الكتاب: خريطة للقراءة الضالة الكاتب: هارولد بلوم ترجمة: عابد اسماعيل الناشر: دار الكنوز الأدبية - بيروت 2000 يأتي كتاب "خريطة للقراءة الضالة" كمرشد في النقد العملي للشعر وكيفيّة قراءة قصيدة استناداً الى نظرية الشعر التي قدمها هارولد بلوم في كتابه السابق "قلق التأثر". يدرس التأثر الشعري هنا العلاقات بين النصوص التي تعتمد على فعل نقدي، وعلى قراءة ضالة أو سوء قراءة يمارسها شاعر على آخر. فعلاقة التأثر تشمل القراءة والكتابة. يرى بلوم أن احدى وظائف النقد هي أن تجعل العمل الجيد لشاعر ما يبدو أكثر صعوبة في الممارسة، بما انه فقط عبر التغلب على الصعوبات الحقيقية يمكن ان تولد قصائد متناسبة بكليتها مع عصر متأخر كعصرنا. كل ما يمكن للنقد، كنقد، ان يمنحه للشعراء هو التشجيع المميت الذي لا يني يذكرهم بوطأة التأثر. فديالكتيك الكراهية والحب الكونيان ينظمان التجسيد الشعري، إذ ان الحب الأول لشعر السلف يتحول بسرعة الى صراع تنقيحي تكون الفرادنية مستحيلة. وفي احالة الى فرويد وفرينشيزي وأمبيدقلس، يرى العملية المخيفة التي يولد من خلالها الشخص كشاعر. والشعر ليس متطابقاً مع نمط معين من الوعي. كما لا يتشابه مع غريزة معينة. فولادته في الفرد متشابهة مع حدوث الكارثة الأمبيدوقلسية للوعي بانجذاب النار البروميثية اليه. ومع الكارثة الفرويدية للتكوين الغريزي. فالتأثر الشعري في طوره الأول لا يمكن تفريقه عن الحب على رغم أنه سرعان ما يتحول الى صراع تنقيحي يلصق الخطأ بالأب. ويكون الشاعر الجديد بدأ لتوه حركته بعيداً عن السلف وهو يحمل ارهاصات القوة ونميزه عن حشد المتناسلين عبر سماعه في صوته الأول لما هو أكثر حميمية في صوت سلفه منعكساً بمباشرة ووضوح. يتساءل بلوم: من هو أو ما هو الأب الشعري؟ انه صوت الآخر، صوت الروح الحارسة، يتكلم دائماً داخل المرء، الصوت الذي لا يمكن ان يموت لأنه نجا لتوّه من الموت. وهو يفترض ان الشاعر يتمرد ضد من يتكلم اليه من الموتى الأسلاف الأكثر حياةً في شكل مريع من ذاته نفسها. والشاعر لا يجرؤ على اعتبار نفسه متأخراً، مع ذلك لا يستطيع ان يقبل ببديل لرؤيته الأولى التي يعتبرها رؤية سلفه في المحصلة. وقلق التأثر في أغلب الأحيان يختلف تماماً عن قلق الأسلوب. فعبر أرجاء ديوان "كلمات شتائية" يمكن للقارئ المتيقظ ان يلمس عودة رزينة للمثالية الرومانسية العالية، مطبوعة بإيقاعات هاردي نفسه. فييتس شوّه معاً ذاته وآباء قصيدته الرومانسيين كشللي وبليك. كان الصراع مع الموتى العظام أكثر شفافية لدى هاردي، وأكثر لطفاً تجاه ذاته والآباء معاً. الشعراء الأميركيون في رأي بلوم، تمردوا أكثر من الشعراء البريطانيين، وفي شكل صريح على أصوات أجدادهم. جزئياً بسبب مثال ويتمان، ولكن أيضاً بسبب جدل أمرسون ضد فكرة التأثر ذاتها، واصراره على ان المضي في شكل افرادي يجب ان يعني رفض حتى النماذج الجيدة، وهذا يفترض بالتالي قراءة من الشاعر يكون فيها في شكل رئيسي مخترعاً. ويبرر بلوم ذلك بإصرار الشعراء الأميركيين على الأصالة، وهذا أفرز قلقاً خبيثاً من التأثر، ما حدا بهم الى إساءة تأويل اسلافهم في شكل أكثر راديكالية من أقرانهم في بريطانيا. فنروثروب فراي اقترب باطراد ليصبح بروكلس أو أيامبليكس عصرنا، وجعل ديالكتيك التقليد يبدو أفلاطونياً، خصوصاً صلته بالابتكار الغض، الذي يطلق عليه "خرافة الهاجس"، كنسخة كنسية متدنية لخرافة إليوت الانكلوساكسونية حول التقليد والموهبة الفردية. الشاعر الذي يحاول ان يبتكر من لغة ما لغةً جديدة انما يبدأ بالضرورة بفعل قراءة اعتباطي لا يختلف نوعاً عن الفعل الذي يجب ان يمارسه قراؤه عليه لاحقاً. من أجل ان يصبح شاعراً قوياً يبدأ الشاعر - القارئ باستعارة آلية دفاع هي القراءة الضالة، أو ربما بالاستعارة بوصفها قراءة ضالة. فالبلاغيون منذ أرسطو وحتى معاصرينا، والاخلاقيون منذ أفلاطون وحتى نيتشه، منحوا شرف الأهمية الأكبر للاستعارة. وهو قاسم تنقيحي اصطلح هارولد بلوم على تسميته ب"عودة الموتى أو الأسلاف" واكتسب أهمية جديدة بدءاً من ميلتون. لأن ميلتون وليس شكسبير أو سبنسر هو الذي أصبح الأب الروحي لكل الشعر اللاحق المكتوب بالانكليزية. كما أن مشروع ميلتون الطموح يتضمن قصدية عالية تُورطه في منافسة مباشرة مع هوميروس، فيرجيل، لوكريتس، أوفيد ودانتي.