آرييل شارون رئيساً للوزراء في إسرائيل انقلاب سياسي صامت شاركت فيه المؤسسة العسكرية وتحالف الأحزاب اليمينية والدينية، وتم الانقلاب من خلال المظاهر الشكلية للديموقراطية في النظام السياسي ل "الدولة العبرية". ولا شك في أن القوى المتطرفة المعادية والمعارضة للسلام الحقيقي مع العرب، استطاعت أن تتضامن في ما بينها، وتكتل جهودها منذ شهور عدة، بعد تحقيق بعض التقدم في المفاوضات التي جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين في كامب ديفيد وواشنطن وطابا، ونجحت أخيراً في إزاحة القوى المعتدلة عن مراكز الحكم، والتي يمثلها كل من ايهود باراك وشمعون بيريز ويوسي ساريد الذين يرون إمكان التوصل الى ما يمكن أن نطلق عليه "سلام الحد الأدنى" الذي تتخلى بموجبه إسرائيل عن معظم اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحصل السلطة الفلسطينية في ظله على سيادة اسمية على الاحياء العربية في القدسالشرقية، واختصاص ديني وإداري بالمسجد الأقصى، ويسمح بعودة آلاف عدة من اللاجئين الى ديارهم في فلسطين، كما تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، ويظل المجال الجوي والمياه الإقليمية والحدود البرية لهذه الدولة باشراف القوات الإسرائيلية. وذلك في مقابل إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وإقامة علاقات طبيعية مع الفلسطينيين والعرب في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.غير أن مثل هذا السلام لم يُرضِ اطماع القوى المتطرفة والمتعصبة في إسرائيل، الممثلة في المؤسسة العسكرية، وأحزاب "الليكود" و"شاس" و"المفدال" و"إسرائيل بعليا" و"غيشر". وكان ارييل شارون بماضيه الإرهابي وتطرفه السياسي هو الذي وقع عليه الاختيار ليقود مثل هذا الانقلاب. ولم يعد شارون مجهولاً لدى المواطن العربي العادي بعد أن قامت وسائل الإعلام العربي بتغطية سيرة حياته العسكرية والسياسية منذ ان ولد في سنة 1928 الى أن أصبح عضواً في منظمة "الهاغاناه" قبل 1948 حتى أصبح ضابطاً في الجيش الإسرائيلي، وشارك في كل الحروب العدوانية ضد العرب في سنوات 1948، 1956، 1967، 1973، 1982. وانهى حياته العسكرية بارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين واللبنانيين. وعلى ذلك يعد رئيس وزراء إسرائيل الجديد امتداداً للمدرسة الصهيونية المتطرفة التي تطالب "بأرض إسرائيل التاريخية" وترفض الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه في وطنه، وتعتمد القوة والعنف في تحقيق أطماعها على حساب العرب. وأفصح شارون عن ذلك كله، وأكد في بياناته وتصريحاته قبل الانتخابات وبعدها، أنه لن يقدم تنازلات في القدسالشرقية أو في الجولان السورية، وأن القدس يجب أن تبقى موحدة وعاصمة لدولة إسرائيل الى الأبد، وأنه لن يسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وأنه يجب عدم التفريط في احتياجات إسرائيل الأمنية، وأنه سيعمل على ايقاف اعمال "العنف والارهاب" ولن يتفاوض مع الفلسطينيين تحت تهديد السلاح. وغني عن القول إن هذه المقولات الصهيونية ردّدها كل من اسحق شامير، وبنيامين نتانياهو، وبسببها ظلت مفاوضات السلام تراوح مكانها منذ انعقاد مؤتمر مدريد في سنة 1991 ولم يتم تحقيق اي شيء يعتد به على جميع المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، باستثناء الاتفاقات المرحلية المعروفة التي لم تتعرض للمشكلات الاساسية للصراع العربي - الإسرائيلي. أمام شارون في المرحلة المقبلة ثلاثة خيارات: إما أن يواصل العمل من أجل السلام الذي يكفل للعرب حقوقهم ويُعيد إليهم اراضيهم، ويوفر لإسرائيل الأمن، أو يستمر في سياسة المواجهة والصراع مع الفلسطينيين والعرب. أو يلجأ إلى الحرب السريعة الخاطفة التي قد يظن انها ستحقق له نصراً عسكرياً وتتمخض عن أوضاع جديدة في المنطقة تكون لمصلحته. وفي ضوء الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية الراهنة بوسعنا أن نحدد عوامل سيكون لها أثرها الفاعل والقوي على سياسة شارون وخياراته في المستقبل، هذه العوامل هي: 1- استمرار وتصاعد انتفاضة الأقصى في الاراضي الفلسطينية، وقوة وتماسك الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وصلابة الموقف الفلسطيني في المفاوضات. 2- وحدة الموقف العربي على الصعيدين الرسمي والشعبي، ودعمه العملي للموقف الفلسطيني وانتفاضة الأقصى، وتفعيل التضامن العربي على الصعيدين الاقليمي والدولي. 3- نوع السياسة الجديدة التي ستتبعها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وموقفها من عملية السلام، وعلاقاتها مع الدول العربية. 4- الموقف الدولي عموماً، وموقف كل من دول الاتحاد الاوروبي وروسيا الاتحادية والصين واليابان خصوصاً من خيارات السلام والحرب بين العرب وإسرائيل. وأخيراً، فإن صمود الشعب الفلسطيني، ووحدة الموقف العربي هما الأساس الذي سيردع شارون عن القيام بأي مجازفة للعدوان من جديد أو النيل من الحقوق العربية. وعلى العرب أن يتذكروا قول داهية العرب عمرو بن العاص، "إن مزاحمة الأحمق خير من مصافحته". * كاتب فلسطيني.