حشد رئيس "مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية" الدكتور سعد الدين ابراهيم خمسة من الشخصيات العامة أدلوا بأقوالهم أمس في التهم الموجه اليه وللمركز والعاملين فيه. وعلى رغم التضارب الذي وقعوا فيه حول مسؤولية "مجلس أمناء المركز" في متابعة الأمور المالية والإدارية، اتفقوا على أن التهم الموجه إلى إبراهيم والعاملين في المركز "غير منطقية"، حتى أن أحدهم وهو رئيس جمعية "النداء الجديد" الدكتور سعيد النجار أصر على أن يختتم شهادته بكلمة وجه فيها لوماً شديداً إلى القائمين على الأمور في البلاد. وبكى وهو يقول: "كنت أتصور أن يمنح الرئيس حسني مبارك الدكتور سعد الدين ابراهيم أعلى وساماً بدل أن يوضع هذا العالم في قفص الاتهام". عقدت محكمة أمن الدولة العليا في القاهرة أمس جلسة عاصفة برئاسة المستشار محمد عبد المجيد شلبي للنظر في قضية "مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية" المتهم فيها رئيس المركز الدكتور سعد الدين ابراهيم و27 من الباحثين والمتعاملين معه. واستمعت المحكمة الى شهادات 5 من الشخصيات العامة، بينهم أربعة من أعضاء مجلس أمناء المركز،هم الدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور سعيد النجار والدكتور عبد المنعم سعيد والدكتور محمد الجوهري والنائب السابق لرئيس البنك الدولي الدكتور ابراهيم شحاتة. شهادة ابو المجد وتأخر بدء الجلسة لأكثر من أربع ساعات لتعقد في الثانية ظهراً وامتدت حتى المساء. وكان لافتاً أنها عقدت للمرة الأولى في القاعة الكبرى لمحكمة جنوبالقاهرة التي شهدت العام 1982 محاكمة المتهمين في قضية اغتيال الرئيس أنور السادات. وذكر أبو المجد في شهادته أنه تعرف على ابراهيم في الولاياتالمتحدة في الستينات حين ترأس الأخير منظمة الطلاب المصريين. وسألته المحكمة عن وقائع القضية، فأوضح الفارق ما بين مجالس الأمناء للمراكز البحثية والجمعيات الأهلية ومجالس إدارات الشركات. وقال إن "أعضاء مجلس أمناء مركز ابن خلدون لا يتدخلون في الأمور الإدارية والمالية ويحضرون اجتماعات المجلس بين الحين والآخر، وهم ينأون بأنفسهم عن الدخول في مشاكل مع أي جهة"، مشيراً إلى أن العمل في المركز "كان يتم بدرجة عالية من الكفاءة". ووصفه بأنه "أفضل المراكز البحثية في مصر". واعتبر أن أهم سلبيات ابراهيم اندفاعه الشديد تجاه ما يقتنع به من دون حسابات لعوامل أخرى وثقته في أي شخص يرتاح اليه قلبه. وتطرق أبو المجد، وهو وزير إعلام سابق، إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الدفاع الاميركية العام 1994 وشارك فيه عدد من الشخصيات العامة من مصر،بينها ابراهيم. وقال: "حضرت المؤتمر واسمعنا فيه الاميركيين ما لا يطيقونه، وتحدث فيه ابراهيم عن ظاهرة الإرهاب وكيفية مواجهتها وحصلنا على معلومات مهمة جداً عرضت على أحد المشاركين أن نكتبها في تقرير ونسلمه للسلطات المصرية، لكنه أبلغني أن ممثلين عن الاستخبارات المصرية شاركوا في الاجتماع، والمؤكد أنهم قاموا بالمهمة". وأشار إلى أن رئيس "مركز ابن خلدون" يعتقد بان بعض المشاكل التي تعانينها مصر يجب أن تعالج على السطح، وبينها قضايا الأقباط، وأضاف: "أشهد أن عيوب ابراهيم هي مزاياه فهو يتجاسر ولا يعمل حساباً لنتائج معالجته لبعض المشاكل وذلك نتيجة اقامته لسنوات طويلة في الخارج ومواقفه كانت تصب في مصلحة مصر". وسألته المحكمة عن التهم الموجهة إلى ابراهيم، فقال: "علاقتي بمجلس الأمناء كانت تتعلق بالجوانب البحثية والسياسية والقانونية، ويصعب عليّ تصديق التهم التي وجهت اليه، وكل ما أعرفه أنه رجل فوضوي في الإدارة وهذه ليست شغلته فهو باحث بالدرجة الأولى". وسأل الدفاع الشاهد عن ما إذا كان ابراهيم اساء إلى سمعة مصر من خلال مشاركته في مؤتمر كلية الدفاع الاميركية، فرد "ينبغي معاملة كل من حضروا المؤتمر من المصريين على أنهم قدموا خدمة للوطن وأن توضع اسماؤهم في سجل للشرف. والإضرار بمصر يكون من خلال تزييف الأمور وأن يُقلب الإيمان كفراً والكفر إلى إيمان". وحول أسلوب تلقي المركز المنح من الجهات الأجنبية، نفى أبو المجد علمه بالتفاصيل، لكنه أضاف: "أعلم أن هذه الجهات تحاسب على أموالها، وأنا اطلعت على خطاب من المفوضية الأوروبية تنفي فيه أن يكون المركز اساء استخدام الأموال التي منحت له". فسأله القاضى "لكنك قلت إنك لا تعلم شيئاً عن الأمور المالية والإدارية". فأجاب: "علمت بالأمر بعد تفجر القضية" واستبعد أن يكون ابراهيم حول أموالاً من حسابات المركز على حسابه الشخصي. سعيد النجار ثم تحدث الشاهد الدكتور سعيد النجار رئيس جمعية "النداء الجديد" عن علاقته منذ سنوات طويلة بإبراهيم، نافيا ضلوعه في ارتكاب ما يخالف القوانين. وقال: "إنه عالم جليل ولا مجال للتشكيك في عمله أو أمانته الفكرية، أو شجاعته الادبية". وتناول أعمال لجنة "مراقبة الانتخابات" التي شكلت العام 1995، موضحاً أنه كان رئيساً للجنة التي شكلت من عدد من ممثلي الجمعيات الاهلية والشخصيات العامة. وأوضح أن أجهزة أمنية أبدت قلقاً من عمل اللجنة، مؤكداً أن تقرير اللجنة "اتسم بالموضوعية والعدالة ولا يحوي ما يسيء إلى مصر". وعن المؤتمر الذي نظمته جمعية "النداء الجديد" عن قضية الكشح وشارك فيه إبراهيم، قال النجار: "ناقشنا الموضوع للوصول الى اسباب المشكلة ومحاولة وضع حلول لها وانتهينا إلى بيان حمل عنوان "بيان المئة" كان من المفروض أن يوقع عليه مئة شخص، لكن وقع عليه نحو 500 من الشخصيات العامة والعلماء وتضمن توصيات لا تخرج عن تلك التي صدرت في بداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بعد تفجر أحداث الفتنة الطائفية في منطقة الخانكة، حيث شكلت وقتها لجنة ترأسها الدكتور جمال العطيفي"، وأعتبر أن الدولة تقوم حالياً بترجمة بعض من تلك التوصيات على أرض الواقع. وقال: "أنا مسؤول أكثر من سعد الدين ابراهيم سواء بالنسبة للانتخابات أو الاقباط"، وعلى خلاف أبو المجد "اقر النجار بمسؤولية أعضاء مجلس الامناء في الإشراف على الأمور المالية والإدارية في المركز"، مؤكداً أن "الأعضاء كانوا يطلعون على الموازنة وتقرير الحساب الختامي ويراقبون الأداء المالي". وفي ختام شهادته قال النجار: "اشعر بحزن شديد بوجود شخص مثل ابرهيم في قفص الاتهام ومصر تأخرت لأننا لا نعطي كل شخص حقه، وكنت انتظر أن يمنحه الرئيس حسني مبارك أعلى الأوسمة لدوره في خدمة الوطن". ابراهيم شحاتة ثم استمعت المحكمة الى شهادة النائب السابق لرئيس البنك الدولي الدكتور ابراهيم شحاتة الذي قال أنه ليس عضواً في مجلس الأمناء، لكنه يعرف ابراهيم منذ سنوات عن طريق الدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس حسني مبارك، وأن اطلع في بداية الثمانينات على نشرة "المجتمع المدني" التي يصدرها مركز "ابن خلدون" فطلب ابراهيم نشر بعض المقالات فيها فاستجاب. واعتبر أن انباء القبض على إبراهيم ومحاكمته "تسيء إلى مصر في الخارج"، مشيراً إلى أنه تلقى رسائل عبر انترنت من منظمات دولية تحمل نقداً شديداً لهذه الملاحقة. عبدالمنعم سعيد وكان رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة "الأهرام" الدكتور عبدالمنعم سعيد أكثر الشهود حديثاً، وهو دافع بشدة عن ابراهيم. وقال أنه يعرف رئيس "مركز ابن خلدون" منذ العام 1976 حينما عين رئيساً لوحدة البحوث في المركز، وأنه صار عضواً في مجلس أمناء المركز منذ العام 1996، موضحاً أن إبراهيم "عالم اجتماع يكتشف الظواهر بما فيها من عيوب ومشكلات ما يثير بعض البلبة في المجتمع الذي قد لا يستوعب بعض أفراده مثل ذلك النشاط". وتحدث سعيد عن مصادر تمويل المراكز البحثية المصرية في الداخل والخارج، وأكد أن مصر عقدت معاهدات مع بعض المؤسسات الدولية لمنح مراكز وجهات مصرية منحاً للأغراض البحثية، وأشاد باسلوب العمل في مركز "ابن خلدون". وذكر أن رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد العزيز حجازي كان يراجع حسابات المركز لكونه يدير مكتباً للمحاسبات. وعن التهم التي وجهت إلى ابراهيم قال: "عرفتها من الصحف ولو كنا نعلم أن هناك مخالفات قانونية لاستقلنا جميعاً من مجلس الأمناء وهذا لم يحدث". واعتبر أن اسم سعد الدين ابراهيم في علم الاجتماع يعادل اسم الدكتور أحمد زويل في علم الطبيعة والدكتور مجدي يعقوب في الطب، ووصف ما أثير عن انحرافات مالية ارتكبها ابراهيم بأنها "مسألة سخيفة"، لكن سعيد نفى أن يكون اشرف أو غيره من أعضاء مجلس الأمناء على الأمور المالية والإدارية في المركز. وسئل عن تأثير نشاط المركز في مراقبة الانتخابات فأوضح أن جهات أخرى عدة تناولت موضوع الانتخابات وانتهت إلى أن المشاركة في العملية الانتخابية محدودة. مشيراً إلى أن وزارة الداخلية أعلنت أن نسبة الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة تراوحت ما بين 15 و40 في المئة. وسألت النيابة الشاهد هل ان السلطات تضطهد الأقباط صراحة أو أن تلجأ إلى تزوير الانتخابات فنفى. وقال: "هناك هموم للأقباط تتعلق بالمشاركة في الحياة العامة أو بناء الكنائس والحكومة حالياً تعالج هذه الأوضاع، وبالنسبة للانتخابات هناك تجاوزات من جهات عدة قد يكون من بينها الناخبون أنفسهم أو المرشحون أو رجال الأعمال". محمد الجوهري ثم أدلى رئيس "مركز البحوث الاجتماعية" الدكتور محمد الجوهري بشهادته، فنفى أن يكون أعضاء مجلس الأمناء على علاقة بالأعمال الإدارية والمالية، وأكد أن نشاط ابراهيم يتدخل في صميم العمل البحثي، "ولو كنت شعرت أن هناك خللاً أو انحرافاً لاستقلت من عضوية المجلس". وقررت المحكمة تأجيل القضية إلى جلسة تعقد اليوم، ووافقت على طلب النيابة رفض رفع الحظر عن المركز لكون إبراهيم متهماً في قضية أخرى، متهم فيها بالتخابر ما زالت التحقيقات تجري فيها.