سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الصناعة التي واصلت النمو منذ 1950 مهددة بالافلاس وتسريح مليوني عامل . السياحة الأميركية تواجه أزمة ركود عميقة بسبب الأزمة الدولية والخسائر المتوقعة 300 بليون دولار وانهيار معظم شركات الطيران
تعاني صناعة السياحة في الولاياتالمتحدة من وطأة الأحداث الأخيرة. ويشير آخر التوقعات المتشائمة الى أن السوق الأميركية معرضة لخسارة مليوني وظيفة مباشرة في قطاع الخدمات السياحية خلال السنتين المقبلتين علاوة على خسارة 300 بليون دولار، على أن تتعرض بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى المرتبطة بصناعة السياحة والسفر الى خسائر مضاعفة نتيجة استمرار الركود الحالي حتى سنة 2003. يتوقع "المجلس العالمي للسياحة والسفر"أن تخسر الولاياتالمتحدة، حتى أيلول سبتمبر المقبل، 180 بليون دولار و1.1 مليون وظيفة في قطاع السياحة وحدها. ومن شأن التراجع الذي ستشهده هذه الصناعة التي تؤمن ملايين الوظائف الموسمية للأميركيين وللمهاجرين الذين يعملون بأجور زهيدة، أن تدفع الى تدخل السلطات الحكومية لتقديم دعم على كل المستويات، لتجاوز التأثيرات السالبة التي سيتركها التدهور السياحي على ولايات عدة تعتمد على السياحة، ومنها نيويورك وكاليفورنيا وواشنطن وألاسكا. وكان العام الماضي شهد قدوم 9.50 مليون سائح دولي زاروا الولاياتالمتحدة وأنفقوا 2.85 بليون دولار. وبعد التوقعات السابقةالمتفائلة، حدثت موجة انهيارات عقب أحداث 11 أيلول طاولت صناعة الطيران التجاري، وامتدت تدريجاً لتشمل قطاع الخدمات الايوائية والنقل البري والخدمات البحرية والسياحية. ويقول العاملون في قطاع السياحة والسفر إن الموسم السياحي السنة المقبلة سيكون من أسوأ ما عرفته صناعة السياحة الأميركية منذ نصف قرن، وإن نسبة إشغال الفنادق والحجوزات في مختلف المرافق السياحية ستهبط من 60 إلى 70 في المئة. وتبدو هذه النسب مدهشة مقارنة مع النمو المذهل والتوقعات المتفائلة التي سادت القطاع السياحي في الولاياتالمتحدة خلال الشهور الماضية التي سبقت أحداث أيلول، إذ وصل معدل النمو السنوي في عوائد الحركة السياحية الدولية إلى 7،13 في المئة خلال العام الفائت، الذي استحوذت فيه الولاياتالمتحدة على نحو 18 في المئة من اجمالي حصص أكبر 15 وجهة سياحية في العالم من السوق السياحية الدولية. وتشكل السياحة الدولية الوافدة مصدر نشاط اقتصادي مهم، إلا أن العامل الأكبر المؤثر على صناعة السياحة والسفر يبقى النشاط الداخلي وحركة تنقل 270 مليون أميركي يشكلون اجمالي عدد السكان. ويسافر الأميركيون بمعدل 3،1 بليون رحلة جوية في السنة، لأن الطائرة تعتبر الوسيلة المفضلة للانتقال لنحو 57 في المئة من السكان. ويفسر هذا الأمر حقيقة أن السوق الأميركية تعتبر، من دون منازع، أكبر الأسواق الدولية في عالم الطيران التجاري. وشهدت هذه السوق العام الفائت نمواً في معدل الرحلات الدولية تجاوز ثمانية في المئة، في حين اقتصر معدل النمو في الرحلات الداخلية على 9،5 في المئة. وعلى رغم هذه الأرقام الكبيرة إلا أن سوق الطيران التجاري في الولاياتالمتحدة تميزت العام الماضي بتباطؤ ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة، وربما كان هذا العامل هو الذي مهد للتأثيرات السالبة التي تركتها ضربات 11 أيلول على صناعة الطيران. ويعزف الأميركيون حالياً عن ركوب الطائرة في وقت تستعد ثلاث من أكبر تسع ناقلات جوية أميركية لإعلان افلاسها بسبب التدهور الذي عرفته خدمات النقل الجوي. وفرضت السلطات الأميركية اجراءات أمنية مشددة على حركة المسافرين في المطارات الرئيسية ال430 في البلاد، ما فاقم الوضع الصعب الذي تعيشه الناقلات الجوية الأميركية التي أعلن بعضها صراحة أن استمرار الأزمات الحالية قد يؤدي بأغلبها الى الافلاس، على رغم حزمة المساعدات التي قدمتها الحكومة والتي تجاوزت 20 بليون دولار. وتعتبر المطارات الأميركية من أكثرها ازدحاماً في العالم. ويتصدرها مطار "اطلنطا - هارتسفيلد" الذي يتعامل مع 2،80 مليون مسافر سنوياً، مقابل 1،72 مليون مسافر يتعامل معهم مطار "شيكاغو - أوهارا"، يليهما مطار "لوس أنجليس الدولي" الذي يتعامل مع 5،68 مليون مسافر. وساهمت الاجراءات الجديدة التي تنص على الحصول المسبق على لوائح المسافرين للتدقيق في أسمائهم، واجراءات المراقبة الدقيقة والمعقدة التي يخضع لها المسافرون وكذلك الموظفون في شركات الطيران، في اقناع الناقلات الجوية المترددة بتقليص كثير من رحلاتها الى أميركا الشمالية أو دمجها، لتخفيف أعبائها المالية المتزايدة في وقت تدنت فيه نسبة اشغال الطائرات المتوجهة من وإلى أميركا الشمالية. ويتخوف المحللون من المضاعفات الطويلة الأمد التي ستتركها الأزمة الحالية على صناعة السياحة الأميركية، وقدرتها على اجتذاب المسافرين الدوليين الذين سيتحولون الى وجهات أخرى. ونمت صناعة السياحة في الولاياتالمتحدة بمستويات ثابتة وملفتة خلال الخمسين عاماً الماضية، بلغ متوسطها 9،5 في المئة. إلا أن النمو السريع الذي بدأت تعرفه المناطق السياحية الأخرى في العالم أدى الى تقلص الحصة الأميركية من السوق الدولية، وهي ظاهرة ستتعاظم بعض الشيء بعد 11 أيلول. وعلى رغم القدرات الكبيرة لصناعة السياحة الأميركية، التي تتميز بقوانين عمل مرنة، وقاعدة صناعية ومصرفية ناضجة، ومرافق أساسية متطورة ومتكاملة، إلا أن تأثير الأزمة الأخيرة مرتبط بثلاثة عوامل أساسية: أولها تراجع حركة السياحة الداخلية بسبب الخوف وتغير عادات الأميركيين، وثانيها الركود الاقتصادي الذي سيؤدي الى انكماش في نمط الاقبال على استهلاك الخدمات، بما فيها خدمات السياحة والسفر. أما العامل الثالث فهو تحول السياحة الدولية الوافدة التي تحمل فائض قيمة مرتفعاً، وتسهم في دعم الصناعة والقطاعات الأخرى المرتبطة بها. وكان عدد السياح الدوليين حول العالم عام 1950 لا يتجاوز 25 مليوناً، إلا أن صناعة السياحة والسفر حول العالم شهدت تغيرات كثيرة منذ ذلك التاريخ، وصولاً إلى العام الفائت الذي وصل فيه عدد المسافرين الدوليين الى 700 مليون مسافر. وشهدت الولاياتالمتحدة نتيجة هذا النمو تدفق استثمارات كبيرة توزعت في جميع المجالات الخاصة بالسياحة والسفر. وقادت الولاياتالمتحدة التحولات الكبيرة في هذه الصناعة وفرضت قوانينها على صناعة الطيران التجاري والتحالفات الكبيرة التي عرفتها. كما فرضت معايير الخدمة الراقية في فنادق الخمس نجوم، التي تحمل جميعها اليوم أسماء أميركية، باستثناء "لوميريديان" التي تعتبر الماركة الفندقية الأوروبية الوحيدة المتبقية مملوكة ليابانيين، وبعض علامات تجارية أخرى في القطاع الفندقي في آسيا. وقد يكون من المبكر في الوقت الراهن السعي الى الاحاطة بحجم التأثيرات التي تركتها التطورات الأخيرة على قطاع السياحة في الولاياتالمتحدة. ويعترف المحللون بأن الكثير من المعطيات الحالية للأزمة لم يعرفه العالم من قبل، ولم تكن للمحللين خبرة في التعامل معه. إلا أن الأكيد أن أزمة 11 أيلول تركت آثاراً وندوباً سيكون من الصعب على العاملين في القطاع السياحي التخلص منها. وستؤثر أيضاً على كل منظومة المصالح التي ربطت الأسواق السياحية المجاورة بالسوق الأميركية، بدءاً من كندا وحتى المكسيك وصولاً الى الأرجنتين ودول الكاريبي. ويتعين على الأميركيين بذل جهود مضاعفة في عالم الترويج السياحي. ومما لا شك فيه ان حساسية الجمهور ستبقى عالية، لا سيما بسبب الاجراءات الأمنية الفظة التي تطبقها السلطات الأميركية. ولعل كثيرين من العاملين في الدول المجاورة والبلدان الأوروبية سيفكر في الجانب الايجابي الذي ستحمله هذه الأزمة على الصناعة السياحية لديهم حتى سنة 2004 على أقل تقدير، ذلك أن رفع الوجهات السياحية من الكتيبات السياحية لأي بلد من البلدان يعني أن هذا البلد سيحتاج إلى عامين على الأقل قبل أن يستطيع اجتذاب المسافرين مجدداً. وعلى رغم نضج صناعة السياحة الأميركية إلا أن الانهيارات المتوقعة ستحدث تغيرات جذرية في هذه الصناعة. ولا يبالغ المحللون في تقديرهم أن الخسائر التي ستمنى بها الولاياتالمتحدة في حال تواصل الركود السياحي حتى سنة 2003، ستبلغ عتبة 300 بليون دولار، منها 40 بليون دولار قد تخسرها ولاية نيويورك التي يدر النشاط السياحي 25 بليون دولار عليها سنوياً، ويؤمن وظائف ل280 ألف شخص.