجزائر فهي تبرز خبرته في تحويل الحرف الى مساحة من الغناء التجريدي الحديث، وابراز قيمة المنمنمات الحرة بما تحيل اليه من مرجعيات في عالم النسيج والسجاد وزخارف "الزليج". ويعرض القريشي الجزائر ملامح من اشتغاله على الحرف العربي والتكوينات السود التي رأيناها في عمله على نصوص محمود درويش "أمة في المنفى" قبل سنوات، وفي عمل آخر هو "رسائل من طين وحرير". وتميزت أعمال محاجي المغرب بذهابها لاستنطاق الأشكال الهندسية عبر علاقات خطوطية أشبه بالأبراج السماوية وتحركاتها. المعرض ومشاهدته من قبل جمهور الفن الأردني، أمر على قدر من الأهمية، لكن الأهم في مشروع رحلات دارة الفنون، وهي تطوف أرجاء الوطن العربي لتضعها لنا في فضائها المفتوح، هو ما سيبقى من هذه الرحلات وفاعلياتها الثقافية، الأدبية والفنية، من خلال توثيقها ونشرها عبر وسائل الاتصال الحديثة، مثل الانترنت وCD Rom والصحافة المرئية. وهذا ما تقوم به مؤسسة عبدالحميد شومان - الجناح الثقافي للبنك العربي، الذي يجعل من هذا البنك أكثر من مؤسسة اقتصادية/ مالية كبرى، فيتعدى دورها الاقتصادي/ المالي الى دور ثقافي فاعل وشديد التأثير في الحياة الثقافية. وفي الآونة الأخيرة، انشغل المثقفون والكتّاب في الأردن بحدث خارجي، لكنه قريب، وهو الاعتداء على الكاتب الروائي السوري نبيل سليمان من جهات "مجهولة"، كونه يذكّر باعتداءات شبيهة على كتّاب وصحافيين أردنيين، في بدايات مرحلة الانفتاح ورفع الأحكام العرفية، وفد مرت تلك الاعتداءات من دون تغطية اعلامية عربية كون المعتدى عليهم من غير ذوي الشهرة عربياً. الانشغال بالاعتداء المذكور، وبانتهاك الحريات عموماً، جرى التعبير عنه في بيان أول وقعته مجموعة من الكتّاب والأدباء في الأردن، تضمن استنكار "الاعتداء الجبان" ومطالبة "الجهات الرسمية المسؤولة في الشقيقة سورية بالعمل الجاد للكشف عن مرتكبي هذه الجريمة النكراء، أياً كانت صفاتهم الشخصية أو الاعتبارية، وأياً كانت الجهة التي ينتمون اليها، وتقديمهم للعدالة كي ينالوا جزاءهم الذي يستحقون". وحمل البيان بشدة على "السيد علي عقلة عرسان" مستهجناً "موقفه اللامسؤول تجاه حادثة خطيرة كهذة حيث لم يصدر عنه أو عن ادارته أي بيان يشجب الاعتداء أو يدينه، الأمر الذي يجعلنا - نحن الكتّاب العرب - نشعر اننا قد وضعنا ثقتنا في غير موضعها حين ساهمنا - بشكل أو بآخر - في انتخاب السيد عرسان أميناً عاماً لاتحاد الكتّاب العرب. ونطالبه وإدارته بالوقوف الشجاع والواضح الى جانب الكاتب المعتدى عليه... أو بالتنحي... لفسح المجال لمن هم أحرص على ديموقراطية الكلمة وحرية الإبداع". كما صدر عن رابطة الكتّاب الأردنيين، بعد مناقشات مطولة في هيئتها الإدارية، بيان عبّر عن متابعة المثقفين في الأردن "بمزيد من القلق مسلسل الاعتداء على الحريات الثقافية الذي تواصل في الأسابيع القليلة الماضية...". وقد شاءت الهيئة وضع الاعتداء على نبيل سليمان في سياق أوسع، تحاشياً لأي اصطدام مع أي جهة في سورية، فبدأت بيانها بمصر "ففي مصر تمت مصادرة ثلاث روايات مطبوعة. وقد تبع ذلك اقالة كل من الناقد علي أبو شادي رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومحمد البساطي المشرف العام على سلسلة "أصوات أدبية"، والشاعر جرجس شكري مدير تحرير السلسلة المذكورة". و"أما في سورية فقد تم الاعتداء على حياة الروائي المعروف نبيل سليمان أمام منزله في اللاذقية". بهذه الفقرة فقط جاء بيان الرابطة على ذكر الحادثة، وتابع "وفي الأردن تلقى المثقفون باستغراب شديد تلك الفتوى الصادرة من أحد رجالات الدين السوريين بتكفير الشاعر والروائي ابراهيم نصرالله، على خلفية صدور ديوانه الأخير المقصود ديوان "باسم الأم والابن"، وكان المثقفون الأردنيون قد فجعوا قبل ذلك بالاعتداءات المتكررة التي تعرض لها عدد من الكتّاب عبر ضربهم من قبل جهات مجهولة، كما أعربوا عن خيبة أملهم "بقرار دائرة المطبوعات والنشر بسحب الديوانين الأخيرين للشاعرين موسى حوامدة وزياد العناني من المكتبات...". وأشار البيان الى "كتّاب يجري الزج بهم في السجون، وهناك كتّاب يمنعون من السفر وتصادر جوازات سفرهم، وكتّاب يجري نفيهم خارج بلدانهم". وختم ب"ان رابطة الكتّاب لتدين بعنف هذه الانتهاكات المرتكبة بحق مبدعي الأمة العربية، وتحمل الحكومات العربية مسؤولية هذه الاعتداءات كما تطالبها بإطلاق الحريات العامة للجماهير، وعلى رأسها حرية التعبير".