تحول المدرب الالماني اليوغوسلافي الاصل سيلفستر تاكاتش منبوذاً وشخصاً غير مرغوب به في عاصمة الزيتون صفاقس، بعدما عايش ابناؤها زلزال الهزيمة الثقيلة لناديهم الصفاقسي أمام الريان القطري 1-5 في بطولة الاندية العربية البطلة ال17 لكرة القدم. لم يحلم الصفاقسيون هذا العام بالاحتفاظ بلقبهم العربي، ولا ببلوغ الأدوار النهائية، بل تمنوا فقط الاداء المشرف لفريقهم، الا انهم لم يحصدوا الا الخيبة، فكان طبيعياً اعفاؤه من منصبه. لقد اكدت خيبة الأندية التونسية القارية والعربية هذا العام المرحلة الحرجة التي تمر بها الكرة المحلية ضمن المخاض العسير لعملية الانتقال من الهواية الى الاحتراف. ويطرح السؤال نفسه اليوم حول كيف ستتخطى الأندية التونسية هذه الأزمات في ظل غياب ردات الفعل الثورية لمسؤولي الاندية واللاعبين، اذ لم يعد جائزاً الاكتفاء بتقديم المدربين كبش فداء على مذبح النتائج السيئة. ويبقى العلاج الانجع في هذا السياق البحث بجدية في اسباب الهزيمة من جوانبها كلها، ومن بينها الاسباب الاقتصادية التي لا تخفى تأثيراتها الكبيرة في هذا المجال. وكان سقف تمويل الاندية التونسية ارتفع بعدما توجت ب 13 لقباً قارياً منذ عام 1988 من 3 ملايين دولار الى 58 مليون دولار، وزاد عدد الملاعب العشبية من 23 الى 69 ملعباً في بداية الألفية الثالثة، بلغت تكلفتها نحو 200 مليون دولار. الا ان عدد لاعبي الأندية التونسية، التي يقارب عددها ال260، لم يسجل الا ارتفاعاً ضئيلاً من 27 الى 29 الف لاعب فقط، على رغم ان اجمالي عدد سكان البلاد بات يناهز ال10 ملايين نسمة. وترافق ذلك مع الشح الكبير في المواهب، وهو ما اشار اليه المدرب الفرنسي البولندي الاصل هنري كاسبرجاك، الذي عاد ربما الى اندثار فرق الحارات التي كانت تمثل معيناً لا ينضب من المواهب، وأيضاً الى الغرور أو النرجسية التي اصابت الاندية البارزة بعد فورة الالقاب. ولا يخفى في هذا الاطار، ان الدعم المالي الحكومي والرئاسي للأندية المحلية شكل عامل حسم في مسيرتها الموفقة عربياً وأفريقياً في عقد التسعينات، الا انه اعتبر ايضاً سلاحاً ذا حدّين، اذ ان اجراء الدعم من الدولة دفع بالأندية للعيش فوق امكاناتها الحقيقية ومواردها فغرقت لاحقاً في الديون، التي قدرت بنحو 5،1 مليون دولار لدى كل من ناديي الافريقي والصفاقسي. ولولا صفقات انتقال لاعبيه الاربعة الى نادي جنوى الإيطالي لكان واجه الترجي المصير ذاته، في حين لن نتحدث عن الاندية الاخرى التي لم تتمكن من مواصلة مشوار الموسم الجاري إلا بعدما باعت أحد افضل لاعبيها على الاقل. واذ تعتبر الديون بحسب العرف الاقتصادي اول الطريق نحو الاضمحلال والاندثار ندرك المأزق الكبير للاندية، التي تواجه ايضاً مشكلات التضخم المفرط لأسعار انتقال اللاعبين محلياً، التي تتجاوز ال250 الف دينار ومعدل الرواتب الشهرية التي لا تقل عن 1500 دولار. وثمة ظاهرة اخرى، اثرت في الوضع الحالي للاندية، وتمثلت في ان الجيل الجديد الذي تولى مسؤولية رئاستها الاندية في العقد السابق، والذي تألف خصوصاً من رجال الاعمال باستثناء سليم شيبوب في الترجي وعثمان جنيح في النجم الساحلي لم يملكوا الخبرة الضرورية في الميدان الكروي، ووجدوا صعوبة في تطبيق نظريات ادارة الاعمال في الاندية. وترافق ذلك للاسف مع ضعف الاتحاد امام قوة الاندية وسيطرة الترجي المتواصلة على الالقاب منذ خمسة اعوام. ويبقى اخيراً وليس آخراً ظاهرة هجرة اللاعبين في مقابل الاستعانة بخدمات لاعبين اجانب ذوي مستوى محدود غير قادرين على توفير متطلبات تطوير القدرات المحلية. وفي مواجهة هذا الواقع السلبي، لا احد يسأل عن حال الرعب الذي ترافق مع استضافة فريق الملعب التونسي مسابقة كأس الكؤوس العربية في آذار مارس المقبل.