يقول مراقبون كثيرون في اسرائيل ان "حكومة الوحدة الوطنية المزمع اقامتها بقيادة ارييل شارون ستساعده كثيراً في السيطرة وإحكام قبضته على الحياة السياسية في اسرائيل". ويأمل ايهود باراك وشمعون بيريز اللذان قبلا باقتراح شارون ان يتوليا حقيبتي الدفاع والخارجية في التأثير في سياسة هذه الحكومة، ولكن نظرة دقيقة تشير الى عكس ذلك تماماً. ذلك ان شارون الذي يعمل على تأليف حكومته المكوّنة من الاحزاب الصهيونية كافة يقوم من جهة اخرى بانشاء طاقم مواز من المستشارين الامنيين والسياسيين في المواضيع العالقة على الساحة كافة. ويثبت ذلك على صعيد العلاقات مع الولاياتالمتحدة انه ارسل موشيه ارينز وزلمان شوفال ودوري غولد، وهم سفراء سابقون وخبراء في الساحة الاميركية لاقناع الادارة الاميركية بأن تتفهم شارون ونيّاته وسياساته وان تحاول الفصل بين مصالحها في الشرق الاوسط والتزامها بالعلاقات الاستراتيجية مع اسرائيل. كما ارسل شارون السفير السابق عوفاديا سوفير لمقابلة الرئيس جاك شيراك وكانت فرنسا الدولة الوحيدة التي حاولت اعطاءه فرصة كي يأتي بأفكار جديدة للحل. كما ارسل ايتان بن تسور المدير السابق لوزارة الخارجية الذي أقاله باراك، الى روسيا وبريطانيا، لشرح موقفه. ومن المتوقع ان يعيّن شارون المستشار السابق "لشؤون مكافحة الارهاب" مئير داغان مستشاراً له لشؤون الامن القومي. اما على الصعيد الداخلي فسيُعيّن شارون اوري شاني المدير العام لليكود مديراً عاماً لمكتب رئيس الحكومة. وسيعيّن المحامي جدعون ساعر من مقرّبي نتانياهو سكرتيراً للحكومة ورعنان غيسين مستشاراً اعلامياً خاصاً، كما سيُعيّن في مكتب رئيس الوزراء طاقماً مهنياً جلب له النصر في الانتخابات الاخيرة وفي مقدم اعضاء هذا الطاقم روبن آدلر وروعي حوريب وايال اراد، وسيكون لابنه، عومري شارون، مكانة خاصة في طاقم مستشاريه. كما سيسعى الى توزيع 7 حقائب وزارية على حزب العمل وحقائب مماثلة لحزب ليكود وحقائب اخرى لشاس والمفدال بهدف ارضاء الجناح اليميني في ليكود وشل اي معارضة داخل حزب العمل. وبدأ الانهيار الكبير في صفوف حزب العمل بسبب الانخراط في حكومة شارون ومن الصعب ان يشكل هذا الحزب مستقبلاً بديلاً لليكود، بل يمكن ان تنضم اشلاؤه الى صفوف جناح اليسار الاشتراكي والعلمانيين الذين يعارضون اي تسوية مع الاصوليين اليهود المؤيدين لحكومة شارون. وسيكون من الصعب على باراك وبيريز على رغم انضمامهما الى حكومة شارون ان يؤثرا في مجرى سياسة هذه الحكومة اليمينية لانهما بانضمامهما اليها فقدا مصداقيتهما الشخصية وقبلا ان يكونا ورقة التين والغطاء لسياسة القبضة الحديد التي سينتهجها شارون مع الفلسطينيين اضافة الى ان شارون سيحاول قدر الامكان الالتفاف عليهما بواسطة مساعديه في مجمل القضايا المطروحة امنياً وسياسياً. ويمكن ان تصبح مكانة بيريز في حكومة شارون تماماً كما كانت ابان حكومة باراك عندما شغل منصب وزير التعاون الدولي. ويعي شارون العزلة الدولية التي يمكن ان تواجهه نظراً لعدم رغبته في التنازل عن اي ارض فلسطينية وسيحاول مع هذا الطاقم ان يقترح على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هدنة موقتة بهدف التوصل الى اتفاقات مرحلية على عكس ما اقترحه باراك بخصوص انهاء الصراع وتشير الدلائل كافة الى ان الفلسطينيين سيرفضون تلك المقترحات. واعربت مصادر ديبلوماسية عليمة ل"الحياة" عن ان ما نُشر ورُوّج في اسرائيل عن انهيار قريب للسلطة الفلسطينية عار عن الصحة وقالت ان ذلك يأتي في اطار الحرب النفسية والمناورات الاعلامية لقبول مقترحات شارون. وتؤكد تلك المصادر ان شارون سيحاول الحفاظ على "الوضع الراهن" وعدم تقديم اي تنازلات سياسية واقليمية ملموسة، وسيسعى الى تحسين الامن الشخصي للاسرائيليين والحفاظ على طرق المواصلات للمستوطنين داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تدهور الوضع الامني عليها بعد عملية يازور، قرب تل ابيب، وتوقف المستوطنين عن التحرك على طرق التفافية عدة. ومن المتوقع ان يقبل شارون بمقترحات وتوصيات الاجهزة الامنية الاسرائيلية مع تشديد مطالبته بزيادة عمليات الاغتيال حتى لو طاولت رجالاً وشخصيات من السلطة الفلسطينية. كما ستبقى سياسته "دفاعية" وغير تصعيدية مع "حزب الله" بهدف عدم الانزلاق الى حرب على جبهتين يمكن ان توقع اسرائيل في حرب استزاف طويلة الأمد من الصعب ايقافها.