لمحت نيابة أمن الدولة العليا في مصر أمس بتوجيه تهم جديدة إلى رئيس مركز "ابن خلدون للدراسات الإنمائية" الدكتور سعد الدين إبراهيم ومحاسبته عليها في قضية أخرى غير تلك التي تنظر فيها حالياً محكمة أمن الدولة. وحملت النيابة في مرافعتها أمس في القضية المتهم فيها إبراهيم و27 آخرين من الباحثين والمتعاملين مع المركز المسؤولية عن أحداث العنف الطائفي التي وقعت في قرية الكُشح مطلع العام الماضي. وستواصل النيابة في جلسة تعقد اليوم الجزء الثاني من المرافعة، وأكدت مصادر مطلعة أنها ستطالب بتوقيع أقصى العقوبة 15 سنة اشغال شاقة في حق إبراهيم وباقي المتهمين في القضية. عقدت محكمة أمن الدولة العليا في مصر برئاسة المستشار محمد عبدالمجيد شلبي أمس جلسة عاصفة للنظر في قضية "مركز ابن خلدون" المتهم فيها رئيس المركز الدكتور سعد الدين إبراهيم و27 آخرين من الباحثين والمتعاملين مع المركز. وربط رئيس النيابة السيد سامح سيف في مرافعته أمس بين نشاط إبراهيم والمركز وحوادث العنف الطائفي بين المسلمين والاقباط، واتهمه بالتحريض عليها. واعتبر أن نشاط المركز "ضار بالأمن القومي لمصر"، موضحاً أن "هناك وقائع أخرى ضد إبراهيم، وأن القضية التي تنظر فيها المحكمة لن تكون الأخيرة". ومعروف أن النيابة فصلت تهمة "التخابر مع دولة أجنبية" عن لائحة الاتهام في القضية الحالية وتجري في شأنها تحقيقات منفصلة. وجرت الجلسة في حضور مؤسسات دولية ومحلية عدة تعمل في مجال حقوق الإنسان، وقدم الدفاع في بدايتها تسجيلاً لشهادة سبعة من شهود النفي كانوا أدلوا بأقوالهم أمام النيابة، مشددا على أهمية ما جاء في أقوالهم، كما طلب رفع اسم إبراهيم من لوائح الممنوعين من السفر وتسليم مركز "ابن خلدون" إليه، لكن المحكمة لم تلتفت إلى تلك الطلبات. ثم القى رئيس النيابة مرافعة، وأكد علاقة إبراهيم بالأحداث التي وقعت في الكُشح، وقال "كنا نحقق في المواجهات التي وقعت بين المسلمين والاقباط في القرية ونتساءل ما الذي استفز الطرفين الى ذلك، وكيف استغل البعض الخلافات العادية بين المواطنين هناك وحولها إلى فتنة طائفية بسبب الدين، وثبت لنا أن هناك مجرمين عتاة استغلوا ما وقع في الكشح في آب اغسطس العام 1998 وكذلك المشاجرات العادية التي وقعت في اليوم الأخير من العام 1999 وبينت القضية الحالية الردود على تلك التساؤلات لأن أمثال إبراهيم هم المسؤولون عن تشويه سمعة البلاد وبث المعلومات المزيفة الى الدوائر الأجنبية". واضاف: "إن إبراهيم كان يجلس في منزله أو مكتبه ويتحدث عن ما يجري في الكُشح من دون أن يعرف شيئاً عن الواقع ويختلق أحداثاً لم تقع وافكاراً يتقيأها ويحصل مقابلها على الأموال". وعرض رئيس النيابة عدداً من الأبحاث والدراسات التي نفذها مركز "ابن خلدون" عن قضية العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر وكشف عن مضمون رسالة خاطب فيها إبراهيم جمعية بروتستانتية في دبلن للحصول منها على تمويل لمشروع بحث تحت عنوان "حساسية الاقلية للتعليم المصري". وتلا أجزاء من الرسالة جاء فيها : "إن التمييز بين الأقباط في مصر زاد بصورة غير مسبوقة، فهم يتعرضون لمعاملة فظة منذ العام 341 ميلادية الذي شهد الغزو الإسلامي العربي لمصر ولم يعامل المسيحيون كمواطنين طوال التاريخ العربي الإسلامي للبلاد". ثم عرض نتائج بحث آخر لإبراهيم انتهى منه إلى أن الأقباط في مصر "لا يشعرون بالأمان". وقال رئيس النيابة : "إن المتهم الأول إبراهيم تلقى قبل تأسيس مركز ابن خلدون دورة تدريبية اعترف في التحقيقات أنه تعلم منها "فبركة الأبحاث واصطناعها". وفي إشارة إلى تهمة "التخابر مع دولة أجنبية التي وجهت إلى إبراهيم في تحقيقات النيابة، وفُصلت عن القضية الحالية قال رئيس النيابة "إن المعلومات التي أرسلها المتهم إلى الخارج تتضمن جزءاًَ لا يخص القضية التي تنظر فيها المحكمة ويمكن أن يتم تناولها في موضع آخر". وعرضت المرافعة الجوانب القانونية للقضية وأدلة الاثبات وجوانب الاتفاق الجنائي على التحايل وتقديم رشوة إلى موظفين عمومين يعملون في اتحاد الإذاعة والتلفزيون لدفعهم الى الإشادة ببرنامج تلفزيوني عن نشاط المركز. وقررت المحكمة تأجيل النظر في القضية إلى جلسة تعقد اليوم . ووزع مساعدو إبراهيم بياناً على الحاضرين للتضامن معه بعنوان "محاكمة العقل والحرية في مصر" حاولوا جمع توقيعات عليه، وجاء فيه: "تستمر عملية مثول عالم الاجتماع السياسي الناشط في مجال الحقوق المدنية الدكتور سعد الدين إبراهيم، وزملائه وراء القضبان، ضمن محاكمة مثيرة للجدل". وإن إجراءات ما قبل انعقاد المحكمة شهدت تجاوزات قانونية في حق المتهمين وهيئة الدفاع. واعرب البيان عن "الخشية من وجود دوافع سياسية وراء الاتهامات، ومن تأثير هذه الاتهامات على نشاط المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في مصر في المرحلة المقبلة". وأضاف البيان: "إذا أضفنا إلى ذلك أنه سبق تكفير عالم ومفكر وتفريقه عن زوجته بحكم قضائي، وتهديد حياته بالتالي، وأن مثول الكتب وأفلام السينما والكتاب والفنانين والصحافيين أمام المحاكم وتحت سيف المصادرة والتكفير، وأن تصبح قوانين تنظيم الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والصحافة من قوانين مصادرة العمل التطوعي والمبادرات الأهلية وممارسة الحريات بكل أشكالها، يصبح الأمر والحال كذلك أشبه بموجة مكارثية قوية تبحر بالمجتمع الى مستقبل مظلم، ذلك أن من يوضع في الحقيقة في أقفاص الاتهام هو التنوير، والليبرالية والمجتمع المدني والحريات الاجتماعية والسياسية والعقل ومسيرة التقدم في مصر، في الوقت نفسه يعيث الإعلام والصحافة الصفراء وفتاوى الظلام فساداً في العقل المصري، وتمارس عمليات الاغتيال المدني لأنصار الديموقراطية والتقدم من دون ضابط، وتم اعفاء القائمين عليها من تنفيذ أحكام القضاء، في حين يتم تنفيذها فوراً على الخصوم"، وتابع البيان: "إذا أضفنا إلى ذلك استمرار قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية لعشرين عاماً حتى الآن في ظل ذلك المناخ تصبح أبسط المطالب وأكثرها بديهية أن يطالب الموقعون على هذا البيان بإيقاف تلك المحاكمات، وأن تعود السلطات في مصر إلى ما تنص عليه المعايير والمواثيق والمعاهدات الدولية، التي التزمت تطبيقها، كخطوة أولى نحو صيانة العقل والحرية في مصر"